بدَل التحديق بك تعدّدت الظّلال و عيني واحدة
سأفصل الوقت عني …و بلثغة حرف الثّاء التي تُنطق السّين بها في الاسبانية سأوجّه إليك التّهم كلّها كأنّك أنا !
لأنّني من النوع الذي يلوم نفسه، ستكون أنت نفسي التي سيطالها التقريع، سكوت … جلبة ثمّ قرعٌ شديدٌ على باب القلب، هل سأفتح ؟
البابُ مرهقٌ من الاغلاق …
بينما ينتابني الملل، يستحّق جسدي أمنية أخيرة هي الرّقص على أنغام أفهمها بقلبي فقط، يترجِمها الشّغف، الهوس و الإيقاع المُختلف، أكره الأغاني الواضحة التي لا تحوي أيّ عمق، الكلمات ليست دوما مؤشراً رائعا لجمالها، هنالك كلماتٌ بسيطة على لحنٍ عظيم بخلفية موسيقية قاتلة، تجتاحك حتّى تستطيع فصلك عن الواقع، هو سُكر شديد يقع فيه عقلي بينما يفصِل صحوه عن يقظته الفعلية إلى يقظة عقلية مُغيبة بطرق عدّة، كأن يقودَني الخيال إلى قصّة، إلى شيء ما مختلف.
أصحو على الرّابعة صباحاً لأكتبه و يبقى مَجزوءً إلى أجل غير مسمى إلى أن تعود حالته القصوى من الالهام إن صحّ التعبير، القصص التي لا نهايات لها صارت عيبي و ميزتي في آن واحد …
لا يُمكنني أن أقول أن الأمر جميل، كما أنه ليس أمراً سيئاً بالنسبة لكاتبة مهووسة بالقصص و الغرائب الخفيّة، تجلس تحت ظلّ صمتها و تخلِق لها شموساً كبيرةً من الحيّرة التي تُغذيها بالموسيقى، اللّحن يجعل القحط يُزهر، ينمو في كلّ توأدة …
الكتابة هنا شيء من الحاجة المُلحّة ليست ترفاً …
و لكنّني لا أعرف إلى أي حدٍّ يمكنني تحمّل هذا الهوس، العالي، المثالي الذي ينزل بي أحيانا إلى الحضيض و بعدها فجأة يرتفع، فيحجُب عنّي العالم، و يعزلني بداخله، هما كائنان نزقان، يسكنان روحي و جسدي معاً الكتابة و الموسيقى…
كائنان يتنفسان من راحة بالي و يستنزفان صمتي و حديثي و حياتي
قد أكون أنا هذه التي تعرفونها، بينما يتغيّر الريتم أصير أخرى و أخريات ، في الغالب سبعَ شخصيات، متناقضة بشكلٍ مُتناسق
لا يمكن لأي واحدة منها، أن تبتعد عن الأخرى، بينما تنفصِلن بشكل رائع عندما أطلب منها ذلك، لأنّ الوحدة الموضوعية التي تتناسقن ضمنها قابلة للتجزيء …
في الصّباح أكون شاعرة زاهدة، تتغذى بالورع الناتج عن أغنية صوفيّة هنديّة، مددي العالي يكون أن أدور في الغرفة و ألقِي الكلمات من أعلى إلى تحت …
أكتب قصّة ما لا أعرف محتواها إلا عندما أنهيها ثمّ أقراها بعين القاريء كالبقيّة ..
على العاشرة تخرجُ عنّي طفلة مشاغبة، تحبّ أن ترقص “السالسا”،
و أن تتمرّن على تمارين “يوغا” سريعة و تُشعل موسيقى صاخبة فيتمخّض عن ذلك نصّ عفويّ، مشتت، هوسي، باهتٌ، لكنّه يبرق باللّيونة و العذوبة اللاّ مصطنعة .
