ماذا يحدث في غزّة؟

إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب

” مقدِّمة”

مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي٠

في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟

وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠

أحمد المُؤذِّن من البحرين يكتب لنا من زاويتها “ماذا يحدث غزة”؟

 

استراتيجيات جديدة تحت سماء غزّة

أحـمَــد الـمُـــؤذّن / قاص وروائـي من مملكة البحرين

 

1-تحوُّل مسار القضية الفلسطينية:

ماذا يحدث في غـزة؟! ما نراه وما حصل وما سوف يحصل في هذه البقـعة الجغرافية العزيزة على قلوبنا كجزء من فلسطين التاريخية هو ما أذهلني وأربـك إحساسي حقيقـة فتاريخ السابع من أكتوبر 2023 لن تنـساه ذاكـرة العالم كنقطـة تحوّل فارقـة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.

فنحن أمـام شباب غـزة ومن كـل الفصائل الفلسطينية المقاومـة والتي عـقدت العـزم على الثأر لطهارة القدس وصبر الأسـرى ودموع الأرامـل وحـزن الأطفال، كـلنا فوجئنـا بهذا الطوفان من البطولـة الذي أذلّ كيان الاحتلال أمام العالم، لـن ننسى صورة الجندي الصهيوني وهو يتم جـرّه من على سطـح دبابة “الميركافا” أو ذاك الذي صار وجـهه أسفل حـذاء المقاوم الفلسطيني!

لم يكن المواطن العربي طوال العقود الماضية يشعر إلا بالسخط من نفسـه التي يجلدها في كل مرة تعربد فيه صهيونية المحتل في الحروب التي تُشنّ على لبنان أو عموم الأراضي المحتلة، فسطوة هذا الغاصب كانت تصدر لنا دائمـًا أنّ يدها العسكرية والاستخباراتية هي الأطـول والأكثر قوّة وغـرورًا لكن هذا الركـام من الزيف سقط في العاشر من أكتوبر 2023 ولن تـرمِّمه إسرائيل مهما أوغـلت في الدم الفلسطيني.

وبقدر ما أفرحني شخصيـًا هذا التحول الكبير في مسار القضية الفلسطـينية التي درجت منذُ حداثة سني على رصد تطوراتها وتحولات الصراع فيها على المستوى العربي والدولي فقد أدركت وسط حماس التغطيـة الاخبارية العربية من الإعلام الحقيقي المساند للقضيـة، أن إسرائيل تبدت لي كوحـش تلقى ضربـة على رأسـه، أفقـدته وعـيه وحينما يستعيد توازنه، سيبطـش كما تعوّدنـا منه دائمـًا.

وهذا ما جرى في الأيام الماضية، لعبت إسرائيل دور الضحية وسفحت دموعها الكاذبة أمام الرأي العام العالمي، فتداعـى من أجلها الغرب الرأسمالي المنافق والولايات المتحدة الأمريكية دعـمـًا بالسلاح والذخيرة والضخّ الإعلامي الفاقد للمصداقيـة والأخلاق والإنسانية.

من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، هذا ما صرح به الرئيس الأمريكي جو بايـدن كموقف كلاسيكي درجت عليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض، لكن وسط هذا الزلزال السياسي الكبير الذي ضربته المقاومة الفلسطـينية وفرضته على العـدو أجـبرت الولايات المتحدة على إرسال حاملات طائراتها إلى البحر الأبيض المتوسط ابتغاء إنقاذ قاعـدتها المتقدمة في المنطقـة إسرائيل ما تمثلـه من أهمية استراتيجية بالغـة الأهميـة.

الموقف البريطاني والألماني والفرنسي من غير المستغرب وقوفـه مع إسرائيل، ثمـة مصالح سياسية واستعمارية تحتم بقاء هذا الكيان السرطاني المزروع في منطقـة الشرق الأوسط والدفاع عـنه بأي شكـل من الأشكال، وهذا من دون أدنى شك أسهم في فضـح المزيد من الأقنعة الحضارية الكاذبة التي روَّج لها إعلاميـًا الغرب الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة، التي تحاول إنقاذ هيبتها دوليـًا والتعويض عن خسائرها المتلاحقـة “أطلسيـًا” ففي المواجهة التي تدور رحاها ما بين روسيا وأوكرانيا، أثبت روسيا قدرتها الصلبـة على إدارة الحرب ولجم العنصرية النازية التي استثمرها حلف الأطـلسي ونصب من “فولوديمير زيلينسكـي” فزاعـة لها ابتغاء الانتقام من روسيا التي بدأت تقضي على القطبية الواحـدة التي تزعمتها الولايات المتحدة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي.

