بارقة أمل/ بقلم:  د ميسون حنا

 أخيرا قرر مصطفى أن يطرق بابا جديدا حيث انطلق إلى أبيه متفائلا.

بابا: أريد مساعدتك في حل هذه المسألة.

نظر إليه بوجوم، تابع: كونك أستاذ رياضيات أثق به، لا لأنك والدي ولكن بشهادة طلابك وزملائك المدرسين.

-لم أعد مدرسا كما ترى.

– أنا في الثانوية العامة، ولا يرضيك أن أتراجع.

أدنى الدفتر من أبيه الذي نحاه عنه بعيدا بظاهر يده.

-أتركني وشأني واذهب لشأنك.

– لكن شأني حله في يدك.

– إستعن بمدرس خصوصي وسأدفع لك أجره.

– لا أثق بمدرس غيرك.

– لا طاقة لي أن أفعل شيئا لأجلك، إستعن بالأستاذ لطفي.

كانت لهجته لا تخلو من سخرية مبطنة، نظر إليه مصطفى مستنكرا مما استفزه وصرخ:

نعم لطفي الذي أقفلتُ الخط في وجهه، وأسأتُ إليه ولم يتذمر، أستعن به واغرب عن وجهي.

لماذا اختار لطفي بالذات، هو يريد أن يلتقيه، يحادثه، يقرأ دخيلته وما علق في نفسه من أثر تجاهه، هو يبحث عن السلبيات دائما وإن ضئلت ، لكنه صياد ماهر، يلتقطها بخفة، ويلمعها، ويسلط أضواء قلبه عليها فيعميه الوهج، ويزجه في دوامة من القلق والتوتر والسخط والغضب والنفور.، فينكمش على نفسه لائذا بصمت بينما يجيش في صدره بغليان لا يبرده غير الانتقام، لكنه عاجز، كيف ينتقم؟ ليس بالضرورة أن ينتقم بيديه، هو يفعل هذا بلا وعيه، من خلال سلوكه، إذ يخلق جوا متوترا داخل بيته، وهو إذ يفعل هذا يشعر بلذة غريبة، سرعان ما تتحول إلى حزن، نظر إلى مصطفى وصرخ: ماذا تنتظر؟ قلت لك اغرب عن وجهي.

أخفق مصطفى في تنفيذ خطته، شعرت الأم بالإحباط، وارتأى حسن أن يتمادوا بالمراوغة حيث اُستدعي لطفي الذي تضامن معهم لاقتحام عزلة الأب. التموا حوله، نظر إليهم باهتمام، تحولت نظراته إلى نظرات عابثة، ساخرة، ثم أطرق بخبث ينتظر مبادرة ما.

رد التحية ببرود محتفظا بصمته وإطراقته ، جلسوا حوله صامتين، تبادلوا النظرات فيما بينهم، أخيرا قال لطفي:

لطفي: أنت مدرس كفء، ولكني سأساعد في تدريس مصطفى لئلا يثقل عليك.

الأب: نعم فأنا ضعيف متهالك، أعيش على الهامش، لا أقوى على تدريس ولدي، فجئت أنت تتلطف. أنت الودود اللطيف، وأنا الجلف السخيف.

قالت الأم بتحد: لكنه حضر بناء على رغبتك.

انكمش لطفي قليلا، بينما نظر إليه حسن وغمز بعينه مشجعا على المتابعة، تبسم لطفي متواطئا، لاحظ ذلك الأب فتحفز للمجابهة.

قال الأب: لبيت دعوتي مع أني أقفلت الخط في وجهك.

لطفي: لا أريد أن أتذكر هذا الآن.

الأب: لستَ غاضبا؟

لطفي: حتما لا.

قال الأب مستفزا: ألا تثور لكرامتك؟

نظر لطفي منزعجا، لكنه كتم غيظه وابتسم ابتسامة واهية.

قال الأب: لم تجب.

لطفي: أحتمل اعتلال مزاجك لأني أحبك.

الأب: أنت تتغاضى عن إساءاتي ، فأنا مقعد عليل ، وأنت متلطف جميل.

لطفي: أنت صديقي قبل كل شيء، وإن هي إلا وعكة تمر بها، ومن يدري، قد تتحسن.

قال الأب بجلافة : لا تحاول التخفيف عني.

قالت الأم: أنت تتكهرب إذ نلاطفك ، وتغضب إذ نتودد إليك.

نظر إليها حانقا، بينما تبسمت وقالت:

الأم: نحن نفعل هذا لأننا نحبك.

الأب: لماذا تبتسمين الآن؟

نظرت إليه حائرة بينما تابع:

الأب: شفقة؟

قالت بتحد: نعم شفقة.

صرخ: لا أريد شفقة.

قالت بتحد أكثر: بل تريد… تخيل لو عبسنا في وجهك، وأهملناك ، هل كان يرضيك هذا ويخفف عنك؟ نعم هي شفقة ورحمة أنت تستحقها.

صرخ: لا أريد شفقة… لا أريد شفقة، ثم نظر إلى لطفي وصرخ: دونك الولد، درّسه، واتركوني لشأني.

واظب لطفي على الحضور يوميا بحجة تدريس مصطفى، كان يدرسه في حجرة والده بعد أن يلقي تحية عابرة، ولا ينتظر ردا، ويباشر فورا بالدرس. كان الأب يتجاهلهما ثم أخذ يستمع إلى الدرس بلا مبالاة، تحولت تدريجيا إلى اهتمام ، وذات يوم أثناء الدرس قال الأب:

الأب: مصطفى … أشكر الأستاذ لطفي، أتعبناه ، أنا سأدرسك.

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!