ضاقت قبورُ الأرضِ بالعظماءِ من إخوانكَ الأقيالِ مُتّسعاً وذرعا
وكأيِّ قبرٍ أنت،
صمتُكَ مُستمرٌّ
عينُكَ لا ترى شيئاً
وأذنُكَ لم تصِخْ لضميركَ اليمنيِّ سمعا
سرق الظلاميون ضوءك منك شمساً
أنجماً
قمراً
مصابيحاً وشمعا
وبقيتَ أنتَ كأيِّ قبرٍ
لا يؤثر فيكِ ما يجري
وليس يُحدِثُ ما يدورُ لديكَ وَقعا
حصد السلاحُ (العنصريُّ) النصفَ من أبناءِ قومِكَ ثم قدّمهم على أطباقِ صمتكَ وجبةً للحربِ
تأكلهم فيزداد السلاليون شبعا
وهنالك الباقون من إخوانك الأقيالِ في قلقِ انتظارِ حصادِهم
وأمامَ عينِكَ يقضمون أسى الحياةِ
وهم هنالك في انتظارِ الموت مرتاعين جوعى
شعبٌ بأجمعهِ يُساقُ الى الفناءِ
وذاكَ شعبُكَ يدفعُ المتوردون به على عجلٍ إلى الإعدام دفعا
أرضٌ بأكمَلِها تُصادَرُ من أهاليها
وتلك الأرضُ أرضُكَ للسلاليين مائدةٌ
وللإرهاب قاعدةٌ
وللأزماتِ مَرعى
مكتوفتانِ يداكَ
وأنت تمثالٌ تراقب كيف أن يدَ الدخيلِ، الطارئِ، المتورّدِ، الغازي، لفيفِ الأدعياءِ،
تُمَدُّ إلى جميع حقوقِ قومك في الحياةِ
فلم تحرِّكْ ساكناً
بل لم تقل (كلّا)
ولم نسْمعك قطعا
حجرٌ كأنّكَ
أو كأنّكَ لستَ معنياً بما يجري
كأنّكَ لست من قومِ اليمانيين مرتبطاً بهم مجرًى ونبعا
صنماً تعيشٌ
فلا قضيّتُكَ المقدسةُ العظيمةُ أنت تحملُها
ولا الهدفُ اليمانيُّ النبيلُ إليهِ تسعى
تقِفُ الحيادَ..؟!
وهل يُحايدُ من يُشكِّلُ أهلُهُ طرفاً بمعركةِ المصيرِ؟
وهل يليقُ به السكوتُ وأهلُهُ يتعرضون لأبشعِ الهجمات في التاريخِ
حربُ إبادةٍ
محوٌ
وتطهيرٌ لعرقٍ لم يكن أبداً من الأعراق فرعا
يا لابثاً في الصمت يسألُ نفسَهُ في السرِّ همساً: كم لبثتُ من السنين المقفراتِ؟
فيسمعُ الدنيا تردُّ: لبثتَ حتى الآنَ تسعا
تسعٌ مضت و”الغاشميةُ” تستبدُّ بشعبكِ المغدورِ
تُلبِسُهُ لباسَ الموتِ
تسلبُهُ لباسَ حياته أرضاً وأنهاراً وزرعا
تسعٌ عجافُ
صمتُكَ الأبديُّ يُغريها بأن لا تنتهي
وبأنْ تضاعفَ نفسَها فتصيرُ ألفاً وهي موقنةٌ بذلك
طالما سيظلُّ صمتُكَ حولها دوماً يباركُها ويرعى
تسعٌ وأسيافُ السلاليين تشربُ من دمائكَ ثم تكتبُ بالدماءِ على الجرائدِ كلَّ يومٍ عنكَ مأساةً ومَنْعى
تسعٌ وشعبُكُ بين مذبوحٍ يسيلُ دماً
ومذبوحٍ عليهِ تسيلُ أعينُهُ صديداً من محاجرها ودمعا
تسعٌ وأهلُكَ بين من يتساقطون مجاعةً بيَدِ الفناءِ
وبين من يتساقطون بسيفِ سفّاحِ السلاليين صرعى
تسعٌ وأبناءُ السلالةِ يفرغون عليك أحقادَ العقودِ الماضياتِ
ويخلقون بصفك القوميِّ من حَمَأِ الضغينةِ فيك صَدْعا
ماذا بذلتَ لأهلكِ الضعفاءِ حتى الآن؟
صمتاً يُذبحون على حصيرتهِ
وكفّاً كلما رفعوا إليه وجوهَهم أملاً به
أدمى الوجوهَ الناظراتِ اليهِ صفعا
يا نَبْتَ هذي الأرضِ
صمتُكَ قوّةُ المحتلِ
صمتُكَ قوةُ الكفِّ التي تسعى لنزعِ جذورِ ذاتِكَ من عميقِ الأرضِ نزعا
يا من ينادي أمَّهُ
فتُجيبُهُ صنعاءُ
صمتُكَ يفتحُ الأبوابَ أجمَعَها لتَخرُجَ صاغراً منها
ويرسمُ ألفَ خارطةٍ على وجهِ المدى لضياعِ صنعا
ماذا ستصنعُ أنت إن فاتَ الأوانُ
ومُتَّ
وانتصرَ العدوُّ
ونالَ ما يرجوهُ..؟
أنت على حياتك عشتَ كالأمواتِ ما أحدثتَ صُنعا
ماذا ستفعلُ..؟
كلُّ فعلٍ سوف يأتي منكَ بعد أوانهِ عبثاً
ولن يُجديكَ نفعا
ماذا بوسعك أن تردَّ من الأذيّةِ عنكَ بعد وقوعِها وهي التي عرفتْكَ قبل وقوعِها لم تستطعْ رداً
ولم تَجِدِ الأذيّةُ منك دفعا
هيهات إن فات الأوانُ بأن تكون مؤثراً
حتى وإن أحسستَ أنك صرتَ أوعى
لن تستعيد بوعيكَ الزمنَ الذي أهدرتَهُ إن أنت أهدرتَ الزمانَ بغير وعيٍ
لن تنالَ وقد خرجتَ من الزمانِ (وإن وعيتَ) إليهِ رُجْعى
فتداركِ الأخطاءَ
إنّ لديك متسعاً لذلك
ها أنا أدعوكَ حتى لا ترُدَّ إذا وقفتَ بحضرةِ التاريخِ مسؤولاً
بأنك لم تكن تدري
وأنك لم تكن للمنهجِ اليمنيِّ تُدعى
أدعوك فاشهد أنك اليمنيُّ حقاً واليمانيين أهلُك لا شريك لكم بأرضكمُ المقدسةِ الحبيبةِ
ولتكن دوماً بجانبهم لها حصناً ودرعا
قلها بمَلءِ فمِ الشجاعةِ
لا تخفْ
قلها مدوِّيةً بصوتِ الحقِّ ولتُسمعْ شعوبَ الأرضِ جَمعا
قل: ها أنا
حدد لنفسك موقفاً حراً
وكن سيفاً يمانيّاً وحنجرةً وصنديداً يخوض الحربَ ضد سلالة الإرهابِ طوْعا
قلها وعِشْ حراً كريماً
أو فمُتْ إن مُتَّ مَيْتَةَ فارسٍ بطلٍ يُجَلُّ
ولا تمتْ موتَ الجبانِ
فميتةُ الجبناءِ شنعا