إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
عصمت منصور من الأمانة العامة لاتحاد الكتاب الفلسطيني يكتب لنا من زوايته “ماذا يحدث غزة”؟
ماذا تهدف إسرائيل من تصعيدها في غز؟
عصمت منصور / الأمانة العامة لاتحاد الكتاب الفلسطيني
تلقت إسرائيل في السابع من أكتوبر الحالي ضربة، وجهتها كتائب القسّام التي انطلقت من غزّة، هي الأضخم في تاريخ الصراع الفلسطيني.
1- شيطنة المقاومة ومقارنتها بداعش:
الضربة التي خلّفت عددا كبيرا من القتلى والجرحى والأسرى لدى المقاومة، أصابت المنظومة الأمنية ومن خلفها الحكومة والمجتمع بحالة من الصدمة والذهول الشديدين، أفقدتها توازنها وقدرتها على السيطرة لساعات طويلة، كما أنّها أيقظت لدى دولة الاحتلال مخاوف عميقة كامنة من خطر وجودي يتهدّدها في حال ظهرت إمارات ضعف أو ترهل في بنيتها الداخلية جرّاء تراجع قدرة ردعها أو فقدان هيبتها العسكرية الباطشة.
في الرد على العملية أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب على حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى بالتزامن مع حملة شيطنة وتشويه تهدف إلى المساواة بينها وبين حركة داعش الإرهابية.
2- هناك من يوفر الحماية لتنفيذ المجازر من أجل التهجير القسري:
المنطق المجرد، والتبسيطي، يفيد أن مصلحة إسرائيل التي جنّدت الولايات المتحدة ودول أوروبية مهمة إلى جانبها، لخوض حربها ضدّ حركة حماس في غزّة، ستكون معنية بحصر تصعيدها في القطاع، الذي أبدى عددا من زعماء العالم تفهمهم لشن الحرب ضدّه، إلاّ أنّ هذه الحرب امتدّت إلى الضّفة الغربية التي شهدت مدنها حملات اعتقالات طالت المئات (وصل العدد إلى أكثر من 1350 أسير خلال أسبوعين وفق نادي الأسير الفلسطيني) كما قامت بمداهمة مخيم طولكرم وتصفية مجموعة كبيرة من الشبان، تبعها قصف مسجد في مخيّم جنين ومعاودة اقتحامه في اليوم التالي لتقدم على تصفية مجموعة من الشبان من الجو، بالإضافة إلى إعدام شابين في مخيم الجلزون قرب رام الله وآخرين في مناطق مختلفة في الضفة، ليبلغ عدد الشهداء 104 شهيدا منذ بدء الحرب في محصلة هي الأكبر منذ سنوات.
يشي هذا المشهد المتفجِّر برغبة إسرائيلية في نقل المواجهة إلى الضّفة وهو ما يتنافى (ظاهريا) مع إعلان قادة الجيش بأن “جل تركيزهم سوف ينصب على المعركة مع حماس في قطاع غزة” وهو أمر لا يمكن تفسيره سوى من خلال العودة إلى عاملين مهمين وهما الجرح العميق في كبرياء وهيبة منظومة الآن الإسرائيلية، ووجود اليمين على سدّة الحكم ومشاريعه المبيّتة ضدّ الضفة والتي بدأت تطلّ برأسها تحت موجة الدخان الكثيفة وضجيج الحرب.
تشير عمليات القصف المكثّف والمتواصل لأماكن واسعة في القطاع، كما العدد الكبير من الشهداء من بين المدنيين إلى أن الحرب الحالية تمتاز بطابعها الانتقامي، وأن الأهداف المعلن عنها بالقضاء على حركة حماس تنطوي على نزعة انتقامية ثأرية لعدم واقعيتها واستحالتها من الناحية العملية.