مسـار الأمور خطير جدًا بكل هذا الزخم من التطورات على صعيد الساحة الدولية ومع ذلك فإن عـداد الضحايا المدنيين في غـزة الذي تخطى السبعة آلاف قتيل وآلاف الجرحى، حصلت إسرائيل على المزيد من الوقت وبضوء أمريكي غربي على المضي قدمـًا في مجازرها المروعـة، كـل هذا من أجل ماذا؟!

 

2-تتحوّل إسرائيل إلى عبء على الجميع:

بقاء هيبـة الولايات المتحدة والغرب واستمرارية إسرائيل وجوديـًا هي محور كـل هذا الصراع، ابن غـزة كمقاوم عن أرضه في حقيقـة الأمر لا يجابـه إسرائيل وحـدها إنما يجابـه كـل هــؤلاء القتلـة المجرميـن والمتاجرين بشرعـة حقوق الإنسان. لتكن هذه الحقيقـة كسجل أسود ينبغي إثارته إعـلاميـًا في شرق الأرض وغـربها وبكل وسيلـة ممكـنه من أحـرار وشرفاء العالم الذين وقفوا ضد بربريـة بني صهيون، على أرض الواقع بات أمام الجميع مشهد وحيـد وصادم تجاوز كـل الحدود وهو ما يمكن أن نلخصـه بكل تجرّد.. إسرائيل اليوم أصبحت تكتـلا استيطانيا شريرا وعنصريا لا تهدّد الوطـن العربي وحسب ولكن تحوّلت إلى عـبء حتى على داعميها وهي في طريقـة تضخمها وعنجهيتها ووحشيتها وهذا ما ينبغي على الغرب وأمريكا استيعابـه، أنها في طريقها لتتحول إلى وحـش بلا قيـد، ولسوف يأتي اليوم الذي تعض فيـه الأيدي التي ربتها ولا تزال تطـعمها وتزودها بأسباب البقـاء!

إن هذا السيناريو قريب وليس من الخيال في شيء، كـل هذا الحقـد والتطرف الذي غـذته الصهيونيـة في جسدها، لن يقتصر ضرره على شعوب المنطقـة العربية، إنما ستمتـد نيرانـه إلى نطاقات دوليـة أخرى فيصبح خارج حدود السيطرة، ففي صلب الثقافة الصهيونية أن الأفضلية تبقى لشعب الله المختار! المحتلّ الإسرائيلي أثبت بوحشيتـه هذه الأيام أنـه لا يحترم الإنسانية أو يقيم لها وزنــًا وحساباته السياسية والعسكرية تتركز على الكراهيـة وإبادة الآخر المختلف، وهذا ما لفتنا النظـر إليه من البدايــة (إسرائيل تتحول إلى عبء) نعم عبء على المجتمع الدولي كآخـر بؤرة فصل عنصري في هذا العالم تتمسك بالبقـاء والإجرام ومحاربـة الإنسانية، لذلك كـل هؤلاء الذين يدعـمونها “عـدالة السماء” لن تتركهم قبل أن يدفعـوا فواتير ما اقترفت أيديهـم وسيتذوقون ذات الكأس، فهل يضمن هؤلاء ألاّ يتمرّد عليهم الوحش الذي أنجبه وعـد بلفور وغـذته الرعاية الأمريكية؟ إنّ عدالة الله حتمـًا هي من يرسم المشهد في نهاية المطاف، هكذا قضت نواميس الكون ولا تبديـل لها حتى يرث الله الأرض ومن عـليها.

 

3-النصر أكيد رغم تخاذل الأغلبية:

اليوم حتى ونحن نشاهـد التخاذل العربي على الصعيد الرسمي في الارتقاء إلى مستوى الجريمـة التي تحصل في غـزة من إبادة علنيـة وقتل لكل أشكال الحياة وبدون أن يكون هناك قرار عـربي واحد يحرك فيه الجهد العسكري للدفاع عن غـزة ونصرتها، مـع ذلك فإن إصرار وعـزيمة الفصائل الفلسطينيـة بما في ذلك محور المقاومة هي الورقة الأخيرة لشعبنا العربي من المحيط إلى الخليج، مهما كان الطريق طويلا وشاقـًا والتضحيات مؤلمة وجسيمـة فسوف يكتب التاريخ نصرًا مؤزرًا لكل هؤلاء الذين وقفوا أمام غطـرسة المحتل وداعـميه وما هي إلى جولـة في سجل الأيام حتى نبلغ ضفــة الانتصار الأخير على بني صهيون واقتلاعهم من طهر فلسطيـن التي ستعود كنقاء أمسها.

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!