ليتَها تختفي!/ بقلم:سحر عبدالاله صالح

ليتَها تختفي!

تجاوزت الساعة الثامنة مساءً عندما عادت إلى المنزل وهي تصعد الدرج، لتلتفت فتجد أمامها والدتها تنتظرها بوجهٍ منتفخٍ محمرٍّ لتنهال عليها بالعتاب، مشيرةً إلى الساعة لتأخُّرها عن الموعد المتفق بينهما.
صمتت ريم، وكتمت غيظها حتى دخلت غرفتها، عندها انفجرت غاضبةً وهي تردِّد:
– يا إلهي، أخبرتها بأنّني في حفلة.. ومن الطبيعي أن أتأخر.. دائمًا ما تفسد مزاجي “ليتها تختفي!”.
وفي صباح اليوم التالي عندما داعبت أشعة الشمس عينيها من خلف ستار النافذة الشفاف فتحتهما ببطءٍ لتجد إخوتها الصّغار أمامها يطالبونها بإعداد الفطور، قطَّبت حاجبيها، وقالت:
– ألم تعدّه أمي؟!
– ليست موجودة.
– وأين هي؟!
– هل نسيتِ بأنّها قالت ستذهب عند خالتنا سارة لتقضي أسبوعًا كاملًا.
– بهذه السرعة!
قامت من سريرها وجهزتهم للذَّهاب إلى المدرسة، ولكنّها تأخَّرت عن موعد الباص فتركها، توسَّلت إلى والدها حتى يأخذها بسيارته، فزمجر عليها؛ لأنه أيضًا تأخَّر عن عمله، وصلت أخيرًا المدرسة، لكنها عوقبت مع المتأخرين، وليس هذا فحسب، بل نسيَتْ محفظةَ أقلامها، فتذكَّرت والدتها وهي تهرع إليها قبل مغادرتها، وبينما كانت تنتظر قدوم الباص للعودة هي وزميلاتها تأخَّر لربع ساعة، فاتصل آباؤهن للاطمئنان عليهنَّ إلا هيَ لم يتصل لها أحد.
وفور وصولها إلى المنزل لم تجد طعام الغذاء معدًّا كالعادة، فشعرت بالاستياء؛ لأنها مُنهكةٌ ومضطرةٌ لإعداده، وبينما هي تطهو الأرز، إذ بعبوة الغاز تنتهي، فاتصلت بوالدها، ولكنه صرخ بأنه في اجتماعٍ مهم، وعليها أن تشتريَ الطعام من المطعم المجاور لهم.
سكنت بمكانها، وتسلَّلت إليها الأفكار عندما وقفت عاجزةً أمام هذه المسؤوليات التي لا تنتهي، فأمسكت سمَّاعة الهاتف من فورها لتتصل بمنزل خالتها، حينها تلقَّت الصدمة غير المتوقَّعة، وهو أنَّ والدتها لم تذهب لزيارة خالتها (كما حدًّثوها إخوتها).
توسعت حدقاتها، وتجمَّدت أطرافها، وإذا بصوتٍ (خافت يخترق سمعها) يقول:
– ها قد تحققت أمنيتك واختفت إلى الأبد.
صاحت عاليًا: لاااااا
استيقظت أخيرًا على تحريك والدتها لها.. فتأمَّلتها وهي تقول:
– حمدًا لله.. إنَّه مجرد كابوس.
عندها احتضنتها بقوةٍ (والدموع تتساقط على وجنتيْها وهي تدمدم):
– آسفة يا أمي.

#

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!