( إلى انصاف وايمان ونوره، بنات صديقتي المرحومة نوره أهدي هذه المشاعر)
كيف كانت، هيأتها، منطقها، ثقافتها، لم تكن من السوقة، كانت راقية، نظيفة، رقيقة المشاعر، مرهفة الحس، أنيقة …. وماذا بعد؟ هناك كثير من المواقف جمعتكما ، كيف كانت تبدو، وكيف كنتما تقضيان أوقاتكما كصديقتين؟ هل كنتما تصرفان أوقاتا واسعة معا، ماذا كان يثير اهتمامها؟ … أريد أن أعرف أدق تفاصيلها، كلامها، طريقة نطقها للكلمات، أتخيلها كانت تهمس، وفي الهمس تعبير عميق يليق برهافتها … سمعت عنها كلاما رائعا منك، ولا أريد تزييفا يشوه صورتها التي رسمتها لها في خيالي، كيف كانت علاقتها بأبي، هل كانا متحابين، هل حزن لوفاتها، ما عمق حزنه؟ لا أظن أن حزنا يضاهي مقدار الوجع الذي سببه غيابها … الآن بعد ثماني وعشرين سنة تقريبا أبحث عنها ألملم شتات سيرتها، لم تغب عني ولا لحظة، طفولتي كانت ناقصة بغيابها، علمت حديثا بصداقتكما لذا أتيت إليك يا خالة، أشعر أني أزورها من خلالك … إسمحي لي أن أضمك، أنت حبيبتها، حبيبة ماما التي لم يسعفني القدر لأناديها بهذه الكلمة التي تمتعني عندما أسمعها من إبني، وحرمتها هذه المتعة، كنت في الثانية عندما ماتت، أتحسر على عدم نطقي هذه الكلمة ماما…. إسمحي لي أن أناديك ماما لأتصور إني أناديها من خلالك … آعلم أني سألت كثيرا والآن سأصغي … قولي كل ما تعرفينه عنها، عن ملابسها، وأناقتها، وجمالها، كانت جميلة نوعا ما … هذا ما تدلني عليها صورها التي احتفظ بها والدي، كانت واسعة العينين، وفي وسعهما تختفي أسرار العالم … العالم جميل يا خالة، ولكن مع غيابها يبدو قاتما، معتما، لا يكتمل جماله، لكن كيف يراه إبني وأنا أمه لم أفجعه برحيلي … أنا أمه عندما أضمه يشعر أن العالم اكتمل ولا ينقصه شيء مما كان ينقصني … آه للعالم وجه واحد وتآويل كثيرة، كل يراه بطريقته، وأنا الآن آراه من خلالها حقيقة مخفية، لؤلؤة مختبئة في أعماق البحار، عندما أحاول الوصول إليها تختفي … أريدني دوما أبحث عنها، وأعلم أني لن أجدها ، برزخ عظيم يفصلها عني، ولكني سأحاول الوصول إليها بكل أحاسيسي وإرادتي … آه يا خالة، أستميحك عذرا، تحدثت كثيرا ولم أصغ لك، ولكن في حديثي استفسارات كثيرة وأجوبة في آن، إجاباتي أستشفها من أحاسيسي، ومن كلامك أيضا … أحبك يا خالة بعضا من حبي لها، والآن سأغادر … غدا أسافر إلى بيتي، ولن أراك مجددا إلا إذا سنحت الظروف وأتيت لأزور قبرها … سآعرج عليك لنضع زهرة عليه … وداعا يا خالة، وداعا.