لا مناص/بقلم / شوقي دوشن(اليمن)

أشعلت شمعة كي تقاوم بنورها غطرسة الظلمة المتفاقمة بعد احتلالها كل شبر وكل اتجاه.
فرحتها لا تضاهى بشبابها ومعجبة جدا بهالتها التي تحوطها وبضيائها المنتشر في أرجاء الغرفة. أغتنمت هذه اللحظات لأراجع كراسات تلاميذي وأصححها.
إنغمست في العمل ولم أنتبه إلا وقد أصبحت شمعتي مسنة، أظنها قضت من عمرها ساعتين كاملتين، رأيتها تسح دمعا كثيفا يكاد يغطيها إلى حد التلاشي. بدأت تتحشرج ونهايتها باتت قريبة.
أسرعت لإحضار شمعة أخرى أصغر سنا، دبت الحياة فيها عقب إشعالي لذؤابتها، يالسعادتها بأول الثواني من عمرها.
تحرك ناظري نحو الشمعة الأخرى المحتضرة بغير اهتمام. (الطفولة جميلة والشباب عز) هكذا يبدو لي ماخطر ببال شمعتي الصغيرة وهي تتابع انهيار شمعة تذوي أمامها وتغرق في دموعها وينتهي أمرها.على أية حال ، فقد بقي كل شئ على
حاله بينما الظلمة خارج الغرفة تتربص للعودة واغتنام أي فرصة ضعف ومقاومة.
لم يطل الأمر كثيرا حتى ذرفت الشمعة الشابة هي الأخرى دموعها الساخنة، اللزجة والكثيفة،لكنها لا تدري لماذا؟.. ربما باغتها شعور غريب ومرعب، أهو الإحساس الذي انتاب الشمعة العجوز منذ ماقبل ساعة؟!. تجاهل مثل هذه الفكرة هو الأسلم وهذا تقريبا ما قررته هي، مازالت يافعة وهذا هو المهم الآن.. لكن التقدم في السن حتمي، ساعة.. إثنتان… ثم شعرت بحزنها، تعبها وخذلان أحلامها ويأسها.. سمعتها تهمس لي بأمر ما. فوضعت الكراسات جانبا وأصغيت لها، بعدها بقليل، نفثت من فمي هواء قويا باتجاه شعلتها الشاحبة وأنقذتها من ألم الشعور بالنهاية الوشيكة، وبسرعة تشبه سرعة الضوء نفسه، أستعادت الظلمة تموضعها واكتسحت المكان قبل أن يأتي نور الصباح ويطردها ثم ليشهد الصباح مأتم شمعتين وعينين هدهما السهاد.

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!