الرسالة الثانية
يا إلهي …… إلى من تكلُني ؟ إلى من وليت أمري ؟ فلم يعد لي غيرك يا رحيم ،، في السماء تتجلى عظمتك وفي الأرض ظاهرةٌ بسطتك كم أنت عظيم يا إلهي أنا عبدك الضعيف المقرُ بعظمتك و بجبروتك وبملكوتك و برحمتك وعفوك و عدلك …. أنا ذلك العبدُ الذي غرته الحياة الدنيا الفانية وأزله الشيطان وأغراهُ عفوك وسترك ،،، مخلوق ضعيف كشرنقةٍ في غابة كبيرة كثيرة الاحراش متناهية الادغال …. ها انذا أعترفُ وأقرُ لك بوحدانيتك والوهيتك بعد أن مر العمرُ سريعاً و ذهب عنفوان الشباب ووصل الحال إلى هذا المئال بعد عمرٍ ناهز السبعون عاماً أو يزيد …. من يدري بأن هذا العبد العجوز لم يسجد لك سجدة طوال هذه السنين الفانية ؟!! متحججاً بعدم عدلك بعد ان أصابه مس العشق وأحرق قلبه نار الوجد …. كافأته بالصبر والستر طوال هذا العمر الذي مرَّ سريعاً كرجلٍ أستظل تحت شجرة لساعة ثم استأنف الرحيل. تباً كيف أستطعتُ ظلم نفسي ؟! حتى أصبحتُ تائهاً أهيمُ على وجهي لا أدري أين السبيل ؟ فتفرقت بي كل السُبْل ، فستخف بي الشيطان وأغواني هوى النفس . .. آه يا إلهي ….. هل ستقبلني حقاً ؟ كم أنا تعيس وأحمق حتى أشترط عليك بالقبول بعد كل هذا الجحود الكبير والمعاصي التي تكبلني وتحيطني من كل مكان …… من أنا لافعل ذلك ؟ فخجلي يمنعني بأن أرفع رأسي نحو السماء….. ليلة البارحة عدتُ بشاحنتي من مكانٍ بعيد كان الجو رعدٌ وبرق والسماء كئيبة وملبدة بالغيوم السوداء كنت أظن بأن نهاية هذا العالم الموبؤ قد حان وقت إنتهائه … كم مرة بصقتُ في وجه هذا العالم القذر ودعيتُ عليه أن ينتهي بنيزكٍ من السماء أو بصرخةٍ كصرخة عادٍ و ثمود … اللعنة كم أنا سخيفٌ جداً ؟! ها أنذا أترنح وحدي ويبقى هذا العالم المليء بالحقد والجشع وكأن إرادة الله تريد بقائه لحكمةٍ لا نعلمها جميعاً …… ليتني أستطيع أن أكمل هذه الرسائل قبل أن تلتهمني مكينة الموت الكبيرة التي لا تشبع ولا تذر أحداً فتعصر روحي دون هوادة وبلا شفقة ……. لربما أحد صادف رؤية هذه الرسائل وقام بتسليمها إلى ( سلمى) لعلها تعرف كيف حالي تبدل بعد فراقها وكيف كانت هي سبب تعاستي وشقائي كيف كانت لعنة تطاردني في حياتي …… من أين أبدأ هذه الرسالة ؟ سأبدأها من هنا من حيث أنا الان من هذه اللحظة ، في هذه الغرفة الصغيرة المصنوعة من الحديد والخشب الواقعة في شرق صحراء الربع الخالي ، تسمى(كونتر ) من بقايا مجمع سكن لعمال شركة صينية تعمل على تنقيب النفط في هذه الصحراء الكبيرة …. يقع سريري في طرفها وفي الجانب الآخر سرير فارغ ومتهالك أصابه الصداء فبدت قوائمه تكاد تحْملانُه كان يستخدمه زميلٌ لي في العمل من دولة الهند سافر ولم يعد ،، سمعت مؤخراً بأنه مات مسموماً في بلده بعد أن وضعت له زوجته مع عشيقها لقتله الآن أضع على سريره بقايا ثيابي المتسخة بالعرق والرمل من جراء العمل الشاق على هذه الشاحنة الألمانية القديمة…. إبريق شاي تحول لونه إلى الأسود من كثرت إستعماله وموقد صغير يعمل بالجاز … وتلفاز عتيق صنع شركة سانيو اليابانية مازال يعمل رغم عمره الطويل وبطارية صغيرة تحت طاولة التلفاز أستخدمها لشحن جوالي ومشاهدة التلفاز عند عودتي من العمل …. سجادة صلاة عتيقة معلقة على الجدار كان صديقي الهندي يصلي بها والان عزمت بان أصلي بها من هذه الليلة باذن الله ….. هذا الكتاب الأبيض والقلم الذي أكتب به الآن حصلت عليه بين بقايا ملابس صديقي الهندي الذي كان يستخدمها لتدوين مذكراته فقررت أن أدون بها رسائلي التي اسميتها رسائل إلى سلمى ….. هذه هي مملكتي فقط بعد أن عشت كل مراحل البذخ وسافرت لكثير من بلدان العالم عاقرت النساء والخمر فيها … وهانذا اموت الآن أعزب دون أن أنجب ولداً يحمل اسمي ربما كان لي الكثير من الأولاد لكنهم كانوا أطفال الخطيئة والنزوة … قالت لي صديقتي السمراء في الحبشة أنا حاملٌ منك يا مهيوب. … لكنني قهقهت ككلب أجرب قضى وطره وذهب لحال سبيله …………. بقلم /عبدالرقيب طاهر