كل شيء صار عندي بلاطعم أو لون أو رائحة . انطمست المعاني الرغبات والاماني. لاشيء يثير قرفي واشمئزازي تذمري ومقتي. وبت اضحك علي الشاكين. يشكون من كل شيء من الأمطار الغزيرة والمجاري والماء الراكد والبعوض. ومن تردي الحال والفساد والسرقات التي طالت كل شيء. لقد فقدت القدرة علي الإحساس. بت أخاف النهايات الكئيبة. ها انذا وحيد من جديد. لقد كنت استعرض مهاراتي لأصل معها لأحوال نرتقيها معا. تعرف اني اتابع كل الأخبار وامتاز بعمق وسماحة جعلها تندلق أمامي وهانحن نكسر السام والرتابة معا. جاءت هكذا كأحلي الأماني احتلت حياتي هكذا برضاي وعرفت كيف تقودني بسلاسة انا بالذات وليس غيري. افتقدتها وانا صادق. غابت فعرفت اهميتها عندي. برهنت بغيابها علي مكانتها في حياتي. لم انزعج لأن الدنيا فقد وغياب. اماكننا التي كنا نزورها معا صارت باردة ومعتمه. أخبار الوجع ليست كالوجع. والآلام والأحزان تفتح نوافذ وشبابيك. اشتريت مسجل لاستماع الاغاني القديمة وكاميرا لتصوير المشاهد الرائعة وانشغلت بلقاءات كثيرة ومتعددة ولكنني لم استمتع بأحلام واعدة تهدهدني كما الأيام الماضية. لقد قررت أن أبدل طريقتي. إن أكون واضحا كالنهار حقيقيا كبوابة عبدالقيوم. دون ثقوب كالطابية. كل ذلك لم ينسيني لها. إنني أرثي لحالي الآن.
صديقي أحمد يسخر من التفاف الصبايا الجميلات حولي وينصحني خاطئا بالمجربات. حديثة كانفجار دوي حولي مستهدفا توهين قواي. لم لملاحظته الوقحة وسرت مرفوع الهامه الي الامام. إنها الحقيقة قال محمد شرف والحقيقة ملك عام. حميدة تقول أنني رمادي. .
تجيبهم انك تحب الانحناءات وحرف الحاء وتميل لحرف الباء ولاتمل الشدو ابدا. يقولون انك مجنون! وحالة مستعصية يصعب علاجها وتتحسر علي انهم لايفهمون. في غيابها رجعت لصديقتي تلك اعتذرت لها فغمرتني بالحنان الوافر والدفء. لدي الآن الرغبة للرقص. إن تصير إنسانا آخر. الغبطة والضحك المتواصل والسير خفيفا كريشة. شعور جميل أن تكون عزيزا لأحد. في مرة لمحت من تشبهها تماما. اعصابي انفلتت وارتجفت. اضطربت. حاولت أن أبدو متماسكا ولكنني لم أستطع. هل يمكن أن يحب المرء فتاتين في وقت واحد؟ هذه الملاحظة أصابتني بصدمة لم أستطع أن اجاوب علي هذا التساؤل. عرقت. شحبت. تضاءلت ولم ينجدني أحد. راسي بدأ يدور. حالات الضعف والجذب أعرفها جيدا لحظات السقوط. إنني عاجز الآن ومنهار تماما. كل ما أذكره أننا كنا جلوسا في الكافتيريا. أحمد. أمين. ومحمد شرف. دلقوا علي ماء الكلونيا. صافرة الإسعاف. قابلني الدكتور المختص. قرر أن حالتي مستعصية وأنني مصاب بعدة أمراض. حب مزمن. انهيار وجداني مفاجئ. انفجار عواطف. قلب معطوب. وغياب وعي كامل. احساس فائق بالجمال. صدمة عند أقل كلمة رهيفه وندية. قال الطبيب لأحمد؛ لقد تربي علي إجادة التصويب فطلقاته تخترق التحصينات المنيعة في دقائق. هذا ما اكسبه معارف عدة وجعل تجاربة دائما مصيبة. وللخروج من هذا الوهن لابد من نقاهه. أبعاد الحسان عنه حتي يعيد توازنه ولتستقر الحالة عنده لابد من انشغاله (لقد اضعت قلبي ) إعلان وضعته علي الحائط. من يجده