كانت أياما جميلة
يا رب …انها نفس الطريق الطويلة التى طالما سرت عليها فى الماضى البعيد . لم تتغير كثيرا . لا اكاد اصدق نفسى … ها هى ذى البيوت عن يسارى لم تفقد رواءها القديم كثيـــــرا ، و هذا هو ” الرياح التوفيقى ” عن يمينى لا زال يتدفق بمائه بين ضفتيه الضيقتين ، طيبا حنونا كما عهدته قبلا ، ثم لا شىء بعد ذلك جديدا سوىتلك الاكشاك الخشبية الغريبة التى بنيت على الجانبين كالحشائش الشيطانية ، تخز أعين السائرين كالقذى …على اية حال لا بأس بها مع ذلك رغم منظرها الفقير الكئيب ، فهى قليلة و متناثرة و ليس فى مقدورها حجب النهر الجميل عنى
قلت له ملاحظاً و الفرحة السكرى تعربد فى قلبى :
- لا زال ” الرياح ” كما تركته ، طويلاً، وديعاً، ضيقاً ، فياضاً بالماء كما كان . اكاد احس ان كل شىء احتفظ بنفسه حتى اعود اليه و اراك مرة اخرى
نظر الى متعجبا ، تضاحك مسرورا . زعق بصوته ساخرا :
- يا ســـــــلام ….ذاك قول شاعر ، شفه الوجد و الحنين . و لكنك اخطأت يا سيدى الشاعر تمام الخطأ
- و فيم اخطأت ؟
يا صاح …كان يجب عليك ان تلاحظ ” انك لا تنزل الى نفس الماء فى النهر مرتين ” اضحكنى قوله ، و تذكرت طريقته المفحمة فى الحوار قلت اغيظه فى مداعبة :
- ارايت ….حتى طريقتك فى الحوار لم تزل – اقسم لك – كما كانت …. لم تتغير . ثم انحدارنا قليلا الى اليمين كان كوبرى المشاة الصغير مزدحما بالسيارات و الــــدراجات و عربات الكارو و خلق كثيرون يعبرون عليه بلا انقطاع
- ياه …..نفس الازدحام القديم
عند نهايته ….رايت كشك المرور القديم ، لا زال عن يساره قابعاً . تطلعت اليه مشغوفاً كأثر عزيز قديم و حملتنا الاقدام نحو اليسار الى الطريق الزراعى الطويل . اخذت نفساً طويلا كأنى استاف عبير الماضى كله و حملتنى الذاكرة تطير بى الى سنين بعيدة كانت عنى قد تولت ….أحسست فجاة و كانى سرت على هذه الطريق بالامس فقط . قلت له وحنينى الى كل الاشياء يتوهج فى اعماقى كجذوة .
- سرنا على هذه الطريق مئات المرات ….أتذكر ؟
- طبعاً
و تهادت خطواته و كأنه يستمتع بمشهد الماضى البعيد يتراىء امامه مثلى … استطردت و قلبى يخفق بالحـــب و الحنين
عندما عدت هنا – صدقنى – كانى عدت و الله الى الصبا و الشباب ….الا تحس بذلك مثلى ؟
هز راسه محزونا . وضع يديه خلف ظهره
- أتريد الصدق ؟
ابتسمت . شعرت انه بدأ يناكفنى كعادته التى احفظها عنه منذ أيام الصبا
- نعم
- انا من ناحيتى ….لا احس بأى روعة لاى شىء هنا …هذه هى حقيقة شعورى ان اردت ان تعرف
ثم رزح صمت ثقيل بيننا كالنكبة . نفخت فى حسرة كلماته اسقطت فى قلبى قطرة حزن اسود . قلت فى نفسى ليته ما نطق …استمر فى كلماته بعد هنيهة كأنه يركل نشوتى بصراحته الحجرية . !
