رسائل النيت/ بقلم:عبد السلام كشتير (المغرب)

ابعث لك

كعادتي كل مساء وأنا في مقهاي التي اعتدت الجلوس فيها والاستمتاع بفنجان قهوتي المعدة حسب رغبتي، حيث يبرع المسؤول عن مكينة القهوة في تهييئها، بل أصبح يعرف طبيعة رغبات زبائنه، يعد لكل واحد قهوته المشتهاة، أعتكف على هاتفي فأغوص في شاشته لأسرح في عالم النيت وأنا أمرر الصفحات تلو الأخرى أبحث عن جديد الأخبار وطريف المعلومات، وما ينشر أصدقائي الافتراضيون. وأشاهد في الٱن نفسه صور لأصدقاء مفترضين يرغبون في التعارف وتقاسم ما تزخر به صفحاتهم من معلومات.
تذكرت حدثا وقع قبل بضعة شهور مازالت تفاصيله طرية في ذهني، لما أثارتني صورة سيدة في عقدها الرابع، بعثت ببروفايلها بحثا عن أصدقاء. مر أمام عيني مرات متعددة دون أن أقبل به. تجولت قليلا في حائطها، لم أقتنع كثيرا بما تنشر فأهملت الطلب. لكنها أعادت بعث طلبها من جديد، فقبلته. لا أدري ما الدافع وراء هذا القبول، لكنني قلت في نفسي صديقة أخرى تنضاف إلى لائحة الأصدقاء، قد تكون صفحتها مفيدة مستقبلا، فينعكس الأمر بالإيجاب علينا جميعا.
تبادلنا إشارات القبول بالكف الأصفر المتميز. ودشنا تعارفنا. مر اليوم الأول دون جديد يذكر، لكن مع توالي الأيام لاحظت أنها تهتم كثيرا بتدويناتي رغم بساطتها، فتثمنها وتتفاعل معها بلغة أقل ما يقال عنها أنها رقيقة وأنيقة. عاملت منشوراتها بنفس المستوى وأنا أحرص على التفاعل معها كلما سنحت الفرصة، وطرحت جديدا على حائطها.
توالت الأيام وتواثر تبادل الرسائل بيننا بشكل كبير، بل أصبحنا نتعدى التفاعل مع منشوراتنا إلى الدردشة الخاصة، حيت وسعنا أحاديثنا لتشمل العمل والمعيش اليومي والأسر.. ثم اقتحمنا عالم المفاهيم المؤطرة لحياتنا، كقنوات التواصل الاجتماعي وحدودها وأبعادها وردود الفعل التي تنجم عن تجاوز حدود الصداقة الافتراضية وجنوح البعض نحو مستويات عادة ما تزعج الطرف الثاني الذي يكون غرضه الصداقة والتواصل وربط علاقات إنسانية للخروج من براثن الروتين والضجر الذي يطرحه المعيش اليومي.
لم تتأخر يوما في الإجابة عن رسائلي، بل تهرع إلى الرد في كل الأحوال. كنت أبادلها نفس السلوك.
كانت الرسائل المتبادلة بيننا تعبر عن مدى سمو النقاش الذي نخوض فيه عادة، فيعمل كل طرف على تقديم مساهمته وهو يبحث عن كل ما من شأنه أن يجعل النقاش مفيدا وهادفا. نسمو به إلى الأفضل ونحن نتجنب الدخول في أي مجال عقيم قد يهدم صداقتنا ويقوض ما بنيناه عبر زمن لا بأس به، كانت الرسائل فيه وسيلة أساسية لبسط الأفكار وتحليل المعطيات التي يقدمها كل واحد منا.
ذات حوار هادئ اقترحت عل صديقتي أن نخرج من الافتراضي إلى الواقعي، ونجرب الصداقة الحية الملموسة، ربما نمتن صداقتنا أكثر.. حاولت أن أضمن رسالتي ألفاظا واضحة حتى لا تستحمل تأويلا سلبيا.
لم تجب عليها في حينها، بل أرجأت الحديث عن الموضوع. ربما لها أعذارها والتزاماتها التي تمنعها من تلبية طلبي، هكذا خمنت.
انتظرت أكثر من ثمانية وأربعين ساعة دون فائدة.
أثقلت الميسنجر بالرسائل دون جدوى.
ماذا حدث لماذا لم تجبني صديقتي؟
هل كنت متسرعا حينما اقترحت الخروج بصداقتنا إلى العلن؟
ندمت على فعلتي ولم أجد الوسيلة المواتية لطلب الصفح والاعتذار عن ذلك.. أو ربما إلغاء الفكرة وإعدامها.
في اليوم الرابع وجدت رسالة في الخاص، بعثتها صديقتي تخبرني أنها ستكون في الفضاء الفلاني تنتظر حضوري غدا على الساعة كذا.
كانت مفاجأة جميلة لم أتوقعها ولم أضعها في الحسبان. كدت أطير من الفرح، فرح اللقاء بصديقتي الافتراضية.
أيحدث هذا بعد كل هذا الانتظار والقلق والتوتر الذي سببته لي حينما أحجمت عن التواصل كما دأبنا على ذلك مدة طويلة؟
كانت رسالتها طويلة ومليئة بالكلمات الراقية، والمعاني والإشارات التي لمعت من بين سطورها وألفاظها…
لم أتمكن من النوم إلا بعد ما استرجعت في ذهني كل تفاصيل الرسالة، محاولا تأويل ألفاظها والبحث عن المعاني التي ترمي إليها ..
في الوقت المحدد في الرسالة، دخلت الفضاء الذي عينته كمكان لنلتقي فيه. وصلت إلى هناك هاتفتها حتى أتمكن من التعرف عليها. رفعت يدها لما توصلت بمكالمتي أسرعت إليها، وقفت أمامها راسما على شفتي ابتسامة عريضة تلخص كل شيء.. سلمت عليها ثم قبل أن أجلس، لمحت عجلات الكرسي المتحرك. تفاجأت من هذا المشهد، وهي مازالت مبتسمة تتابع ردود فعلي.
زادت دقات قلبي وبقيت مشدوها لما رأيت…
تداركت الأمر وأنا أحس بعرق بارد يغزو جسمي. جلست أمامها، ثم استرسلت في الكلام أسالها عن أهلها عن حالها، عن كل شيء في الحقيقة وأنا أحاول استبعاد الحديث عن حالتها الصحية التي تفصح عن نفسها أمامي.. قاطعتني بكلمات مؤثرة جدا وهي تتحدث عن وضعها…
مرحبا سررت باللقاء بك وتحقيق هدفك. أشكرك على تواصلك الراقي الأخوي. فعلا كنت صديقا رائعا وأنيقا.
والٱن بعد ما تعرفت علي واقعيا، هل يا ترى ستستمر في صداقتك معي كما كنا نناقش افتراضيا، أم ستنهي هذه العلاقة وتعتبرها حدثا عارضا لن تتذكره مستقبلا؟

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!