ماذا يحدث في غزّة؟

إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب

” مقدِّمة”

مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠

في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟

وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠

رئيس تحرير مجلة كل العرب علي المرعبي من لبنان يكتب لنا من زوايته “ماذا يحدث غزة”؟

 

غزّة.. الممكن في الوضع الآني

علي المرعبي / لبنان

رئيس تحرير مجلة كل العرب التي تصدر من باريس.

 

بعد تنفيذ عملية 7 أكتوبر، وأمام ذهول العالم مما جرى، بدأت ردود الفعل الصهيونية والعربية والإسلامية والدولية، والتي كانت متباينة بشكل كبير.

 

1-“طوفان الأقصى” نتيجة لا مبادرة:

ما يحدث الآن في غزة ليس إلا نتيجة لجملة من التراكمات والاحتقان وصل إلى مرحلة الانفجار الذي بدأ يوم السابع من أكتوبر، وكان الانفجار مدويا، لأنّ التراكمات تفاقمت بشكل كبير، لذلك كان الانفجار مدويا ودمويا، لأن غياب أي أفق لتحقيق ولو الحدّ الأدنى من العدالة للشعب الفلسطيني الذي طالما انتظروه منذ ما قبل أوسلو وصولا إليها وما رافقها من وعود بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس.

من الضروري أيضا الإشارة إلى عوامل ذاتية وموضوعية رافقت المرحلة التي سبقت العاصفة، يمكن تلخيص أبرزها في:

– الحصار الخانق للقطاع دون أي وضوح لإمكانية الفرج على سكانه.

– تفاقم وازدياد العدوان الصهيوني على الضفة الغربية المحتلة.

– ضعف السلطة الفلسطينية بشكل غير مسبوق وعدم قدرة حماس على لعب أي دور سياسي إقليمي أو دولي وعدم الاعتراف بسلطتها في غزّة.

– غياب أي دور عربي إيجابي يدافع عن حقّ الشعب الفلسطيني.

– ازدياد حالات التطبيع بين الكيان الصهيوني وأنظمة عربية، لعلّ أخطرها كان ما يتردّد عن السعودية.

ضمن هذه الحالة، رأت حماس أنها قادرة على تحريك الوضع من خلال عملية ما، طالما أنّ الجمود يخيّم على التحرّك السياسي، وواضح أنّها تلقّت وعودا بالدّعم الإقليمي من محور إيران في المنطقة، لذلك ارتأت أن تكون عمليتها كبيرة لها القدرة ليس على تحريك الوضع، بل نقله إلى مرحلة متقدمة قد تستطيع من خلاله تأكيد دورها السياسي في أي مستقبل لأي تفاهمات في المنطقة.

بالتأكيد، قامت حركة حماس بالتحضير التقني والعسكري المحكم لعمليتها النوعية، وحرصت على تجهيز كل الأمور اللوجستية والسياسية، لذلك كانت عمليتها ناجحة بشكل كبير واستطاعت أن تنفذها بحرفية عسكرية واستخبارية ترقى إلى مستويات هامّة.

العدو الصهيوني اعتبر أن هذه العملية صفعة مدوية له عسكريا وأمنيا وسياسيا، لذلك كان يخطط لردٍّ يتّسم بالعنف اللا مسبوق ثأرا منها، وإعطاء الصورة على جميع الصعد إنّه الوحيد الذي يحقّ له المبادرة في أي مواجهة عسكرية، وأنّ المباغتة التي حدثت في أكتوبر 1973 لا يجوز أن تتكرّر عام 2023. لذلك يستمر هجومه الوحشي على أهل غزّة لإنزال أكبر قدر من الخسائر البشرية والبنيوية، خاصّة بعد تلقيه ضوءا أخضرَ كبيرا من أمريكا ودول الغرب كلها وإطلاق يده لمواجهة “إرهاب حماس” بشتى الوسائل بما فيها خرق كافة القوانين الدولية والإنسانية.