- لا تغضب من الحقيقة …سأحاول اقناعك الان …أنت تحس بالحنين لكل شىء هنا لانك انقطعت عن زيارة المدينة سنين طويلة . صح
- ربما ….كلامك معقول مع ذلك
- طيب ….هناك شىء اخر ….اود ان تذكره و تعيه لقد عشت كل شبابك فى هذه المدينة …هل احسست يومها و انت تعيش فيها بثقل كل هذا الحنين ؟
تطلعت اليه ساكتا و طيور الاسى تحلق فوقى ….استمر يدوس بكلماته الصاخبة كل حنينى و اشتياقى
مطلقا لم تحس ، و لطالما شكوت لى من الملل الفتاك و حياتك تمضى هنا رتيبة بلا تجديد ….اتذكر ؟ ….و كم تمنيت ان ترحل الى البعيد عن هذه البلدة التى انت الان تحترق فيها باللوعة و الاشتياق
- كل ما قلته هو الصح بعينه و لا انكره ابدا
و ابتلعت ريقى كغصة ….كان الغضب فى اعماقى يتمرد على ان اثور فى وجهه …قلت له بعد لحظات و انا التقط حجرا القى به فى الماء بعيدا
- لا تحاول ان تكون قاتلا لاى سعادة ….اذا لم تستطع ان تخلص الناس من الشقاء ….فاحجم عن طعناتك للقلوب ابتسم فى حرارة :
- حتى …..لو كانت السعادة التى يستمسكون بها وهماً
- نعم ….فالسعادة هى وهم البشر الجميل و زادهم فى رحلة المعاناة و الشقاء
قال معاندا :
- حين اعيش الواقع ، و اتعايش معه بحلوه و مره احس بالقوة و من ثم السعادة قلت احاوره :
- كلنا نعيش الواقع مثلك و لكن السعادة التى تسميها وهماً هى امل الحياة و جناحاها
هز راسه و اخلد الى الصمت . اعرف انه لم يقتنع ….لقد سكت حتى لا يغضبنى و انا النزيل عليه ضيفاً …كانت اقدامنا تدق على الارض لحنا هادئا ، رزينا ، و عيناى المشتاقتان تنطلقان
خلف الاشياء تحنانا و انعطافا …نفس الاشجار القديمة ما زالت تصطف كما العماليق على جانبى الطريق رؤوسها الشوامخ تتمايل مع النسيم نشوى او غضبى ، كروحى السكرى التى عكر بعض صفوها صديقى اللدود . تذكرت كل القرى التى وصلت اليها يوما مع نفس هذا الصديق المشاكس سيرا على الاقدام : ” منية السباع ” شبلنجة ” ثم القطيفة ” ….اه ….لو تتخلى عن نقاشك العقيم و تخلع عنك قناعك السئيم ، و تعود الى ماضيك التليد و تمشى معى حتى شبلنجة ….لاشم هناك ذاك العبير الذى عتقته لابد تلك السنين
قلت له مبتسماً و اعماقى ترتعش خوفاً من رفضه :
- ما رايك – يا بطل – لو وصلنا الى شبلنجة سائرين على الاقدام ….انتظر قليلا سأحس لو فعلنا اننا عدنا الى الصبى من جديد
تنهد . مصمص بشفتيه متحسراً و ابتسم
- و ما جدوى الاحساس بالشىء و انت لست منه و ليس فيك
ابتسمت متخاذلا :
- فلنحاول يا اخى ….ما بالك اليوم مناكداً
- نحاول ….
