يحكى أن طفلة صغيرة على متن قطار واقف على باحة الإستراحة، بينما أمها نائمة بجوارها كانت هذه الطفلة تتأمل من على النافذة في ظلمة اللّيل ووجدت قطيع من الخراف مروا أمامها من بينهم خروف صغير سقط في حفرة استعصى عليه إتمام الطريق معهم دون اكثرات من الأخرين، لم تتحمل الطفلة هذا الموقف وأبت عن النزول قصد تقديم يد المساعدة لهذا الخروف حتى رن جرس انقلاع القطار، واجهت الأمر بصدمة وهي تنادي أمها النائمة وتبكي بحرقة لكن دون جدوى، استمر القطار المغادر في سرعة خاطفة مخلفا ورائه الطفلة الصغيرة وسط غابة من الصمت الرهيب، أول دمعة نزلت لنا كادت أن تحرق قلب الأم حين فتحت عينيها في مكان ابنتها الفارغ (وقد سبق لي في سن الخامسة من العمر معايشة نفس الشئ تقريبا بعد أن تهت في إحدى المهرجانات قبيل تدارك الأمر حين الذهاب الى مخفر الشرطة القريب من تواجدي بعد فقدان الأمل من لقاء العائلة بفعل الزحام، وإن كان لقصة هذه الطفلة المستوحاة من أحداث فيلم أصعب بكثير من حيث الموقف والمدة التي قضتهما تبحث عن موطنها)، هذه الأخيرة استفاقت على واقع الصدمة في فجر جديد من دولة أخرى، لم يكن رحيما في بزوغه المختلف من تقاليد وعادات وعالم أخر لم يفتح ذراعه للطفلة المستغربة بنظرات بريئة، استقرت عينيها عند رجل رأت فيه النور، ذهبت إليه وحضنها حضن الأب حين تأكد أنها ليست من هذا البلد، فكر في إعادتها إلى بلدتها الأصلية ولو بطرق غير مشروعة بعد رفض السفارة المحلية مساعته لعدم وجود وثائق تثبت هوية الطفلة، ليقدم على جمع مبلغ كبير من المال بنية دفعه إلى أحد الواعدين بإعادتها إلى الوطن تحت حسرة الطفلة الغير مرتاحة لهذا الغريب الذي يشتغل كمساعد للناس إلى الهجرة السرية اللاّقانونية ، بينما كان الفراق صعب لكن للضرورة أحكام، وحكم كل منهما الذهاب في حال سبيله، تفكر الرجل الذي حمل الطفلة إحدى الهداية التي أعجبتها حينما كانوا في السوق، ثم أحضرها لها وعاد إلى المحل ليجده مغلقاً، ركض مسرعا ووجد الدراجة التي كانت تحملهما موقوفة بجانب الفندق، سأل إحدى المارين حول تواجد صاحب الدراجة فكانت إجابته بتوجيه يده اتجاه الفندق، سار بالجري أدراجه ليجد ذلك الشخص يتسلم مصاريف بيعها إلى صاحبة الفندق من أجل الدعارة، سقطت الدمعة الثانية لهذا المشهد. وهكذا اسودت الحياة في عين الرجل الذي حضنها وهو يقدمها كبش فداء للهاوية، لولا القدر المزعوم بهيئة تلك الهدية الصغيرة التي لبست ثوب المنقذة حين أرغمته على العودة إليها وإنقاذها من الهلاك، الطفلة غيرت رؤية الرجل للحياة وبعد مضي وقت من الزمن كانوا في مطعم يتناولون وجبة العشاء، رأت الطفلة من الجانب المحادي لها أم تقوم بإطعام طفلتها التي تقربها سنا، حرك فيها هاجس الفقدان لتدمع عينيها وتساهم بذلك في إسقاط دمعتي الأخرى خارج المشهد مشكلة لدمعة ثالثة. استمر ذلك الشخص في رعايتها رغم اختلاف الدين وعقيدته عنها، إذ يرتبط بالديانة البوذية على اختلاف الطفلة الذي اكتشف أنها تعود مرجعيتها للدين الإسلامي، كذلك الشأن بالنسبة لوطنه الذي يعرف صراعا سياسيا حقيقي مع موطن الطفلة، ”الفيلم حاول من جهة إخماد النار عن هذه العلاقة المضطربة بين الدولتين على مستوى السياسي والديني”، (الطفلة ساعدت من قبل ذلك الخروف الصغير لتلقى مصيره ويساعدها شخص أخر ونهاية اخرى مختلفة عن باقي الأحداث الآنفة الذكر.) لكن المغزى من هذا كله وما أثارني أن مهما اختلف الدين، مهما اختلف الوطن، مهما اختلفت القيم والتقاليد نظل في الأخير بشر تجمعنا الإنسانية كما قال زاجرويس أمدي: “أي معتقد أو دين او أيديولوجية تضمك الى فئة من الناس وتعزلك عن الآخرين، أو تباعد وتفرق بينك وبين الأخرين، فهي بالتأكيد ليست جديرة بالإعتناق.”