عليه الاتصال بي. معي الآن المفتاح وانا سعيد بفتح مغاليق الجنة والفردوس. في أية لحظة. وها انذا انتظر عودة الصبية الفتية الرائعة كما عهدتها التي تحلم هي أيضا بانتظاري لها. وعادت…. وجدتها من جديد وطرنا دون أجنحة لبري. ضممتها بحنان الكون كله. سعادة غمرتني فاصبت بالتلعثم والعجلة وصرت أتصرف كصبي غر. الح أن تحكي عن طعامها ونومها وصاحباتها هناك. واختلطت الطرق والأهداف. استغرقت في الجمال الباذخ والجسد الممشوق والحضور البهي. لشد ماحيرني رائحتها واندلاق عينيها. فانصرعت من جديد. حاولت أن اتمالك نفسي إلا أن النص الذي أمامي أدي دوره ببراعة. امتلك ادراكاتي فأجابت حواسي ولفتني الدهشة. حكيت لها عن لحظات الغياب وعن رغبتي في تبديل طريقتي والتغيير الذي أشده. محمد شرف قال عند فقدنا لعزير نرثيه وفي الحقيقة نرثي أنفسنا . أحمد قال : أنها نصبتك أميرا. كيف تحتار وروحك المقصوفة استسلمت لهجماتها المغيرة! قال امين :محمد شرف خائف لنقص في حياته العاطفية.
في أسبوع غيابها فقدت شهيتي للطعام ماعاد السمك المتبل يستهويني ولا شراب العنب الطازج ولا القهوة بالحليب. حاولت أن اتصل بها مرارا لكن الدوائر دائما مشغولة قال امين : الوطن علي حافة أن يكون او لايكون. يقصد امين. الحكومة. وانت تزرع الأوهام والأحلام والامنيات؛ إلا تستطيع أن تربط احاديثك بالواقع. لقد أحسست بأني جرحت. صدمت. لم ا تفاجأ بحديث امين الفاجع. وتحركت علي الحق بها حتي لا اتاخر عن موعدنا معا . قالت لي لا اريد أن يجعلني أحد انتظر. هدوءنا ثقتها وحنانها جعلني أضع يدي علي كتفيها. قلبي يخفق بشدة. اشتمام الرائحة. الاستغراق في الخيال ثم الغياب. أشياء تنبض بوتيرة واحدة. لقد قتلني الشوق وانا أمير متوج علي العالم كله. لايهم الآن أن كان عاصمتي علمانية أو قومية المهم أن لاينازعني فيها أحد. واحسست بالهناء وتنامي اللطف والوداعة. أحس الأنفاس ترتفع استدارات الصدر وشدة الالتصاق. علو وانخفاض. هنا توجد سرة الكون. تحتلني واحتلها واغوص في الوادي الخصيب. غافية ومرتخية. اشمها. أذوق كل ما يقع عليه فمي. اغمض عينيا كالغائب الواعي. تأخذنا العاصفة اتمسك بالغيمات والسحب المتراكمة واجلس مستسلما في وسطها تماما أحاول ربطها بالأرض. تماسكت أيدينا وسار الركب دافئا ووقورا. ركزت البيرق وهبت الرياح مع كل الاتجاهات. تفتح المغاليق البكر نسائم تعج بالنشوة. تترك آثار تمرغ علي الأعشاب. كفرخ حمامة يطلب الدفء من جناح أمه والطعام من فمها في آن. تداعب الشعر الأيادي وتتنامل الأطراف. والاصابع تلامس مكامن الخطر وانت تتأكد من الفتحات كلها. فتح ثم إغلاق. سد المنافذ الأبواب والشبابيك. أسلاك الشعور واللاشعور مددتها وصارت اللذاذات دون قرار. سبحت في نهر ممتد لم انفصل من نفسي. حيوانيتي تسامت. اتحدت مع أجدادنا القدماء. صار نزول المطر في الخارج جميلا رائعا وانيقا. كايقاع الموسيقي راح المطر يدق علي الشبابيك. واضاءات من أثر البرق تصفق لنا بجنون. والرعد يشاركنا كل النزوات. وأنا أمير متوج في غابة من الأحاسيس يسبح الشعب بحمده في بلد راق ونظيف. …