و قلب شفتيه ساخرا :
اتحداك ….لو استطعت ان تصل اليها وحدك سيرا على الاقدام
يا رب …كنت احس من اعماقى انه سيرفض فلماذا بالله سألته ؟
استطرد يطعن حنينى ، بنصال كلماته
- انا عارف لماذا تريد الوصول الى شبلنجه ؟……
و لكن ارجوك ….اطرد عنك هذه الاوهام التى تطن فى راسك طنين الذباب …فكل شىء قد تغير ، و لن يعرفك فيها احد مهما صرخت فى ارجائها بأسمك
تمنيت من اعماقى المغتاظة ان يكف عنى كلماته اكاد احس بالذنب لانى حطمت احلامى بأرجل فيل . سأنعت نفسى بالغباء لانى سلمت له اوراق احلامى كلها . انه الان يحرقها – و ااسفا – و لا يبالى ، و لكنى – و الله – معذور . غبت عن مدينتى كل تلك السنين فنما لروحى جناحان رقيقان هائلان نسيجهما مع الايام من حبى و اشتياقى و حنينى ….وظننت اننى لو عدت ستحملاننى لاحلق بهما طائرا عبر الماضى الجميل كله و لكنه – يا حسرتى – امسك بيده الغليظة سكينا و فصلهما عنى من غير رحمة ، و دون ان يحترم لهفتى او شعورى ..انا لم اكلفه شيئا سوى هذه النزهة التى طلبتها منه كصديق قديم …شاركنى فى يوم من الايام الامى و امالى لم انظر اليه باخت نزهتى . لماذا بحق الله اسير معه الان ؟ و هو قد اطفأ كل مصابيح شوقى
و نشر الحقيقة المفزعة ذات الاشواك امامى . احس الان بساقى تؤلمانى . ألتوت بنا الطريق قليلا تجاه اليمين و بدا ” الرياح ” يفارق صحبتنا مختفيا كلما زاد انحناء الطريق نحو المشرق . كان يمضى بجوارى صامتا ، تعيسا . انكرت فيه صديق الماضى الحبيب …خالسته النظر و هو يمضى معى مذهولا . كان وجهه الهضيم كئيبا فى صمته و شفتاه الرقيقتان مزمومتان فى اصرار و عناد و كأنهما تحبسان كلاماً قديماً انحبس فى القلب منذ زمن بعيد فوداه اكل الشيب منهما السواد . راح ينفخ من منخريه بين الحين و الحين هواء مسموعا كمن يضيق بكل الاشياء و بى ….اردت ان امزح معه لانفض عنا هذا الغضب الصامت الذى تراكم علينا كغبار كثيف خبطته على كتفه و انا اضحك :
- هيه . صح النوم لا اسكت الله منك حسا
افاق من شروده . نظر الى و ابتسم :
- الحقيقة ان مرض الولد هدنى
تعجبت من قولته التى اطلقها بلا مقدمات هل ود ان يبوح لى بهموم قلبه انتظرته يتكلم . بيد ان كلماته انتهت عند هذا التصريح المبتور و لم تزد . عاد يحتمى برقة الصمت من جديد . قلت له مهوناً :
- يا اخى لست وحدك . ابنائى ايضا ارونى فى أمراضهم كل النجوم فى عز الظهر فأصبر
لكنه – مع ذلك – لم يتكلم ، و لم يعلق ظلت خطواته المستأنية تتناسق مع خطواتى الهادئة و يداه الطويلتان تتشابك راحتاهما خلف ظهره بلا مبالاة …اترانى عرفت الان سبب حزنه و مشاكسته لى ربما …اعماق الانسان تبدو كبحيرة رقراقة بالماء ….كلما هبت عليها ريح عاصف ترسبت فى اعماقها الطين و الحصى و كل نبت و حيوان يموت …فهل نلوم الماء بعد ذلك ، اذا اخضر سطحه ، و اعتكر ….تبدد غضبى عليه ارثى لك يا صديقى . نسيت عادتك القديمة حين كنت تطل على بوجه محزون فأعرف عنك انك جئتنى لتشكو الى أوصاب نفسك …انا – فى الحقيقة – أقدس حزنك و لن افرض نفسى عليك الا اذا بحت بالامك لى
بدأ الكوبرى الاسمنتى كقوس رهيب متعاليا فى شموخ فوق الطريق الزراعى ، و طرفاه يتصلان بالطريق المرصوف الذى يمتد بلا نهاية …كانت السيارات العجلى تنهبه فى تلك اللحظات جرياً الى طرفيه …تمنيت من اعماقى ان ادور حول طرفه الايمن المندس بين احضان الحقول و اصعد اليه
