كتب خضر الماغوط. تاجر دولي. قصة قصيرة

آفاق حرة

تاجر دولي…
قصة قصيرة. بقلم. خضر الماغوط

في دكاني الصغير الذي أبيع به ألبسة وأحذية مستعملة، لم يكن يوجد عندي سوى حذاء رجالي واحد فقط، يبدو جديداً وغير مستعمل، لذلك كان يشغل تفكيري بأنني سأبيعه حسب الأسعار الرائجة حالياً بسعر مرتفع يتجاوز الخمسين ألف ليرة.

هكذا هي الأسعار صارت مرتفعة، وكل شيء صار غاليا في هذه الظروف المنفلتة اقتصاديا.

خمسون ألف ليرة سأطلب ثمناً لهذا الحذاء ولن أتنازل عن قرش واحد، سأكون صارماً في تجارتي، حتى أستطيع تجميع أجرة الدكان التي غالباً لا أقدر على تجميعها بسبب ضعف القدرة الشرائية للناس بشكل عام.

وهكذا كنت في حالة الحلم ببيع هذا الحذاء بهذا السعر عندما دخل إلى دكاني شاب يبدو عليه الفقر الشديد، وأول ما لفت نظري أنه كان ينتعل شيئا في قدميه لا يمكن أن نسميه حذاء، فهو يشحط قدميه شحطا على قطعة من الكرتون والنايلون لا تغطي شيئا من قدميه وكأنه حافيا.
أشار إلى الحذاء الغالي وسألني عن سعره؟.
قلت له: شو معك مصاري؟
قال: ما معي غير ألفين….
قلت له: هات الألفين وخذه
أعطاني الألفين وانتعل الحذاء.
وقبل أن يخرج قال لي: كنت أنوي أن آكل بهذه الألفين والآن لم يبق معي ثمن للطعام.
مددت له يدي بالألفين التي أخذتها منه وقلت له: خذ الحذاء وخذ الألفين اشتري بها طعاماً
قال لي: ولكن بهذا المبلغ لا يمكن أن أشتري ساندويشة فلافل…
سألته: كم سعر الفلافل
قال: بثلاثة آلاف
فسحبت ألفا من جيبي وناولتها له، فصار معه ثلاثة آلاف تكفي ثمناً لطعامه، أخذها وخرج ذاهبا.
وهكذا بعت الحذاء بالسعر الغالي، ورحت أفكر من أين سأستلف أجرة الدكان.
بعد أن ذهب الشاب الفقير كنت مسروراً لأني ساهمت في سعادة هذا الإنسان.

إنما فاجأني صياح رجل يدخل إلى الدكان بشكل هجومي وهو يصيح: ما هذا… ما هذا؟.

حملت عصا المكنسة وشهرتها في وجه الرجل الغريب، لأستعملها دفاعاً عن نفسي، في مجابهة هذا الهجوم المباغت.

صار الرجل الغريب يشير إلى شيء مشلوح على باب الدكان من الداخل، وهو يصيح: هل تعلم أنت قيمة هذا الشيء؟.

نظرت إلى حيث كان يشير… وفوجئت بأن ذلك الشاب الفقير كان قد خلع حذاءه المهترئ، وتركه في الدكان دون أن أنتبه أنا لذلك.

اعتذرت من الرجل الغريب، وظننته مفتشا من الصحة العامة، وقلت له: أعتذر منك عن وجود هذه الأوساخ، فقد كنت في طور المسح والتكنيس وتنظيف المكان حالا.

صاح الرجل: أي أوساخ أيها الجاهل؟.

ثم فتح كتابا كان يتأبطه، وقلب بأوراقه، حتى استقر على إحدى صفحاته، وقال لي: إنظر…
نظرت إلى الصفحة ودققت فيها، فإذ بها صورة الحذاء المهترئ المشلوح!
قلت له: ماذا يعني هذا؟.

قال الرجل الغريب معرفا عن نفسه: أنا المستشرق فاسلاف فاسلالوف من جمهورية فاسلافيا، وأنا في بلدكم هنا في مهمة توثيق اللقى والتحف التاريخية، هل تعلم بأن هذا الحذاء العتيق كما هو واضح في الكتاب بأنه حذاء الاسكندر المقدوني امبراطور العالم منذ آلاف السنين؟.

صرت مثل الأطرش في الزفة لم أفهم شيئاً، وقلت له: نعم وماذا يعني ذلك؟.

قال: إن سعر هذا الحذاء في أسواق المزايدة العالمية، سيبلغ ملايين الدولارات ستكون من نصيبك أنت.

ثم حمل الحذاء المهترئ، ووضعه في علبة تشبه علبة المجوهرات، وقال: سآخذه الآن لعرضه على النت في الأسواق العالمية، وستصلك الملايين إلى هنا…

قلت له: كيف تأخذه بلا رعبون قد تسرقه وتختفي، أعطني رعبونا بقيمة تريليون دولار فقط لا غير.
خرج الرجل دون أن يعطيني شيئاً.

جلست أفكر بالملايين التي سأحصل عليها

لم يطل تفكيري وإذ بشرطي يدخل وهو يجر الرجل المستشرق الغريب وهو مكبل بالقيود…

قال لي الشرطي وهو يضع القيد في معصمي:
أنت متهم بتجارة وتهريب الآثار.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!