الانتقام شعور غريزي لا يعدّ استراتيجية عملية لإدارة معركة، وهو مركّب مهم في ذهنية التفكير الاسرائيلي، وعنصر في استعادة قوة ردعها، التي تقضي بإيقاع العقاب الشديد وغير التناسب بحقّ كل من يتجرّأ على تحدِّيها والمس بأمنها، فكيف إذا كان الأمر من خلال توجيه ضربة غير مسبوقة أفقدت الجيش هيبته وأذلّته.
الانتقام لا يتحرك وفق منطق أو ضوابط عقلية، بل عبر اندفاعة هوجاء تطال كل شيء يقف في وجهه، وإذا ما مزج بخوف وجودي عميق، وقوة تدميرية هائلة، فإن ما سينتج عنه هو ما نشاهده ويشاهده العالم من تدمير هائل وإعداد كبيرة من الشهداء المدنيين وضجيج يلح لأن يكون أرضية خصبة، لتنفيذ مجازر وعمليات قتل وترويع وتصفية حسابات والإقدام على خطوات كانت إسرائيل تمتنع عن القيام بها بسبب يقظة عين وضمير العالم وعدم تقبله لقصف مسجد، مثلا، أو إعدام مجموعة شبان من الجو، بسبب وقوع عملية صغيرة أو كونهم يشكِّلون تهديدا محتملا.
ساعدت حالة الصدمة التي أظهرها رؤساء دول في العالم، ومسارعتهم إلى احتضان إسرائيل والتماهي معها والتعبير عن تفهمهم لها ودعمهم لحقِّها في الدّفاع عن نفسها، كما تماهى الجمهور المذعور من حجم العملية وأعداد القتلى، مع الحرب وأهدافها، على قيام إسرائيل في مدّ حملتها إلى الضّفة.
3- شبح التهجير انتقل للضفة الغربية:
مع انطلاق العملية العسكرية قسم جيش الاحتلال قطاع غزّة إلى نصفين (شمال وجنوب) مطالبا بإفراغ شمال القطاع والبالغ عددهم مليون ومائة ألف، إلى جنوبه، بما ينذر بالرغبة في الدفع بهم إلى داخل الحدود المصرية وتهجيرهم.
شبح التهجير انتقل إلى الضفة خاصة في ظلّ حكومة اليمين وتبنِّيها لبرنامج يقوم على اعتبار الضفة جزءا من أرض إسرائيل الكاملة (وليس دولة إسرائيل) وضرورة ضمها إلى إسرائيل و(محو) سكانها و”استكمال النكبة” التي انتهت دون أن تتمكن العصابات الصهيونية فيها من تصفية الوجود الفلسطيني بشكل تام.
من كل ما سبق نستنتج أن التصعيد الخطير في الضفة وحملات الاعتقال الواسعة، إنّما تنبع من الرغبة في الانتقام، وردع حجة حماس وإيقاع أكبر أذى ممكن بحقها وبحق جمهورها، كما أنه يرمي إلى استغلال أجواء القتال والحرب، خاصة إذا ما توسّعت وامتدّت إلى جبهات أخرى، من أجل إطلاق يد المستوطنين الذين تم تسليحهم وباتوا يشكلون مليشيات مسلحة محمية من المحاسبة وتحظى بمكانة مؤثرة في دوائر القرار، لإرهاب الفلسطينيين، ومن ثمّ يقوم الجيش بالتضييق والقمع بشدة، وزيادة استفزازاته، التي ستتصاعد إلى أن تتحوّل إلى حرب تنهيها إسرائيل بتهجير أهالي الضفة نحو الأردن في أسوء الأحوال، أو تهجير القرى والبلدات الواقعة في منطقة (ج) إلى قلب وأطراف مدن الضّفّة لحسم الصراع فيها.
يشكل السلوك العدواني الإسرائيلي عودة إلى منطق وأنماط عمل العصابات الصهيونية في بداية القرن الماضي، وهو ما ينذر بحلول كارثة حتمية في حال ما بقي العالم داعما لهذه الحرب بما يوفر الغطاء والضوء الأخضر لتنفيذ هذه المجازر وعمليات التهجير.