رفعت وجهى اليه اقرأ فيه سطور أيام غوابر
- كم سرنا كثيراً ….اتذكر ؟
- نعم كثيرا جداً
و عاد يخفى لسانه فى حلقه من جديد ضحكت له و انا اشفق عليه
اسمع انت تقيل الدم جداً
- حرر يديه ، و ابتسم
- نفس الكلمات – و الله – قالتها لى ، زوجتى منذ يومين
هللت ضاحكا . امسكت بكتفه القريب منى
- أرايت ….لست وحدى اذن الذى حكم عليك زوجتك سبقتنى فى الحكم عليك …فما السبب ؟
- ليس هناك من سبب …صدقنى
- مستحيل …فكل شىء لوجوده سبب
- صحيح
و مع ذلك لم يتكلم . هز رأسه ، ثم سكت ارغمنى صمته الحزين على لقائه بمثل صمته . قلت فى نفسى : ” دعه يستريح فى سكوته ، لعله يرى فيه هناءته ولاتسلى انا بالنظر الى الاشياء التى ما غبرت قدمى فى هذا السير الطويل الا لها كانت السيارات تتسارع على الطريق بجوارنا كالشياطين و ما زال الطريق ممتدا بلا نهاية . ضيقا – رماديا – لامعا تحنو عليه الاشجار و تتهامس فوقه مع النسيم و الاطيار
اختفى الرياح التوفيقى تماما ، و تغير المنظر جدا استبدل يسار الطريق بالنهر ضفة عالية ، واسعة . انتصبت على جانبيها اعمدة التليفون ، و نامت فوقها قضبان السكك الحديدية ….بينما تزاحم على منحدرها الضيق الطويل نباتات التين الشوكى و البوص الاخضر ،
و الحشيش …من بعيد عن يمين الطريق ووسط الحقول الخضراء التى تمضى نحو الافق البعيد ربضت الفناطيس البيضاء . الاسطوانية . المهيبة لاحدى شركات البترول
- اسمع . لنرجع ….لقد تعبت
باغتنى قراره . كنت احس احساسا صادقا انه سيباغتنى به بين لحظة و اخرى فنظره ينبىء عنه ألتفت اليه لمحت صفحة وجهه المتعب ، و هو يقف استعداداً لان يعود
- هيا نرجع
قالها برقة و كانه يرجونى شعرت بحزن ثقيل يغشى اعماقى كدخان كثيف كنت اتمنى لو سار معى الى ( منية السباع ) القريبة . قلت له فى مداعبة و انا استدير مستسلما للعودة
- انسيت يا بطل انك كنت تسير معى حتى الواحدة صباحا
مصمص بشفتيه قال فى برود اغاظنى جدا
- يا اخى ….انت تعيش فى الماضى بشكل عنيف تذكر انها ايام مضت و لن تعود ابدا
ثم صمت فجاة كما بدا ثورته و ابتلع ريقه بصعوبة كانما يبتلع عصا
قابلت صمته الثقيل بصمت اثقل قلت فى نفسى
( لا حول و لا قوة الا بالله جت الحزينة تفرح مالقتلهاش مطرح .. ما علهش يا زهر )
و كانه احس ان كلماته قد انطلقت من فيه كالبارود و اننى ربما غضبت منه بدأ فى الاعتذار
- انا اسف ….ارجوك لا تحمل كلماتى اكثر مما تطيق فانا لسوء حظى و حظك ثقيل الدم جدا كما لاحظت لمتاعب فى البيت و العمل انت فى غنى عن سماعها وقفت قليلا اخذت احدق فيه مبتسما كان الرثاء لحاله يملانى اكثر من الغضب عليه تضاحك فجأة بلا مقدمات
- و المدام كما تعرف ….تنتظرنى و اذا غبت عنها جلدتنى بسوط لسانها الطويل
امسكت بيده
- هيا يا اخى نرجع …انت محق تماما فيما قلت ….فما معنى ان اسير فى طريق لا تسلية به و لا فيه شىء مثير
و اشحت بيدى بعيدا كأنى اؤكد له كلماتى بالاشارة
كانت خطوات العودة هادئة مستأنية كما بدأناها بدت الطريق طويلة . مملة . مع اننا لم نتوغل فيها كثيراً …حتى الاشجار على الجانبين وقفت صامدة بلا معنى كانها تنتظر شيئاً ابدا لا يجىء قلت له و نحن نقترب من كشك المرور ، و الكوبرى من جديد
- لقد تعبت ….سأستريح قليلا فى هذه المقهى
و اشرت بيدى الى مقهى صغير ، صفت كراسيها البلدية بجوار الرياح
