..
استقر فنجانان من القهوة كالعادة
فوق طاولة صغيرة مصنوعة من خشب الزان المحفورة بعناية عند زواياها ، كانت هناك علبة صغيرة أنيقة تضم حبات الشوكولاتة الفاخرة إلى جانب العلبة كان هناك فازا كريستال صغيرة مملوءٌ نصفها بالماء ، موضوع فيها وردتان جوريتان حمراوان ، صوت موسيقى هادئة يغمر المكان ، جلسا متقابلين ، نظرت إلى يمينها، كان الشارع خالياً تماماً من السيارات والمارة ، كان النور يستلقي بهدوء في الأفاق ، يعانق السماء بقُبلة اللقاء .
في الجانب الآخر من الشارع ساحة كبيرة يلعب فيها أولاد الحارة كرة القدم ، كانوا مايزالون صغار ، اعمارهم متفاوتة ، بعضهم في الخامسة أو السادسة لم يدخل المدرسة بعد ، حينها تمنّت في قرارة نفسها أن يكون لديها أطفال أو طفلاً واحداً لا أكثر يلعب ويركض ويهرول في كل الإتجاهات ، يبكي ثم يرمي بنفسه في أحضانها ، تنهدت بعمق وكأن روحها تعرج من جسدها الممشوق إلى السماء .
اتجهت نحو الشرفة ظلّت تراقب الأولاد بنظرات حنونة وخوف وكأنهم فلذات أكبادها وعيناها تفيض من الدمع ، فجأة يضمها من الخلف قائلاً لها ” لقد أختاركِ قلبي ، والقلب لا يكذب ولا يخون “.
تخلّصت من ذراعية بقوة ثم استدارت نحوه ، نظرت في عينيه عميقاً و بحرقة
قالت ” إنها السنة الخامسة يا زياد و هذا البطن لم يكبُر بعد “.
ردّ عليها قائلاً :” سيكبُر حين يريد الله ذلك يا حبيبتي ”
قالت : ومتى سيكبُر ؟! ها هي السنوات تمر ونحن كما ….
لم تكد
تنهي كلامها حتى نظر إلى الساعة ثم قال لها : وداعاً يا حبيبتي سنكمل الحديث لاحقاً.
جلست غاضبة على الأريكة تستكمل فنجان القهوة البارد ، بعد لحظات وجيزة من خروج زوجها ، فجأة تسمع صوت حادث وقع بين سيارتين ، نهضت بسرعة اتجاه الشرفة ، نظرت الى الخارج بخوف ودقات قلب سريعة ، تعالت منها زعقة مُدوية افزعت هدوء ودلل الصباح البازغ ، حينها
سقطت مغشياً عليها من شدة هول الموقف
بعد مرور شهرين من الحادث المروع، وقفت الى جانب الشرفة تتأمل براءة الأطفال وهم يلعبون و يلهون مرحاً وسعادة ، حينها وضعت يدها فوق بطنها ثم أرخت رأسها للأسفل همستاً بصوتاً حنون : بعد سبعة أشهور سوف تضي عُتمتي يا بدر .