لصحيفة آفاق حرة
….. _____
القمة هدفه , القمة ولن يرضيه سواها, سيقف على قمة جبل عقيل هناك ويفرغ كل ما يعتمل في نفسه من المشاعر والأحاسيس.
انتعل حذاء رياضيا وثيابا خفيفة, ثم خرج من منزله, مدينته تتكئ على الجبل وتنبسط على السهل الفسيح حتى تغيب حواشيها في الضباب, ترتفع مبانيها معانقة السحب وتسمق أشجارها مانحة الثمار والظلال لكل محتاج, تفرش ساحاتها للحمائم وتبذل أزهارها متعة لمن أراد أن يقول تبارك الله.
ترك المدينة خلف ظهره وراح يتسلق الجبل, صخور تتلوها صخور تتلو صخورا, تسلق فوق بعضها ودار حول أخرى حتى بلل ثيابه العرق, توقف وألقى نظرة للوراء , في هذا الجبل مزار مقدس يسعى إليه من يؤمنون بقداسته, ينثرون دعاءهم ورجاءهم على أعتابه.
– سأقف على القمة, لأجعل هذه المدينة بكل ما فيها من بيوت وشوارع وأسواق تركع تحت مستوى حذائي
توقف ليرتاح لحظة, راح يستعرض تاريخه: فشل يتلو فشلا, في المدرسة, في الجامعة, في كل ميدان للعمل جربه ثم طرد منه, في خياله مشاريع يعتقد أنها سوف تكتسح الأرض لو أنجزت, تحتاج الكثير من التمويل, ولا مال لديه, مشاريعه تثير سخرية من حوله, مشاريعه كلها ما تزال أحلاما تراود يقظته, وتتركه في عزلته شاردا ساهما , في هذا السفح كان جده يملك أرضا واسعة وقد شملها اليوم المخطط التنظيمي للمدينة, لكن أمه ماتت قبل أبيها , وباع الجد الأرض قبل موته .
– سأبصق على هذه المدينة الحمقاء, التي لم تتسع لأحلامي ومشاريعي, ولا تستحق نابغة مثلي.
أخذ نفسا وفرد صدره, تاركا نسيمات الهواء تجفف بلل ثيابه, ثم عاود التسلق من جديد, المكان وعر ودروبه غير مطروقة, يبدو أن لا أحد من الناس قرر تسلق هذا الجبل منذ نشأة الأرض حتى اليوم, لكن إرادته القوية كفيلة بتحطيم كل العقبات, مشروع انجاز بروج سكنية ومجمعات تجارية ما زال يراوده, وهو لا ينقصه لإنجاز مشروعه سوى الأرض والمال.
– سألعن كل هؤلاء البلهاء المستسلمين لتسلسل الأحداث التافهة في حياتهم البليدة.
توقف بعد مسافة ليستعيد قواه, لقد نسي في غمرة حماسه اصطحاب قارورة ماء يتقي بها لزوجة ريقه الذي كاد يجف من شدة الظمأ, لكن لا بأس, لقد تجاوز ثلاثة أرباع السفح , وما بقي أمامه سوى القليل, فكر بحفر آبار للماء يستغني بها مشروعه عن شبكات البلدية, وسيبني مصانع يشغل فيها نصف رجال هذه المدينة, وبالأجور التي يحددها, وبساعات العمل التي يطلبها, لن يستطيع اعتراضه أحد فالبطالة تضرب أطنابها في كل مكان, سيجعل منهم عبيدا له, أوقطعان أغنام يسوقها بعصاه, التفت فوقع نظره على الطريق الدولي السريع, صار بعيدا, بعيدا جدا عن مستوى الأرض, يبدو لعينيه كدرب النمل كانت النمال الحديدية تجري بحمولتها من البضائع والبشر على جانبي الطرق لا تلوي على شيء.
– سأقف في الأعلى , لأجعل كل الداخلين إلى المدينة والخارجين منها يمرون من تحتي ..
حين وصل إلى القمة, فتح أزرار قميصه للريح, بسط ذراعيه على جانبيه فشعر أنه يطير في السماء, أخذ نفسا عميقا , جمع ريقه المتلبد في كهف فمه, اتجه إلى مدينته وبصق بأعلى صوته
– تفوووووووووو
لم ينتبه أحد من المسافرين على الطريق الدولي السريع, ولا أحد من المنشغلين بتفاصيل حياتهم اليومية في تلك المدينة, الى رجل بحجم الحصاة, يقف على ذروة الجبل , وقد صفعت الريح وجهه, فألصقت بصاقه على شاربه ولحيته.