“البساطة هي جوهر العظمة.”
جبران خليل جبران.
الإهداء:
إلى أبي… الإنسان البسيط.
عندما كنت صغيرًا، كان أبي يناديني بسالم. لم أفهم السبب، لكنني أحببت الاسم، كما يحب الطفل كل ما يأتيه من أبيه.
وحين كبرت قليلًا، سألته:
“لماذا كنت تناديني بسالم؟”
ابتسم، تلك الابتسامة التي لا تُنسى، وقال:
“كان لنا جار في الغربة قبل أن تولد، يطلق على ولده اسم سالم، تيمّنًا بالسلامة، وأحببت أن أناديك به.”
هكذا عرفت سبب التسمية، وهكذا بقي الاسم في قلبي، كذكرى لا تزول.
ومع أنني أعتز باسمي الحقيقي، فقد كنت أقارنه بأسماء الآخرين من حولي، وأغتبط به كلما ناداني أحد به.
ها قد عرفنا سبب تسمية كوخنا باسم “سالم”…
اسم يحمل في طياته ذكرى، وسلامًا، وحنينًا دفينًا يسكن القلب.
والآن، دعونا ننتقل إلى الكوخ نفسه، إلى الحلم الذي يسكنني منذ الطفولة.
دعوني أغوص في داخلي، أستخرج ما خبأته يومًا دون خجل، كحلم طال انتظاره ليُقال… أو يُكتب.
رسمته في مخيلتي مرارًا:
كوخ صغير وسط مروج خضراء، بسيط كما في قصص الأطفال، مثل كوخ “فلونة” أعلى الشجرة.
خالٍ من تعقيدات الحياة؛ نافذة مفتوحة تطل على البحر، والأشجار في متناول اليد، وكرسي خشبي قديم، وسرير بسيط، ورفّ للكتب التي تُقرأ حقًا، لا تلك التي توضع للزينة.
أحلم أن أعيش فيه، بعيدًا عن ضجيج المدن،
وعن الأسئلة التي لا إجابة لها، وعن الكراهية التي تسكن نفوس بعض البشر،
وعن التباهي الذي يُثير الشفقة،
والحرب، فقد سئمنا طبول الحرب… تقرع آذاننا كل يوم.
وبعيدًا عن ذلك الثقب الرقمي الذي يبتلعنا بهدوء، دون أن نشعر أننا نفقد شيئًا من أنفسنا كل مرة.
وبعيدًا عن أولئك المهرجين والأمساخ الذين يسكنون شاشات الناس،
يضحكون كثيرًا، ويتشدقون أكثر ،ولا أحد يعرف لماذا.
كوخ تُسمع فيه أصوات الموج كأنها تعزف لحنًا خفيًّا،
لا يسكنه إلا أنا ومن أحب،
وربما قطة رمادية تأتي كل صباح، وتجلس عند الباب، دون أن تطلب شيئًا.
وحقل صغير أزرع فيه فقط ما يكفيني من طعام، لا أكثر.
تلهو بجانبه معزة بيضاء مع صغيرها،
وطفل يطارد الفراشات من حولنا،
وكلب يحرسنا من بعيد.
ويكفيني أن أصطاد سمكة…
لي ولها.
لا حاجة لنا للشموع، يكفينا أن نرى بقلوبنا،
ونتحسس الأشياء بأناملنا.
ما أجمل أن نعيش ببساطة،
أن نكتفي بالقليل،
ونفرح بالكثير الذي يسكن التفاصيل الصغيرة:
ضحكة طفل، ظل شجرة،
ضوء القمر، قطرات تتساقط،
أن ننام بلا ضغينة، ونستيقظ بلا سباق، بلا لهاث.
أن نعيش بسلام، كما لو أن الحياة لا تطلب منا شيئًا…
سوى أن نكون بسطاء.
أن نكون بسطاء،
كما خُلقنا.