فوق النِّسيان
لا أذكر كيف زُلزلت الأرض زلزالها في ذلك الفجر المشؤوم، وصوت المدافع والرّشّاشات يزرع في قلوبنا ما لا يحيط به الكلام…
وعندما مسح النّهار بيده البيضاء على ما تبقّى من المدينة أدركت أننّي ما نجوت إلّا ليكون عذابي أشدّ من الموت نفسه… وسط الخراب كان رضيعي البكر يصرخ ملء آذان العالم، وهو يشدّ على ثدي أمّه البارد.. يحرّكها فلا تجيب…
أبي.. يروي
خريف سنة 1954
تفقّد بعيره فخرج يقصّ أثره.. هنا برك. هنا رعى قليلا… وها هي الآثار تتّجه إلى…
- آشْ تَعْمِلْ هْنَا؟
- (…)
- ضَاعْلِكْ فِي الجْبَلْ يَا قَوَّادْ فْرَانْسَا!؟
- وَاللهِ خَطِينِي… يَا امِّيمْتِي!!
- مِتْخَافِشْ. امْشِ قُدَّامِي!
- رَانِي وِلْدْ عَمّْكُمْ… بْجَاهْ رَبِّي!!!
مشى خطوات. وفجأة أحسّ بشيء بارد في رقبته فتحسّسها بأنامله.. كان ذلك قبل أن ينفر الدّم ويسقط متخبّطا…
الوجه المظلم للقمر
الحقّ أقول ما دفعني إلى الجبل إلّا الجوع. بوثيقة من قائد “الثّوَار” أحصل على الأرزّ…
بتّ ليلتي معهم محاصرا بنظرات الشّكّ ونواح يأتيني من مكان خفّي… صباحا رأيت شيخا وولده الشّاب في الوثاق…
“اقضوا حاجتهما”
“لن تُنصروا ودماؤنا البريئة تلطّخ أيديكم”!
“اسكت يا خائن!”
وقشع الذبّاح رأس الشّاب ومرّر سكّينه… وكان الأب الشّيخ مذهولا، ينظر ولا ينظر…
فكّرت في الهرب ولكن…
لا يحدث دائما
“لعن الله الفقر. ذبح زوجتي أمام عينيّ وها هو يشحذ سكّينه البشعة ليذبح ما تبقّى لي منها.”
وأرسل نظرة قلقة على أطفاله الرّاقدين تحت قبّة سماء صيفيّة… رفع رأسه فانحبست أنفاسه فجأة، وهو ينظر مدهوشا إلى ذلك الشّهاب الذي انفلت من السّماء واتّجه نحو بيته…
“قل وداعا للفقر.. ألفا مليون دولار لك وحدك. ثمن النّيزك الذي اختار دارك دون سواها!”