تعودت غادةُ على مُجاملة الزبائن المارين بمحل عملها؛ المُتمثل بالسوق الكبير لبيع المواد المنزلية. وكانت المرأة العجوز: أم مصطفى، كثيرة التردد لذلك المكان بمناسبة أو بدونها، وكثيراً ما كانت تحتاج إلى مُجاملات غادةَ التي لا تكلُّ ولا تملُّ من الإصغاء لمحادثاتها الطويلة. بل إنها أصبحت تعتكز مقعداً مُتحركاً كي تجلس بجانب الشابة، وتبدأ بسرد كل شاردة وواردة عاشتها في حياتها، وهي تجهل تماماً مدى الضّرر الذي تُسببه لها، لاسيما أن الموظفة قد تلقت أكثر من تنبيه بهذا الشأن من ربِّ عملها، لكن طيبتها وعطفها على تلك المرأة وإحساسها بأنها مُحتاجة لمن يصغي اليها؛ منعها من الامتثال لأوامر المدير، يوماً بعد يوم وزيارةً بعد أخرى؛ استدعى المسؤول غادةَ ليبلغها استغناءهُ عن خدماتها، مع كلمات جارحة تعنونها: “فَلْيَنْفَعْكِ إِحْسَانُكِ”. انتظرت الفتاة الشابة موعد قدوم العجوز، وبعدها أخبرتها بأنها قد مُنحت إجازة للراحة كي لا تشعرها بالذنب، وانصرفت مُعتذرةً لها عن عدم استقبالها بالمكان المُعتاد ذاته، بعدها أدمنت المُسِنَّةُ على متابعة الصَّبِيَّةِ؛ بعد أن أعطتها عنوان بيتها فيما لو احتاجت مساعدةً ما، بل راحت ترافقها إلى كل مشوار تقوم بهِ. الفراق الوحيد الذي كان مهرباً لغادةَ؛ هو حين كانت تطلب منها الجلوس في صالة الانتظار؛ عِندَ دخولها لمقابلة عملٍ ما، إلى أن جاء يومٌ تلقت فيه الفتاة الطيبة اتصالاً من رب عملها السابق؛ يطلب منها الحضور على الفور إلى اجتماع طارئ. دب القلق والريبة في نفسها، وراحت تحتلها الأفكار والشكوك السوداوية، إلى أن وطئت أقدامها باب المكتب، ليفتح الباب وترى عجباً. أم مصطفى المرأة المسنة المرافقة الدائمة لها، تتوسط المكتب بجلستها على مقعد المُدير، وهي تبتسم لها وسط دهشتها وخجل المسؤول من موقفه السيء، وقبل أن تسألها مالذي يحدث؟ أدركت العجوز تساؤلات غادة لتجيبها دون أن تسأل: _ “ياصغيرتي. أنا صاحبة هذا المحل الكبير، ولأنني لا أتعامل مُباشرةً مع العمال؛ جهلني هذا الموظف بصفة المسؤول؛ ليستاء من زياراتي المُتكررة، وأنت -يابُنيتي- دون أن تعلمي من أنا تحملتني ؟ وأنا أعلم بكل ماحدث معكِ، وتعمدت أن أصل لحدود عطائكِ بمرافقتكِ وأنتِ تبحثين عن لقمة عيشك؛ التي خسرتها بسببي دون أن تُشعريني بسوء أفعالي ، ولأنني لم أصل للحد؛ أهَبُكِ هذا السوق بما فيه، كهدية امتنان تستحقينها، وبهذا فقد نَفَعَكِ إِحْسَانُكِ.