تمرّ البلاد باختناق اقتصاديّ؛ لعلّه المسوغ الذي يُهوّن قضاء النّهار كلّه في صناعة حبل مشنقة متين، يصلح لمرّات عدّة. ذاكرتي أخشن من يديّ التي تتعاقب على هذا الانشغال؛ لذا لا أذكر لأيّ احتفال أُعِدُّ هذا الحبل. ليس مهمّاً لكنّي سعيدة بفعل هذا رغم كثرة البكاء في المراحل كلّها. يا إلهي! أتفوه بهذه الكلمة المسيئة مجدداً؛ احتفال! تبدو بغيضة مقابل الرّؤوس المتدلية كأنّها فزّاعات حقل لعنتها الرّيح غير مرّة.
تضحك جارتي؛ تلك العجوز الحمقاء، من ألوان الحبل التي اشتريتها، تقولها ساخرة: موت بنكهة قوس قزح! امممم. أنا ذهبت إلى ذلك عمداً، إذ لا يحتاج المَسوق إلى الإعدام كآبةً إضافية أشدّ من موافاة النّزع الأخير!
حسناً أنا متأكدة، ليس لأنّي امرأة تركض بها الأيّام نحو السّتين بل من حدس أكاد أكون مراياه، أنّ الإنسان في ذلك الموقف المهيب ينتبه للتّفاصيل جميعها؛ يستكشف ما حوله عن كثب، ويُبصر ما يعتمل في روحه بجلاء. إنّ جسده الشّاحب يستشعر آنذاك الأنفاس المطمئنة واللّاهثة، والألوان تلك التي تدلّ على حكاية والمحايدة كأنّها الوحشة، والرّوائح الـمُسكِرة والنّتنة حضوراً ومعنى، والوجوه الحاضرة والبعيدة في الذّاكرة!
سآخذ وقتي في صناعة العقدة؛ لا بدّ أنها لن تفلت فريستها. ألوي الحبل المصنوع بعاطفة محمومة؛ لأكوّن حلقة. أدندن أغنية قديمة رقصت على إيقاعها الهادئ ذات حبّ؛ هرباً من فكرة أنّها دائرة سوء! أوصل طرفي الحبل. آهٍ! هذه اللّفائف اللّعينة خشية أن تسقط أغنية دون بلوغ نهايتها.
ماذا أفعل بالصّوت الذي يصدر عند دفع المشنوق صوب حتفه؟ إنّه يَصْدَع القلب. أحاول أن أتخفف منه بجعل الأغنيات التي ترافق صناعته مبهجة لا شجيّة. لعلّها محاولة فاعلة في إحداث دمع مختلف! أتابع لفّ الحبل في صمت مدوٍّ يُشبه آخر أمنياته!
أتأرجح بينما أتمّ صناعته على أرجوحة طفوليّة تضيق بي ذرعاً بينما تتأرجح الأقدام اليابسة عقب سقوطها الحافل بانتصار مزعوم في مخيلتي!
يهبّ هواء كأنّه اغترف من جليد، تلقي جارتي حصاة صغيرة فتنفجر فقاعة شرودي؛ إنّها تخشى عليّ من لفح البرد: متى ستنتهين من هذا الحزن! تعالي لنشاهد الأخبار.
أعلّق الحبل في المساحة المتبقية وأنصرف بالرّجاء ألّا يكون صغيري الذي كثرت أوسمة حروبه على جداري قد توجّع يومها!
٢٠١٨