فأر التجارب/ بقلم : نور الدين بنبلا( المغرب)

طفل صغير انكب على وجهه، سقط من ظلمات العمق السرمدي الى نور حياة مظلمة ، فانطلق صوت البكاء ، وتسربلت وأوآت الحروف من فيه، تنعي وتنهي سباته وتهدم حاجز الصمت بينه وبين بيته الزجاجي الشفاف. تلقفته الأيادي وتلاعبت به ككرة النار الملتهبة ،وهولا ينظر ولا يرى إلا أطياف وأشكال تمر أمامه ولا يدري ان مصيره تقرر وان مستقبله بات في حكم الماضي .

الفرحة عمت والزغردات شنفت مسامع المتفرجين .ظهر بطل جديد  بهاؤه ماتع يبهر الناظر. تقلد الوسام في حمل أثقال هموم ومشاكل ذاته. فتحركت الشفاه والهمسات،وأعلن أنه جنس ذكر وظل اسمه في حكم الخلاف بين الأصل والفرع.

مرت أزمان، وتبدلت بلدان، وتفتحت الأعين على نور ظلمة حارقة، تكوي الجباه.وتفحم العظام، معلنة عن بلوغه سن رشد فأر التجارب.أدخل المخبر بحكم القانون، وجرد من ثوب القيم، وحصانة الأخلاق الفاضلة.تمشى ، وتعجب من أنابيب طويلة ملتوية  ومخبلة ،  وحملق  في سقف أتلفت ملامحه خيوط العنكبوت، واسودت أركانه بأدخنة التجارب الفاشلة. وتمعن في فقاعات كثرت ألوانها وغلت أصواتها فوق آنيات الزجاج الشفاف.

ـــ”تفضل اجلس يا ولدي ” قالت صاحبة الوزرة البيضاء.

ـــ ” شكرا سيدتي ”

_ ” ربما أنت المتمرن الجديد؟”

ـــ ” لا سيدتي بل عينت كرسمي في مختبركم ”

–” لابد انك محلل بيانات أو متخصص كيميائي؟”

–” لا سيدتي، أنا فأر التجارب الجديد وعينت بقرار رسمي”

ـــ ” أهلا بك في عالمنا ”

ــــ”شكرا سيدتي”

طلبت صاحبة الوزرة البيضاء منه الجلوس على كرسي أحاطت به القيود من كل جانب. مد ذراعه ،أحس بحقنة تخترق وريده، فصاح صيحة مدوية اهتزت لها أرجاء المخبر ، وما كاد يفعل حتى تحلق حوله جمع من أصحاب الوزرات البيضاء، وتناثرت قهقهاتهم ،وارتفعت أصوات همساتهم .وتبسمت الأخصائية وقالت له:

ــ “لما كل هذا؟ التجربة بسيطة، ومن خلالها سنتعرف على قوة سعة القلب وقوة التحمل عند بني البشر. ”

عند بني البشر! ليس عند فار التجارب . لقد خانته خلايا عقله، فارتمى في غيبوبة لم يستفق منها الا على زقزقات العصافير …

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!