ألو ..
أين أنتَ ؟!!
سؤال متكرر مقيت ممزوج بالشك والاتهام من صوتٍ بات كداءٍ يومي يسبب نوتةً من أذى لسمعهِ المرهق
وذات الجواب يأتيها :
أنا مع موجات البحر أصارعها فتصرعني .. ثم تدفعني عالياً إلى أقرب سحابة
فأعودُ وأمطرُ مجبراً في أرض كُتب عليّ فيها الشقاء الأبدي .. يُغضبها الرد .
وتنتهي المكالمة في ثوانٍ معدودة عند تساؤل مُلِح !؟!
كيف يمكن لرنة كانت بمثابة هدية إلهية .. هبة ربانية يومية .. أن لا تصبح سوى شاهدة لقبر اللامبالاة ..
تسلسل أبجدي لفناءٍ محتومْ
ورواية كانت شيقة .. حُكِمَ على أبطالها بداءِ الملل والاعتياد
مستقبل قاتم المعالم .. رتيب اللحظات
وأيامٌ مأسوف على شبابها
لا يتغير فيها إلا ورقة التقويم كل أربع وعشرين ساعة بائسة .
” تغلقْ الخط .. وتنزوي منكسرة .. ترى انعكاس صورتها في المرآة ، أنثى مهزومة لا ملامح لها ”
نفوسنا مريضة .. إذا امتلكتْ ملّت ، وجسدنا إذا اعتاد شعر بالافتقاد والنقص .
ووفاءً لأطباعنا البشرية .. وجدُّنا الأول قابيل ، ما زلنا نسرح في معرض الشر والغدر
الإنسان .. جشعٌ بفطرته إن لم يلجمها يطلب أكثر وأكثر .
يبحث دوماً عن الجديد .
والجديدُ ها هنا .. يلوح له مغرياً
صوت كعبِ حذاءٍ نسائي .. موجات تردد مغناطيسي تجتاح جلده منذ أكثر من عشرة أيام
في ذاك المقهى الذي اعتاد أن يرتاده يومياً ليهرب من روتين اللحظة .
و .. ” هي ” .. أيضاً تأتي كل يوم
تجلس في نفس المكان وتثير جلبة أفكاره عندما تنظر إليهِ بمهارةِ المتمرس الذي يعلم ما يريدْ .
تراودهُ الخطيئة في كل يوم ويحدث نفسهُ سأقترب
سأدعوها إلى فنجانٍ من الشاي
لكنه يتراجع فجأة
يمر الوقت وتغادر وهكذا دواليك كل يوم
اليوم .. يبدو أنه مختلف
هي جريئة أكثر من المفروض وهو يشعر بالملل والرغبة أكثر ..
وكأنها علمت ما خفي في نفسه وبنظرة ثاقبة كذئبة مخادعة تقدمت هي إليه
وجلست أمام طاولته ، نظر إليها بتمعن
ليست جميلة جداً ولا أنيقة حتى .. لكنها جديدة .. ولكل جديدٍ بهجة وإثارة
دعتهُ ببساطة إلى شقتها فهي تحب الأماكن الهادئة كما زعمت .
وافق منتشياً بِسُمِّها ، سُماً سَيقْتلُ به لحظات الرتابة وسيعيش .. في الطريق
أوقفته لشراء بعض الهدايا وطلبت منه أن يدفع .. فالمال كما كرامتها وأخلاقها قدْ تركتهم في البيت .
وصلا .. ودخل مسرعاً
لباب ِ غرفةِ نومها عندما فُتح أزيزُ جرس إنذار لم ينتبه هوله
تطايرت الملاءات فوق السرير كما يتطاير ورق الشجر الجاف في فصلِ خريفٍ يبشرُ ببردٍ قارس بعد دفءٍ مزيف
ساعةٌ كاملة مرت
ثم هدأ كل شيء في مسرحٍ ترقص فيه الأجساد والنفوس عارية .
استيقظ من غيبوبته وشعر بأسواطٍ تجلده بلا رحمة
حاول أن يتنفس بلا جدوى ، اختنق بإثمهِ ، صخرة جاثمة على صدره تحاول قتله .
ريقه جاف .. اقترب من كأس ماء أمامه فوجد رائحته لا تطاق
صديد وعفن .
قفز من الفراش هارباً وكأنه رأى ملك الموت
شعور قاسٍ من ندمٍ وأسف اجتاح قلبه بنوبةِ خفقات اعتصرته دونما رحمة .
ارتدى ما يستر خيانته وانطلق يعدو مسرعاً وهو يتذكر مقولة كانت زوجته ترددها :
” الوفاء أرضٌ عبادة جليلة واسعة لا يقوى على التواجد فيها إلا الأخيار المخلصون ”
انتبه مستغرباً ..هي لم تتصل كعادتهاعشرات المرات في اليوم
تلك المسكينة كم قصر بحقها .
أين هي يا ترى
ما الذي يشغلها عنه ..؟!
هي بكامل أناقتها
تغلي لجارهم الجديد الوسيم فنجاناً من الخطيئة على نار هادئة من جريرةِ وجعٍ وإهمال …………