عند الثّانية زوالا، يصير عمري عشرون، و يبدو عليّ خجلُ المُراهقين و هوس المتابعين، لكلّ شيء حولهم بحرصٍ شديد، يحدث أن أسقط في حبّ شخص ما بعيد، مثير حد التعصب، خيالي بشكل واقعي وواقعي بشكل خيالي ثم أقف تماماً في ذلك الشغف الشهي و أكتب فيه قصيدة قاتلة، تخفي أكثر مما تُظهر، تبدو حقيقيّة حدّ التصديق بأنني على شفى الافتتان بكلّ شيء حوله و حولي… تبدو الرّوابط قويّة بين حروف تتأوه … قد أشتهيه كذلك فأكتبُ عن قُبَلٍ في الخيال و عناقاتٍ حارّة …
بشكلٍ أو بآخر تكون الموسيقى عالمي المتفرّد الذي يعطيني القدرة على الانتقال بين حالة و أخرى …
في المساء الصّغير، الذي يسبِقُ الليل تصيبني موجة من الوقار، أتوقّف عن الكتابة و أجنحُ إلى كتبي، أقرأ منها كلّ ما تريد هي، تختارني في الغالب و لا قدرة لي على اختيارها، لأنّني متردّدة بطبعي، قد أقرأ ستّ صفحات من هنا، ثمّ عشرة من هنالك و اثنتان من هذا الكتاب و لا أثبت على واحدٍ مطلقاً …إلاّ نادراً
عندما تتجاوز السّاعة التاسعة نفسها، أتجاوز أنا كلّ الذي مرّ و يصير الصّمت هوايتي، أفتح “الفيس بوك” و أجلِسُ إلى الأيقونات و تنحدر المنشورات من يدي، تُخْلَق هكذا دونما جهد، أصير كلّ شيء معاً عاشقة، طفلة ، قاتلة، امرأة عجوز، رجل تائه، طفلٌ عنيد، سيدة أنيقة، ثمّ أخرى ثملانة، تحبّ أن تسكر كثيراً علّها تنسى لا يهم ما الذي تنساه فهي لا تعرفه …
بعدها يسوءني كلّ شيء، و ينقلبُ الزّهُو تذمراً و تتقلّب الشخصيات داخلي، تصارع نفسها و تمنعني من النوم، أكتبُ كثيراً في اللّيل و قد يكون بعض ما أكتبه غير مهماً لي، غير مهما إلى الدرجة التي يمكنك أن تخاف منّي بشكلٍ يعطيك نظرةً استشرافية حول مستقبل كاتبة لا تستطيع أن تتوقف عن الكتابة فقط لأنّها تستطيع فعل ذلك .
كيف ذلك؟
يمكنُني أن أصمُتَ بُرهة و انقلب مائة و ثمانون درجة و انغمس في اليوتيب و أستمِع إلى ثمانين أغنية في ساعتين، كلّ أغنية تجبُّ ما قبلها و تُنسِيني سابقتها، و قد أتوّحدُ في لحن ما فيصعُبُ عليّ حذفُه من بالي، فأسمعه كثيراً، كثيراً حتى أحصل على حالةٍ من الغثيان المثالي و التي تؤدّي بي في غالب الأحيان إلى إغلاق “الفيس بوك”
وإغلاق جهاز الكمبيوتر و النزُوح إلى فراشي …
قد يأتي النوم طائعا في أحيان قليلة، لكنه في الغالب يتواطأ مع أمور كثيرة داخل عقلي و ينقلب أرقاً شرير، مشكلتي التي تسبب لي الأرق هي أنني أكتب في أحلامي، و تخطُر ببالي سبعون فكرةٍ في السّاعة و تختلط كلّها بشكل غريب، كأن أتخيل القصّة “أ” ثم تتدّفق الى ذهني القصّة “ب” و بعدها القصّة “جيم” … لكنّني مُرهقة و عاجزة عن تقييدها في أجندة و لم أعد أقوى على التحديق في ضوء الجهاز، أنه الجحيم بعينه …
فأعزّي نفسي بأنّني سأكتبها غداً … لكنّها في الغد تختلف أو في أسوء الأحوال تختفي … ستصيبني الحسرة عليها، ليومين أو ثلاثة ثمّ تزول تماما و يختفي شعوري بالذّنب تجاه نفسي، فأخلقُ قصصا أخرى و نصوصاً أخرى يُمليها عليّ ذلك الشعور بالذات …
آه … ليس سهلا أن تكون مهوساً بالكتابة !