ذلك اليوم الذي ذهبتُ فيه للمدرسة الإعدادية.
. كان يومًا جديدًا في حياتي؛ لأني سوف أرى وجوهًا جديدة، ومدرسين جدد، ومناهج جديدة، وأني قد ارتقيت من مرحلة لمرحلة، وسوف أرتدي فيها البنطال والقميص. لقد كنت أرتدي المريلة في الابتدائي، وآخذ كتيباتي في كيس صغير، لكن الآن أصبح لدي حقيبة لأضع فيها كتبي. هذا اليوم 1981 نهاية شهر سبتمبر، لم انم ليلة ذلك اليوم؛ لأني سوف أنتقل لمرحلة تتشكل فيها رجولتي وملامحي ودراستي.
في صباح ذلك اليوم ارتديت بنطالي وقميصي، وتقلدت حقيبتي رافعًا رأسي لأعلى، أريد أن أقول لمن هم في المرحلة الابتدائية إني كبرت وأصبحت رجلًا.
وقفت مع طلاب جميع المراحل على الجسر؛ حتى نتحرك للذهاب للمدرسة سيرًا على الأقدام؛ لأن القرية التي بها المدارس تبعد عن بلدتنا حوالي أربعة كيلو متر نقطعها كل يوم ذهابًا وإيابًا على أقدامنا، لا توجد مواصلات، والطريق غير ممهد، ترابي، على حافته زراعات القصب والذرة الشامية والخضرة والجمال ترسل الشمس أشعتها على الحقول ذات جمال خلاق بديع.
وعلي الجانب الثاني من الطريق ترعة ماء تمر بمحاذاة الطريق لسقي الحقول، ونحن نمر على الطريق متوجهين للمدرسة، بعض التلاميذ تتلوث ملابسهم بماء الترعة ومن مصارف الغيطان.
ذلك اليوم الجديد وهو أول يوم في الدراسة، الكل فرح وسعيد؛ لأنه يوم جديد، وعندما ندخل القرية، كلٌ يذهب لمدرسته.
أول يوم أدخل المدرسة الإعدادية كان الوضع مختلفًا، والوجوه تختلف، والطابور يختلف، والمقاعد تختلف، والمناهج تختلف، حتى الهواء يختلف. وجدت الصرامة والجدية والحث على المواظبة وعدم التأخر.
وفي طابور الصباح سمعت مدير المدرسة يقول بصرامة وشدة:
– لازم جميع الطلاب يكونوا في حوش المدرسة الساعة السابعة والنصف، الجميع من يأتي من بعيد ومن قريب.
عندما سمعت كلامه دق قلبي، وخفت، وقلت في نفسي مترحمًا على أيام المرحلة الابتدائية عندما كان المدرسون يغفرون لنا تأخرنا؛ لأننا نأتي من بعيد سيرًا على أقدامنا؛ فقررت أن أستيقظ مبكرًا حتى أكون السابعة والنصف هنا، ودخلنا الفصول وكان شيئًا جديدًا عليَّ، ورأيت الطلاب يجرون نحو المقاعد الأمامية؛ فلم أجد لي مقعدًا أماميًا؛ فتنحيت جانبًا، وجلست على المقعد الأخير في الصف، وجاء مدرس التاريخ ليعطي الحصة الأولى، وكانت عبارة عن أسئلة عامة وقال:
– أيها الطلاب من يجاوب صح سوف أجلسه في المقاعد الأمامية، ومن لم يجب سوف يجلس في المقاعد الخلفية.
وجاء الدور عليَّ في الأسئلة وسألني سؤالًا في التاريخ، وكنت أنا من عشاق التاريخ؛ فأجبت إجابة أذهلته وسعد بها لدرجة أمر الطلاب بالتصفيق لي وبشدة، وقال لي مكانك ليس هنا، لا بد أن تجلس في الصف الأمامي.
لقد أسعدني كلامه، أخذني وأجلسني في المقعد الأمامي، وقال:
– عندما أدخل الفصل أراك هنا.
وسألني عن اسمي:
– اسمك إيه؟
– قلت :سعيد
– فرد علي مبتسماً وقال: سوف تكون من المتفوقين في الدراسة ياسعيد
كلامه بث الأمل في قلبي، وبدد مخاوفي، ونزع الرهبة التي كانت تسكن قلبي عندما سمعتُ كلام المديرفي طابور الصباح، كلام الأستاذ أعطاني الأمل في تحصيل العلم؛ فقررت أن أجتهد لأكون من المتقدمين في الدراسة. لقد كان يومًا مليئًا بالسعادة والحب، لقد أحببت المدرسة والمواد، وبالأخص مادة التاريخ والأستاذ؛ لأن كلام الأستاذ نقلني من مرحلة الخوف والرهبة إلى مرحلة الحب والأمل.
وعندما خرجت من المدرسة في نهاية اليوم الدراسي الأول متوجهًا لبلدتي كدت أطير من الفرحة والسعادة، وقلت “حقًّا، إنه يوم جديد في حياتي