تدقُ نقراتُ المطر بانتظام على زجاج نافذته كأنها تقرع طبول الحرب .
يشتمُ رائحة التراب المعطر بالندى .. فيسترجع رائحة من كانوا أحبابه ..
يتنفس عميقاً ،كأنه يتنفس لآخر مرة .
يشهق ، كما لو كانت شهقته آخر ما كُتبَ لهُ على وجه الأرض ،
تراوده سِكِيناً حادة في مطبخه عن موقع قلبهِ ، لكنه يتراجع مبتعداً خائفاً في اللحظة المناسبة .
ويُعودُ لذاكرتِهِ ظلٌ عبثَ بروحهِ ومشاعرهِ ..
فيحاول إبعاده دونما جدوى ،ظلّها ملتصق بهِ وبمخيلتهِ لا يبارح المكان ،
عقلهُ قد انطفأ من خمرةٍ رخيصة اشتراها من حانةٍ قريبة .
سألها مرة :
هل ستبقين معي ؟!
هل ستتحملين فقري وضعفي وقلة حيلتي ؟!
خوفي من القادم يلقيني شريداً على الطرقات ،يبتز مني آخر ما تبقى من حطامي .
ضجر الشوارع والجوع تجعل الدنيا بي تَمور .
اقتربت منه بفستانها الوردي الذي يكشف عن كتفيها بجرأة وقحة يهابها،
فيرتعد ثم يبتعد عنها قليلاً .. ليسمع نغماتٍ من صوتها تصلُ قلبهُ قبل عقله :
سأبقى أرفرف حولك كحمامة بيضاء ..
أنت حاضري ومستقبلي وسأمزج حياتي بحياتك ..
فلا نفترق أبداً ..
لا .. لا تخف ..
سأتمسكُ بك .. وستكون لي .. وأكون لك .. كتيارٍ وصخرة ..
تصادم أزلي .. لا تخشَ الأمواج ولا العواصف ،
أنت شاطئي وملاذي الوحيد .
اقتربت أكثر وأكثر ..
كسوطٍ من حرير تلسعهُ أنفاسها الدافئة ، صدّقها .. طاف منتشياً..
نجمةً أضاءت لهُ الكون بأحلامٍ وردية كفستانها المثير ، نجمة ليلٍ مزيفه ..
لم يعلم أنها مجرد لحظة وأنه عابر سبيل بالنسبةِ لها ..
غرقاً في صخب اللحظات ..
ليلة .. ليلتين .. وأكثر قليلاً ربما ..
وعلى حين غرة .. أتى ..
هو .. غريمهُ .. نقيضهُ في كل شيء ..
موجٌ قويٌ عابثٌ ، خطفها بإرادتها .
اختفت ..
” وللمالِ سلطة “