غُربة/بقلم:محمد المبارك

هكذا شاءت الأقدار الإلهية أن يولد لسارة طفلا فاقدا لحاسة البصر، ولم يكن إخبارها بذلك بالأمر الهين ، كان يشعر بذلك زوجها الذي هو الآخر لم يتمالك نفسه أمام هذه الحقيقة المرّة التي استقبلها ونزل عليه خبرها كالصاعقة.

أجهش الأب بالبكاء حاول أن يخفي مدامعه مع وصوله إلى سرير زوجته الذي يقبع في الزاوية اليمنى من الغرفة رقم 102 في الطابق الأول من المستشفى وما أن وصل حتى تلقته بكلمات التصبر والتجلد والتذكير بقضاء الله وقدره وإن هذا امتحان يبتلي به الله عباده المؤمنين.

سماع هذه الكلمات منها أعاد لروحه النبض والتفاؤل ليعلم أن من تشاركه الحياة على استعداد تام لتشاركه تفاصيلها على الحلوة والمُرّة.

بدأت المعاناة مع هذا الطفل منذ ولادته ، فقد بدت العناية به مضاعفة بسبب فقدانه إحدى حواسه فكان لابد من والديه أن يكونا له عينان بدلا من اللتين لا يبصر بهما.

أخذت الأيام تركض بعبد البصير الذي كلما زاد عمره عاما زاد معه همّ والديه من التفكير في مستقبله وفي مصيره وكيف سيلاقي الصعوبات في تعليمه وفي عمله وفي زواجه.

انغمس والداه في هذا التفكير وهو لم يتجاوز التاسعة من عمره بعد وكلما أخذه الملل خرج لعله يرى من يشاطره الرغبة في إضافة جو يدفع الكآبة عنه وما إن يخرج حتى تدفعه كلمة ( يا أعمى) للركون إلى داخل البيت من جديد.

بلغ عبد البصير العشرون من عدد فصول الخريف التي عاشها ولم يوفق للدراسة حيث لم تكن هناك لا مدرسة ولا مركز قريبا من قريتهم أو بجوارها و كان أبوه عاجزا عن امتلاك ما يوصل به ابنه إلى المدن لتعليمه.

سأم الشاب الكفيف من الحياة الرتيبة التي يعيشها لا دراسة ولا عمل ولا أصدقاء يقضي معهم عتمة زمانه ويسلي بهم وقته وقد أخذته التفاتة أنه إن بقي على هذا الحال فلن يوفق حتى للزواج ، فما كان منه إلا أن عرض على والده أن يبحث له عن حل لعلاج في إي مكان وبأية طريقة ؟!

تجاوب الأب مقدرا رغبة ابنه وحالته ووعده بأن يكونا على متن أول طائرة تقلع إلى تلك البلاد التي عُرِفَ فيها ذلك الطبيب المتخصص في مثل حالة عبد البصير ، باع الوالد ما يمتلكه وهي قطعة أرض ليسدد بها تكاليف السفر وفعلا لم تمضِ سوى أيام قلائل حتى وصلوا إلى هناك حيث كان المستشفى يقع في وسط الشارع المؤدي إلى الميدان الكبير في وسط المدينة.

دخلوا الى ذلك الطبيب وألقوا إليه التحية وعلى الفور طلب الطبيب من عبد البصير أن يتمدد على السرير ، بعد أن قام بما يجب من الكشف وتأخر في الفحص طلب الطبيب منه الانتظار في خارج العيادة وقد أنفرد بأبيه وعبد البصير يسمع من الخارج وهو يخبر أباه بأن حالته ميئوس منها ، أندهش مما سمع فرّ هاربا ، شعر والده بذلك حاول اللحاق به لم يتمكن وإنما سبقه هو لترتطم به سيارة مسرعة لتلقي به على رصيف الشارع وقد أردته قتيلا ليفارق الحياة شابا بائسا في أرض غربة..

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!