مشيت في مدينةٍ نسيتُ اسمها، كأن الصمت فيها قد التهم كل الأصوات، فابتلعت لسانها.
وحين جاعت، أكلت تاريخها، ورمت ذاكرتها في العراء، وانكمشت على نفسها في كهوف النسيان.
عند أول منعطفٍ باغتني، تعثرتُ، وسقط وجهي على الرصيف.
التقطه عابرُ سبيلٍ ومضى سريعًا، كأنه لم يرَ شيئًا.
امرأةٌ تحمل طفلها الحزين سألتني بصوتٍ باهت:
– من أنتِ؟ وما اسمك؟
لم أعرف كيف أجيب… أذكر أن لصًّا سرقهما يومًا حين لم يجد في جيوب ذاكرتي شيئًا يستحق السرقة، فأخذ هويتي وتاريخي معًا.
رمتني بنظرةٍ باردة، وابتسامةٍ صفراء كأنها تعرفني:
– قولي من أنتِ… لن تستطيعي الهرب، فأنا ظلكِ.
مرّ بقربي رجلٌ بلا ملامح، همس في أذني وهو يواصل طريقه:
– أنا ابنةُ الضياع… الدروب لم تعد تثق بي.
كلما وضعت قدمي على بساطها، سحبته من تحتي، فأهربُ من جديد.
– عمركِ؟
– قرونٌ من القهر، وساعاتٌ معدودة من الفرح.
– إلى أين تمضين؟
– إلى نهايتي…
هل لي بشربة أملٍ، وقليلٍ من الحب؟
ضحكت باستهزاء وقالت:
– هذه بضاعةٌ محرّمة… لا ننتجها، ولا نستوردها. كفي عن التذمر!
– كما تشائين…
– انصرفي. عودي من حيث أتيتِ.
التجوال ممنوع.
وحذاري من العبث بالأمن.
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية