إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين.
الباحث محمد عبدالله من غزة من قلب الحدث يكتب لنا من زاويته “ماذا يحدث غزة”؟
شهادة حية في اليوم الخمسين على ما يحدث في غزّة!
الباحث محمد عبدالله من غزّة
1-التهجير والإبادة وجهان لخطة مسبقة
ما حصل أو ما يحصل الآن هو تهجير وإبادة.. إقامة شيء مسبق وحاجة في نفوس العدو للقضاء على كل مقومات الحياة في غزّة..
إنّ الصهاينة اتّخذوا ما حصل في 7 تشرين الأوّل ذريعة لتنفيذ مخطّطات كانت تُعدّ مسبقا كتهجير أهل غزّة التي تعتبر مركزا للصراع بين إسرائيل/اليهود والتي هي ربيبة الغرب وبين الحقّ أيّ أهل غزّة الذين يدافعون من المستحيل من تحت الصفر ومن القليل ومن النادر ولا يقف معهم إلا الله وبعض الأصوات الشريفة، فحتى أحرار العالم الذين يعتبرون موالين للحركات التحررية لم يحركوا ساكنا إلا قليلا، وحتى على مستوى المساعدات الدولية لا تصلنا بأكثر من 5% لتغطية حاجات المواطنين، فغزّة كان يدخلها 500 شاحنة من المواد الغذائية بشكل يومي.. وهذا قليل لأنّها كانت محاصرة.. أمّا في الحرب فبدأت تدخل بعض الشاحنات بعد شهر من الحرب ما يقارب تسعين شاحنة في اليوم، تشمل مياها للشرب وأكفانا وبعض المعدّات الطبية البسيطة وبعض المعلبات والطحين الذي لا يكفي لـ 5% من الناس النازحين -كما ذكرت- من مساكنهم لأماكن أخرى.
يتناول المواطن الغزّي وعائلته علبتين من الفول في يوم واحد، أو شوربة عدس بالكاد تسدّ جوعهم، أو علبة جبنة دون خبز وتكون تلك هي الوجبة الواحدة للنجاة من الموت فقط، لا مجال للكماليات كالشاي والمشروبات الساخنة الضرورية فعليا والكمالية افتراضيا، وفي أحسن الأحوال نصنع خبزا إن وجدنا للحطب سبيلاـ لأن الغاز معدوم عندنا. هذه الحرب!! ومن ناحية عسكرية أو دفاعية فيخوضها أبناء غزّة دون أيّ مدد بالسلاح…!! فالسلاح المتاح أغلبه تصنيع ذاتي من عقول فلسطينية… بما يتيسّر من الإمكانيات المتواضعة للناس تحت الحصار.
هذا، في الوقت الذي تحصل إسرائيل فيه على دعم كبير من أمريكا مع كلّ يمتلكه العدوّ الصهيوني الذي يعتبر من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط بخاصّة وفي العالم بعامّة، هذا الجيش الذي ينتمي إلى دولة عسكرية تواصل تطوير وزيادة قدراتها بشكل دائم، وتتلقّى دعما دائما من أمريكا ومن الغرب كألمانيا التي تدفع لهم الملايين كل عام!!
وعلى سبيل المساعدات التي تقدمها أمريكا فقد أعلنت أنّها قدّمت 10000 طن من الأسلحة لليهود منذ 7 أكتوبر فقط.. هذا إلى جانب الغذاء والعلاج والدعم المادي والبشري حيث يحاربون في صفوفهم جنبا لجنب. كما يقدّمون لهم النصائح بشكل دائم عن طريق خبرائهم الموجودين في غزّة والذين يفتّشون معهم عن المقاومين، كما يمدّونهم بخبراتهم التي اكتسبوها في حرب الشوارع سواء في حرب العراق أو أفغانستان…! ويسخِّرون لهم أقمارهم الصناعية التي تصوِّر أهدافا للطائرات الإسرائيلية، إضافة إلى الدعم الدبلوماسي الفجّ لليهود، سواء في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة. والتصويت لليهود والدفاع عنهم باستمرار..
ومن أجل تسريع وتأكيد فكرة التهجير، قام الصهاينة بهدم تسعين بالمئة من المؤسسات الخدماتية والوزارية في قطاع غزّة سواء كانت مدنية أو عسكرية (شرطية). كما تمّ هدم البيوت والمنازل في القسم الشمالي من غزّة والذي يمثِّل نصف القطاع، سواء بالقصف أو التجريف، فقد شكّل الهدم ما يقارب من سبعين بالمئة من المباني التي تتواجد فيها مئات الأبراج والعمارات التي كان يسكنها مئات الألوف من الناس..
2-صور من الوضع الصحي في غزة
أما بالنسبة للوضع الصحي، فإنّه متراجع تماما حدّ إجراء العمليات الكبرى دون بنج، والعديد من العمليات القيصرية تمّ إنجازها دون أي نوع من أنواع البنج وتحت ظروف صعبة جدا، فكم من امرأة حامل اضطرت إلى الخضوع لعملية وهي في كامل وعيها لعدم توفّر البنج في المستشفيات التي هُدِّم نصفها، وارتقت أرواح العديد من الغزّيّات الحوامل إلى بارئها لتأخّر إسعافهن في الوقت المناسب فرحلن هنّ وأجنّتهن. وليست أحوال اللائي لم يصلن إلى مرحلة الولادة أفضل من اللواتي أنجبن أطفالهن في تلك الظروف، فنحن نعلم أن عدد الحوامل في غزة 52 ألف حامل.. بعضهن يحتاج إلى متابعة لوضعهن الصعب والخاص، لكن ما يقدَّم قليل جدّا لعدم تمكنهنّ من الذهاب إلى المستشفيات خوفا من القصف أو لعدم وجود سيارات وسيارات إسعاف من أجل نقلهن.. لشحّ الوقود في غزّة بسبب الحصار.
ناهيك عن الوضع النفسي لأهل غزة الذي لا تكاد تخلو عائلة من وجود شهيد فيها ما لم تكن العائلة كلّها في سجلّ الشهداء، الشهداء الذين شهدهم أهلهم وهم يدفنون دفنا جماعيا لقلّة الأكفان ولقلّة مساحات المقابر..!!
تلك بعض الحالات التي مررنا بها هنا في غزّة، وما يختنق به القلب أكبر وأوسع!!