أمريكا والغرب، كان موقفهم الداعم للكيان الصهيوني مسألة معروفة دون مفاجأة، ولكن المذهل أن دولا أوروبية تجاوزت الأخلاقيات التي كانت تتستّر بها، لتطلق يد الكيان باستباحة الدم الفلسطيني في القطاع وفي الضفّة أيضا.

النظام الرسمي العربي، وكما هو متوقّع لن يحرك ساكنا، ولن يتجرأ حتّى على اتّخاذ أي قرار ولو متواضعا لدعم الشعب الفلسطيني، فكانت التصريحات الرسمية مخجلة جدّا، وحتّى مؤتمر وزراء الخارجية العرب لم يصدر أي قرارات تحفظ ماء وجهه أمام الرأي العام العربي.

أما الدول الإسلامية فكانت مواقفها لا تختلف عن موقف النظام الرسمي العربي، مخجلة وسيئة ولم تشكل أي توازن متواضع أمام التأييد الغربي الكبير للكيان الصهيوني.

طبعا، الموقف الشعبي العربي كان مؤيدا بشكل مطلق وكبير للشعب الفلسطيني، وخرجت عشرات التظاهرات المتضامنة مع فلسطين والمناوئة للعدو الصهيوني.

 

2-إيران لن تتدخّل في الصراع الدائر:

نأتي إلى المسألة الهامة: ماذا كان دور إيران فيما جرى في غزة. على ضوء ما رشح من معلومات فهناك دلائل أن إيران شجعت على هذه العملية لقاء وعد بالتّدخل المباشر من الحرس الثوري الإيراني وأيضا من حزب الله والميليشيات المرتبطة مع نظام إيران، وهذا لم يحدث!!!

وحتى إذا اعتبرنا عدم وجود وعود، فإن إيران لن تتدخّل ضمن حساباتها المصلحية، وكان على قادة حماس أن يعرفوا هذه الحقيقة، وأنّها ستقوم باستغلال ذلك لتحقيق مكاسب وتفاهمات مع أمريكا والغرب، وأنها ستبيعهم أمام أيّ مصلحة يخدم مشروعها التوسعي في المنطقة العربية. وكان على قادة حماس أن يدركوا أن تقية نظام الملالي قادرة على التلاعب بكل وقاحة بأي تعهدات أو وعود. أما موضوع حزب الله وغيره من الميليشيات فهي محكومة بالقرار الإيراني، وأن الحديث عن المقاومة والممانعة وفلسطين والقدس هي وسائل رخيصة لتمرير التوسع الإيراني ومصالحها.

 

3-السؤال الآن: ما هي آفاق المرحلة المقبلة؟

بعيدا عن الرغبة والعواطف، فإن استبسال المقاتلين في غزة، سيؤدي إلى متغيرات ستؤثر على مستقبل الوضع في المشرق العربي بما فيها قضية فلسطين، وأنها ستكون إيجابية في حال قدرة المقاتلين على المنازلة في المعارك البرية.

ليست المسألة هي قوّة الكيان الصهيوني العسكري والأمني والسياسي، أبدا. بل فرصة أمريكا والغرب للسيطرة بشكل كامل على المنطقة العربية لتنفيذ المخططات التي أُعدَّت منذ عقود وكانت خطوتها الأولى احتلال العراق والانتهاء من قوته وحضوره القومي.

ولا أعتقد ضمن تحليل موضوعي للنظام الرسمي العربي أن عنده الرغبة ولو بالدّفاع عن نفسه ومصالحه، ويعتبر كل نظام أن استمراره مرتبط برضى أمريكا والغرب عنه.

إنّ التفاف الشعب العربي حول القضية الفلسطينية يبقى عاملا مضيئا في ظلّ الظّلام الرسمي العربي والإسلامي. ومن الضروري إعادة صناعة رأي عام عربي منظم قادر على الاستمرار والدفاع عن الحق الفلسطيني، لأنّ وللأسف هناك قصورا واضحا لدور القوى والأحزاب والمنظمات والنقابات العربية.

الواجب كبير، ويجب ألاّ نصاب بالإحباط رغم كلّ شيء.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!