إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
د نهلة جمال عضو اتّحاد الكتاب مصر تكتب لنا من زاويتها “ماذا يحدث غزة”؟
جدلية البارود والحجارة
د. نهلة جمال/ اتّحاد الكتاب مصر
جامعة عين شمس
1- أيديولوجيا الكراهية عند الصهاينة:
إنها أيديولوجيا الكراهية التي تحوّل البشر إلي مجرّد أدوات تحت سيطرة فكرة الانتقام وتحقيق الهدف الضّال ورفض التعددية وتقديس ذواتهم حيث تحرمهم من المنافسة الإيجابية ويسعون لإشباع شهوة التملك والسطوة المطلقة، وهذا ما يجعل من الفعل الصهيوني أمراً متوقعا بل وغير مستغرب، فالتربية الناتجة عن الشعور بالاستعلاء والاستكبار على جميع الخلق داء عضال ومزمن عند الأمة اليهودية منذ بداية قصتهم التاريخية، وهو ما يقودهم نحن جنون العداء المخطط والذي يبدأ بالسيطرة الاقتصادية والإعلامية علي عقول وبطون الشعوب ، فنجد الآن حملات المقاطعة العربية تندِّد بأسماء تخترق حياتنا اليومية في كلّ تفاصيلها بسلاسة لم نفكر فيها، وخطّط لها الغرب مع الصهاينة تحت مظلات الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان، وهنا لن أحكي لك قصص التحمل والفقد بل سأكتفي بعبرات ساخنة لا تبرد كلما ذكرت هاشمية الطبع شافعية العلم تلك المسجونة بأسوار الكره والحقد منذ 1967 فحكايات غزة لا يفهمها إلا القلوب النقية وتظل جوهر القضية لعبة كرة تتقاذفها البيانات السياسية وتحكمها تأثيرات التشويش الإعلامي عليها لقلب الحقائق وتزييف الواقع فتأتي كلّ القنوات لتستنطق ضيوفها اعترافات بإرهاب المقاومة ورفض أسلوب الدفاع عن الحقوق، تختلق قصصا بلا أسانيد عن خوف وفزع الإسرائيليين من الأسلحة الفلسطينية وحقا أرى أنهم في هذا فقط لا يكذبون والدليل خوفهم من حجارة يقذفها طفل علي دباباتهم الحصينة طيلة سنوات الحصار فيغتالونه وأهله ويدمرون مدنا كاملة، يختبئ منهم الضعيف في صدر أبيه فيصبح هدفا لهم شهيا، وما بين مدرسة بحر البقر إلي مستشفى المعمداني قصص يخجل منها الحيوان، ثم يأتون لأطفالهم يحكون قصصا عن إرهاب الإسلاميين ويغذون الإسلاموفوبيا إعلاميا ويصفون العرب بالحيوانات البشرية، فهل العرب من يستخدم الفسفور الأبيض ويبيد المدنيين ويقتل الرضع، هل المقاومة من تعذب الأسرى وتسجن الأبرياء، أم كما ذكر تقرير لجنة التحقيق الدولية للأمم المتحدة 10 أكتوبر 2023 بأن هناك بالفعل أدلة واضحة على أنّ جرائم حرب ربما تكون قد ارتكبت في أحداث العنف الاخيرة في إسرائيل وغزة، ويجب محاسبة جميع أولئك الذين انتهكوا القانون الدولي واستهدفوا المدنيين عمداً على جرائمهم، بحسب ما ذكرت اليوم لجنة التحقيق الدولية المستقلّة التابعة للأمم المتحدّة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل، وهنا لم تفرق بين الطرفين وطالبت بإنهاء الصراع بوقف الاحتلال، ولكن هل من مستمع بينما يقف رؤساء الدول الكبرى ليعلنوا صهيونيتهم بكل جرأة ويدعمون كيان الكره لتحقيق حلمهم في شرق أوسط جديد بينما تتعالي أصوات شعوبهم رافضا لبحور البغض والدم منددة باغتصاب الأرض والعرض ومستنكرة قبح رد الفعل، يطالبونهم بتفعيل ما أسموه حقوق الإنسان وله جهزت جيوش معادية لحكومات لتسيطر على خيرات بلاد أخرى فقدت فيها المنظمات الدولية شرعيتها، يسألونهم عن خطابات التعايش السلمي وقبول الآخر والحدّ من العنف، يتعجبون من ارتعاشة أصواتهم عند مواجهتهم بقصص الضحايا وفرق التعامل مع الأسري وانهيار صفوف الإسرائيليين داخليا بمجرد سماع أصوات الإنذارات الكاذبة بينما يتقبل الفلسطيني الرصاص الغادر وهو شامخ مهللاً.. إنّها الحقيقة، تظهر مهما تعدّدت رواياتهم الملفقة فأصحاب الأرض لا يهربون ولا يفزعون من الموت دفاعا عنها.
2- ازدواجية المعايير عند الصهاينة:
لن ننكر أن طوفان الأقصى رد فعل مفاجئ أربك صفوف بني صهيون وفضح هشاشتهم المتخفية تحت مزاعم الجيوش والعتاد ولكنه كان نقطة انطلاق لطوفان الانتقام الأهوج وتحقيق هدفهم في تهجير سكان غزة بالتخويف والبطش والقتل الجمعي أو الهروب لمصر لتكون المرحلة الثانية من خطتهم في مدّ حدود دولة إسرائيل من الفرات إلي النيل.
وما تمرّ به غزّة الآن من تدمير شامل واستهداف المدنيين والأطفال ومؤسسات الرعاية الصحية والدينية بها هو تعبير لا يحتمل التأويل على ازدواجية المعايير والانحياز للقاتل طمعا في نصيب من الفريسة، وهنا أذكركم بالطفلة التي أصيبت لتخبر الطبيب أنها إرادة الله أن يمتحن أهل غزة ليعرف قدرتهم على التحمل وهي قد تحملت، فهل بهذا المنطق والإيمان يهزم شعب أطفاله يتاجرون مع الله ويصبرون على الابتلاء، شعب تربي فيه الأم على قيم اليقين بالله والوطن لا يهزمه الموت.
وهذا ما يسمي أيديولوجيا الاحترام للمعاني النبيلة وقيم السلام والأمان في مقابل أيديولوجيا الكراهية والبغض للآخر التي لا تتقن إلا العنف والبطش وتمهد له بكل فنون الكذب، وعليه فإنّ التوغّل الصهيوني في مصالح بلادنا وتحكمه في أدوات توجيه الرأي العام قد انقلب عليه بطوفان الوعي الجمعي الذي ظفرت به غزّة من معاناتها لتقف الشعوب كلّها الآن في ميادين العالم تهتف: من لا يملك منح من لا يستحق، ومن لا يستحق تحكّم في الأرض وأصحابها وعلى المتمرِّد اللجوء للبارود فما عادت الحجارة تكفي لإيقاظ الضمائر.