لصحيفة آفاق حرة
وقفت أتأمل من خلف الزجاج، أزواج اللاعبين متقابلين على الطاولات غارقين في غمرة اللعب.
على المدخل لافتة كتب عليها” اللعب إجباري وعلى الجميع الإلتزام بالقوانين” .
كان بإمكاني البقاء خارجا والمراقبة من خلف الزجاج، لكن رغبة في التحدي دفعتني للولوج إلى ذلك العالم المبهم،
في الداخل شعرت بالوحشة، وعندما لم يعد للباب من أثر، انقبض صدري، وسرت في جسدي قشعريرة، فانتابتني رغبة شديدة في البكاء.
كنت لا أزال احتضن صندوقي الخشبي. وبعينين تمسحان المكان، رأيت الوجوه تشيخ على الطاولات، وابتسامات غير مأمونة ترتسم هنا وهناك، كان الجميع مشغولين حد التعب، وربما حتى الموت.
أدركت أن بين كل زوج هناك واحد فقط من يتحكم في اللعبة، والآخر لا يملك إلا أن يلقي النرد.
كان هناك من ينتظرني، وكرسي شاغر كأنما وجد لأجلي.
وقفت مترددا، نظر إلي بوجه يخلو من أي تعبير، أدركت أنه…
كان صوت تدحرج النرد على الطاولات هو الطاغي. تأملت وجوه الخصوم، منها المبتسم ومنها العابس، وحده خصمي لم يرتد ملامحه بعد.
كنت أعلم أنني لا أتقن قواعد اللعب، ومع هذا فتحت صندوقي، وألقيت النرد.
على أمل أن يظهر رقم حظي كنت ألقي بالحجر، أما هو فكان يحرك القطع بمهارة لاعب خفة.
مع كل جولة كانت ملامح خصمي تتشكل، أعيتني الهزائم المتلاحقة، وفي كل مرة أشعر فيها أنني بدأت أفهم كيف تسير اللعبة، أجد أن قواعدها قد تغيرت، ألهث في مكاني، أشعر أنني أشيخ بسرعة، فيبتسم خصمي أحيانا، ويتواطأ ليهديني بعض الانتصارات الزائفة.
أنتشي فأعود، ألقي حجري، أغرق في دوامة اللعبة، تعود خسائري، أذوي، فيغريني بفرصة أخرى، ألملم شتات نفسي، فيصفعني بهزيمة جديدة.
تهالكت على المقعد، ورغبت في استراحة محارب، ولكن للعبة قوانينها.
بدت اللعبة طويلة لا تنتهي، أيقنت أنه ليس هناك من منتصر في هذه اللعبة العجيبة.
قررت أن أنسحب، شدني من ذراعي وأخبرني أن لا أحد يهرب من قدره!
صوفيا الهدار