ماذا يحدث في غزّة؟

إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب

” مقدِّمة”

مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠

في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟

وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠

د. أسامة المجالي من الأردن يكتب لنا من زاويته “ماذا يحدث غزة”؟

من يوقف الزمن في الشرق الأوسط؟؟

د. أسامة أ. المجالي

الاحتلال بالطبع، الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين التاريخية هو من يوقف الزمن في بلادنا، كل بلادنا

” اللي بجرّب المجرّب عقله بخرب”

هذا مثل فلسطيني شائع يقوم على فكرة “أنّه من الجنون أن تنتظر نتائج مختلفة لتجربة ما بينما المدخلات للتجربة هي نفسها في كل مرة”، وهذا ما ينطبق بالضبط على الوضع الملتهب بعد 7 تشرين الأول بفلسطين بشقيها غزّة والضفة الغربية بما فيها القدس وصولًا للأراضي المحتلة عام 1948، إذ تم تطبيق سياسات مدمّرة وعدوانية وعنصرية تجاه الفلسطينيين طوال عقود في كل الساحات والمناطق التي يتواجدون بها وبشكل منهجي بصرف النّظر عن الحكومة الإسرائيلية التي تتولى الحكم في الدولة الصهيونية، وما قامت به الحكومة اليمينية الأخيرة ما هو إلا صبّ مزيد من الزيت على النار التي لم تهدأ يوماً في فلسطين.

فبدلاً من أن تصبح المنطقة – وأقصد هنا بلاد الشام تاريخياً- جنة لأهلها تدرّ سمنا وعسلاً بما في ذلك فلسطين، المنطقة التي تعتبر غنية بالسكان والموارد سواءً بذاتها وموقعها الجغرافي ورملها وبحرها وجوّها الساحر، والتي تحوّلت منذ إقامة دولة الاحتلال الصهيوني إلى بؤرة للموت والفقر والتهجير بلا توقف.

والآن، كيف يمكن مناقشة وقبول مقترح التهجير الجديد للفلسطينيين على محمل الجدّ لأي عاقل سواء لسيناء أو للأردن أو الخليج أو كندا أو أمريكا وأوروبا وكل المنافي النائية بفيافيها القاحلة والباردة على أن يحلّ محلّ أهل البلاد الأصليين يهود وصهاينة قادمون من نفس تلك الأصقاع الباردة والبعيدة.

هذا هو الجنون بعينه وهو نفس الجنون والتخلّف العقلي الذي مارسته إدارتَي بايدن – ترامب مؤخراً عندما حاولتا كلاً على حدة وبنفس الإصرار المعيب على خلق سلامٍ بين اليهود والعالم العربي الغني بالخليج بينما يتم القفز عن عقد سلام حقيقي مع الفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية وكأنهم غير موجودين، كيف يمكن أن يتحقّق سلام إبراهيمي بينما أوصال الضفة مقطّعة والمستوطنون يعيثون فيها فساداً يوميا بشكل وقح ومسعور بلا رقيب ولا حسيب، وكذلك قطاع غزة محاصرٌ جوّا وبرّاً وبحراً ويتم التحكم بغذائه وسعراته ومائه وكهربائه ووقوده على مدار الساعة؟؟

لا يمكن طبعاً، والنتيجة الحتمية هي هذا الانفجار المتوقع بالمناسبة، وذلك من قبل عشرات المراقبين وهو ليس الانفجار الأول ولن يكون الأخير حسب قراءتي للمعطيات التي يتم تداولها لحل هذه المعضلة الواضحة بالأساس منذ كانت في البداية، المشكلة المتمثلة بالاحتلال والمحتلين.

عندما تكون شؤون المنطقة من اختصاص الجنرالات والعسكر المتقاعدين والخبراء الأمنيين والذين يملئون هذه الأيام شاشات كل القنوات العربية والعالمية فهذا هو مظهر آخر للجنون ،لأنه بدلاً منهم ينبغي أن يتحدث خبراء التنمية المستدامة وأخصائيو الاقتصاد والتعليم والزراعة والتعدين وسواهم كي يحاولوا معالجة مشاكل هذه المنطقة التي تعجّ بالشباب من باب الهوى بالشمال وصولا لرفح في الجنوب وفي كل أنحاء فلسطين خصوصاً أو بقية أرض بلاد الشام مروراً بسوريا والأردن ولبنان، لكن بدلا من ذلك ولسنواتٍ وعقود طويلة وبسبب من وجود دولة احتلال واستيطان فنحن مجبرون للاستماع مرّة تلو المرّة لسردية ضرورة توفير الأمن للمستوطنين اليهود والصهاينة في الأرض التي تم اقتطاعها لهم من أرضنا ووطنا العربي بموافقة العالم المجنون قبل 75 عاما هي عمر الاحتلال وما زال، ما زال هذا العالم حتى الآن يمارس نفس الجنون والتعامل الفوقي والمتغطرس تجاه أهل المنطقة الأصلاء، ما زال يرسل إليهم حاملات طائراته وقنابله وجنوده وعقوباته وحصاره، كل هذا لماذا؟ كي يدعو المحتل يدافع عن نفسه!! في مواجهة من احتل أرضهم ولكي يتم وقف الزمن بالقوة مرةً أخرى كما أوقفوه من قبل بالقوة، لكن ديناميكية الزمن والتاريخ والتغيير لا تخضع لإرادتهم فهناك شعب فلسطين وشعوب المنطقة كلها تتحرك وتتوق للحرية والحياة الكريمة، وهناك جماعات سياسية وإرادات شعبية سواء كانت إسلامية التوجه أو علمانيته تتعامل باحترام وتفاعل مع هذه الديناميكية وتصوغ رُؤاها للتغيير والانعتاق رغم كل الجهود المبذولة من الحكومات العميلة والأنظمة الانقلابية العسكرية والدكتاتوريات، وهذا طبعاً لا يعجب المشغّلين الدوليين حتماً، ولكن حلّ مشاكل المنطقة هو هذا الحل، الحل الوحيد بعد مراجعة كل الرؤى التي تصوغ حلولاً متجهمة لنتيجة هذه المعركة الدائرة الآن في غزة وأنقاض غزة، لأن كل الحلول لا تضع يدها على الجرح النازف والأصلي ألا وهو “الاحتلال”، لا بد من زوال الاحتلال أولاً بما يقتضيه الأمر من كفاح ودماء ودمار إذا لزم الأمر، لا بد من كفّ يد الصهاينة ومشغّليهم عن التحكم بالمنطقة وفلسطين الآن وإلى الأبد فهم غير أكفاء وأشرار كما ثبت بالماضي والحاضر، وهم عنصريون ومسعورون ويظنون أنهم بعيونهم الزرقاء مدللون دلالاً غريبا يصل حدّ المرض النفسي والنرجسية الهائلة، لا حلّ آخر يلوح بالأفق سوى كفّ يدهم تماماً ثم ترحيل من لا يستجيب منهم لضرورات المرحلة ويقبل بالعيش باحترام بين أهلها، لأن بقاءهم وحده ونفوذ حلفائهم هو ما يوقف الزمن عن التقدم بكل هذه الأرجاء وعندها فقط ستتحرّر فلسطين من نهرها لبحرها الجميل الأزرق الساحر.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!