طيب …اسمح لى ان استاذن بالانصراف ….و انا اسف جدا لانى كدرت عليك نزهتك
ثم مد لى يدا ضخمة سمراء لمصافحتى ، و ابتسم فى تأثر عميق :
- فيم الاسف ؟ …انا احس بك . انت صديق قديم مع سلامة الله . اراك دائما بخير
- الله يسلمك
و سار قليلا ثم استدار فجاة كما لو كان قد نسى شيئا معى
– اسمع …ارجو ان اراك مرة اخرى قبل ان تسافر
– ان شاء الله افعل
و رفع يده بالتحية و مضى يخب فى طريقه بأرجل طويلة نحيلة ….جلست منهوكا على اقرب كرسى صادفنى . ارحت ذراعى على منضدة خشبية . صغيرة محل لونها و تزاحمت البقع البنية على سطحها . اطلقت نظراتى خلفه تتلصص عليه … فى ظهره انحناء قليل ، لايبدو الا من بعيد …ترى ما الذى حدث له حتى تغير ؟ ! . اختفى الان تماما . تنهدت . شردت عيناى الى البعيد . ” فعلا انت اصدق منى ….اننى اعيش فى وهم كبير اسمه الماضى . حسبت اننى اذ اعود . سأعود الى الصبا و الشباب ، و العجيبة يا اخى اننى اكابر ، و اعاند و اود ان اسير الى ( منية السباع ) …طيب و النتيجة . أنا احس الان بتعب شديد ، و نشر فى ساقى مع اننا
لم نسر – بالكاد – الا ثلاثة كيلو مترات ….يا خبر …انا كبرت بالفعل . تناسيت الزمن …فذكرنى الزمن الذى لا يرحم بالتعب لم اعد كما كنت ، و لم تعد الاشياء هى الاشياء كما تقول و هذا الصديق – كان هو افضل ، و اروع اصدقائى – كان مرحا ، و مخلصا و صادقا ….تغير هو الاخر ، و تزاحم الشيب فى راسه و انحنى ظهره ، و صار اشد عنادا و اهتياجا …. ظروف …ظروف يا اخى و ايام ….يا سلام على الدنيا …يا سلام
و عدت اشرد من جديد و نظراتى تنسكب فى خواء سئيم على العربات و الناس و باعة الفاكهة المتزاحمون على الرصيف و النادل العجوز ، و هو ينتقل بصينياته المستديرة ، الصغيرة عبر رواد المقهى الصغير كالالعبان …..ياه ….اين طفولتى و صباى بيتنا الكبير الذى بيع بعد موت ابى . المدرسة الثانوية التى هدمت و بنيت على ارضها مساكن شعبية . سفرى يوميا الى شبلنجة طيلة خمسة اعوام …اهذا معقول ؟ …لابد انها تزوجت الان و انجبت طبعا …لابد اتراها تعرفنى لو راتنى بعد كل هاته السنين . ايام القلق . اليأس من كل شىء . الملل من الحياة . افترقت و اياها لظروف اصعب منى و منها ….الصديق الوحيد الذى كان لا يفارقنى ، كان كتابا لى اقراه و قتما اشاء ….اتراها تذكرنى ؟ …ام ان الزمن اللعين انساها صورتى فيما انساها ….نصيحته لى بالزواج …..يتزوج قبلى
بعام . اتزوج انا بعده انجب خمسة اولاد ….لا ينجب هو الا ولدا وحيدا مريضا . فرقتنا الايام . اهجر المدينة الى مدينة بعيدة ، و الخطابات بيننا مستمرة مع انها شحيحة . اه ….لو رايتها فجأة امامى الان ….ترى ماذا كنت أفعل ؟ …كيف سأتصرف ؟ و ماذا لو كان معها زوجها ؟ و اعود بعد ان امرضنى الحنين فلا اجد شيئا يرحمنى ، و يعود بى الى ايامى الغابرات فى قلبى الان غصة ، و بكاء على شىء لا اعرفه . احسه و لا اراه …ضاع أنظر بعيداً تجاه السماء …هذا هو المساء قد اقبل ، و تغطى الشرق بوشاح العتمة . نسمة صيفية تهب على الطريق . تكنس الاوراق و القش تحت الرصيف استرحت الان قليلاً …فلاعد الى بيت أخى ….اه لو اراك مرة واحدة . مرة واحدة لاتحمل مرارة الحاضر ، و اتزود منه بزاد أعيش به فى الايام التالية . انهض . اين انت الان ؟ أتأوه . ركبتاى تؤلمانى . أمشى وحيداً . انحنى الى الكوبرى . اصوات اجهزة الراديو و الكاسيت تتعالى و تتشابك فى انزعاج مريع.