آفاق حرة للثقافة
إعداد: سليم النجار – وداد أبوشنب
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
الروائي سعيد الصالحي يكتب لنا من زوايته “ماذا يحدث غزة”؟
التكنولوجيا أحد أهم أدوات القتل
سعيد الصالحي يجيب:
ما يجري اليوم في غزّة من جرائم إنسانية في حقِّ الفلسطيني تجعلك تنظر إلى أنّ هذه الجرائم تُرتكَب باستخدام أفضل تكنولوجيا للقتل، فالأدوات المستخدمة في عمليات الإبادة من قبل قوات الكيان الصهيوني لا قوّة لمدينة غزة أو حتى لبرلين على الوقوف بوجهها أو الحدّ من آثارها المدمرة، وفي السياق ذاته نجد أنّ المقاومة الفلسطينية تطوّر المسيرات القادرة على حمل الذخائر أو صاروخا موجها يحمل أوزانا خفيفة من الذخائر، وفي أولى ساعات يوم السابع من أكتوبر كان الاختراق السيبراني لشبكة معلومات الكيان الصهيوني أحد أهم عناصر المباغتة التي اعتمد عليها المقاومون في أولى هجماتهم لتحقيق نصرهم الأول، ومع فوارق التقنية ونوعيتها ومصادرها فهي العنوان الأبرز لهذه المواجهة التي يروح ضحيتها كلّ أيام، مئات من أبناء شعبنا الفلسطيني ولا نجد لهم أشلاء حتى نواريها بتراب فلسطين المقدس.
1-شعوبنا العربية حقل تجارب لأحدث أسلحتهم
الولايات المتّحدة والدول الغربية بشكل عام ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وهم في حالة سباق محموم لامتلاك أفضل العقول لتطوير أسلحتهم الفتاكة، والأدهى أن شعوبنا العربية غالبا ما كانت حقلا مناسبا لتجربتها، كما يحدث في غزة وحدث في بيروت وبغداد قبل عقود، ومن الجدير بالذكر بأن معظم التقنيات التي تستخدم اليوم في حياتنا المدنية هي في الأساس تقنيات عسكرية كانت ذات يوم من الأسرار الاستراتيجية مثل شبكة الإنترنت وأنظمة تحديد المواقع الجغرافية، أما تكنولوجيا المقاومة فقد بُنِيت وطُورت بجهود ذاتية فردية، ولكنها ما زالت بعيدة كل البعد عما وصل إليه الكيان الصهيوني وحلفاؤه، والسؤال الأهم هنا هل إيماننا بعدالة قضيّتنا وتشبّثنا بترابنا الوطني كافٍ للوقوف في وجه هذه التكنولوجيا المجنونة؟
2- سماء غزّة إلكترونيا من كلِّ الجهات
وعلى صعيد آخر نجد أنّ وسائل التواصل الاجتماعي التي تمتلكها الشركات الغربية تمارس أدورا لا تقلُّ فتكا عن الأسلحة المتقدِّمة والقنابل الذكية، إذ تقوم بحجب معظم ما يدين جرائم الكيان الصهيوني، بل أحيانا تساهم في تزوير الحقائق وتصوير ضحايانا على أنّهم ضحايا الطرف الآخر، وكذلك لا تسمح لكلِّ منشور يدعو لنصرة فلسطين في الوصول إلاّ لعدد قليل، وكأنّ حلفاء هذا الكيان يناصرونه في سماء فلسطين وبرِّها وبحرها بأسلحتهم المتطورة تقنيا وكذلك في الفضاء الإلكتروني والرقمي حتى يطبق الحصار عليها من كلّ الجهات، لقد حوّلت الدول الغربية منصات التواصل الاجتماعي لآلات قتل عصرية وأن لم تكن هذه المنصات الاجتماعية قاتلة فهي بكلّ تأكيد أكبر شاهد زور عرفه التاريخ الإنساني.
إنّ الكيان الصهيوني يحجب الماء والكهرباء والوقود والأدوية والغذاء وكذلك لم يتأخر في قطع خدمات الإنترنت عن مدينة غزّة، فالأمم المتّحدة تطالب بفتح المعبر لإدخال المساعدات ولم أسمع صوتا واحدا يطالب بإعادة شبكة الإنترنت التي باتت من متطلبات الحياة الأساسية.
في هذا العدوان على الشعب الفلسطيني تم تصدير الوجه القبيح للتكنولوجيا، ذات التكنولوجيا التي ترسم البسمات وتنشر السعادة في أماكن أخرى في العالم، والتي من المفترض أنها وجدت لرفاه الإنسان وسعادته.