إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين.
الكاتب والقاص علي السوداني من العراق يكتب لنا من زاويته “ماذا يحدث غزة”؟
مقدمة
نعم يجعل القاص والمبدع علي السّوداني من نصوصه، شاهدا على صمت العرب من المجازر التي تتعرّض لها غزّة والضفّة هو انعكاس لكّل الخذلان المتتالي الذي يلاحق العرب، وكلّ هذا عدم اعتبار فلسطين قضيّتهم الأولى التي ينبغي أن يهتمّ بها العرب جميعًا، ففلسطين كما عبر عنها السوداني في نصوصه القصصية، تشي بصورة وانعكاس لأيّ خذلان حينما نبتعد عنها ولا ننصف القضية، تلك هي رؤيا إنسانية ولا رؤيا جامدة أو رومانسية تنبني على عواطف، بل هي مبنية على الأمل من جهة وعلى الإنسان الذي طمست هويته مع الزمن، لذا يواجه السوداني كلّ الغضب بسخرية مُرّة إلى الذين خذلوا القضية:
سليم النجار
شهادات إبداعية حية: مطاردتان وقصيدة
علي السوداني/العراق
1-مطاردة قصصية معزوفة على سلّم النصر
حان الآن موعد طوفان القدس. القدس عاصمة فلسطين.
فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية.
الصهيونية داء خطير. خطير ومعدٍ ويشبه أمريكا.
أمريكا راعية الغزاة الأوغاد.
الأوغاد يتمرّغون بالسّخام. السّخام يلبِّد الأجواء. الأجواء بهيجة.
بهيجة أنباء النصر.
النصر يحرج الحكام الأجراء. الأجراء صامتون أمام الشاشة.
الشاشة مكتظّة بالخراف.
الخراف تمعمع بأقفاص الأسرى. الأسرى يولدون من جديد. جديد اليوم حرية.
حرية شعب الجبابرة. الجبابرة في حال ثورة.
ثورة ضدّ الغزاة اللقطاء.
اللّقطاء يهيِّئون حقائب الهجرة. الهجرة بسلام خير من البقاء.
البقاء ضريبته عالية.
عالية رايات المقاومة. المقاومة حقّ وواجب. واجب الناس دعم الأبطال.
الأبطال يصنعون المعجزة. المعجزة الآن غزّة.
غزّة تمشط شعرها بشباك البحر. البحر يراقص القوارب.
القوارب ترتِّل صلاة الفجر.
الترتيل على هوى التجويد. التجويد دواء القلب.
القلب يدقُّ طبول الأمل.
الأمل عائد. عائد أيّتها الأرض.
الأرض تتحدّث بالعربي الفصيح.
الفصيح يفهمه العدو.
العدو بال على سروال السراب. السراب خدع الغزاة.
الغزاة شاشتهم البحر.
البحر مكتظّ بسفن الانتظار.
الانتظار المملّ باب الهروب.
الهروب من دون تلويحة وداع.
2-مطاردة قصصية ثانية لعيون غزة الجميلة
غزّة صامدة. صامدة تصنع النصر. النصر بهجة وحزن.
حزن بباب الأمل.
الأمل مفتاح النّجاة. النّجاة من تحت الأنقاض.
الأنقاض بمتحف الحرية.
الحرية راية حمراء. حمراء كانت المجزرة.
المجزرة قلادة برقبة العدو.
العدو إسرائيل وأمريكا. أمريكا فضيحة فوق جبل. جبل النار أغنية.
أغنية الثوار فلسطين. فلسطين في القلب. القلب يعزف فوق المئذنة.
المئذنة تلوّح لأجراس الكنيسة. الكنيسة من بيوت الله. الله الحافظ الناصر.
الناصر جمال. جمال سعيد الليلة. الليلة ترفرف على السور.
السور يحتضن المدينة. المدينة هي القدس. القدس معلّقةُ مظفّر النواب.
مظفّر النواب بمقهى الروضة. الروضة سلة أطفال.
أطفال غزّة طيور الجنّة. الجنّة تحت أقدام الشهداء.
الشهداء يغنّون بالمقبرة.
المقبرة مكتظّة بالمجد. المجد للأبطال الأحرار.
الأحرار يرسمون اللّوحة. اللّوحة معلقة بخاصرة الجدار.
الجدار مفكِّرة الأيام.
الأيام هلاهل الأمهات. الأمّهات يجمعن ناقوط الماء.
الماء بيد الوحش.
الوحش يتلذّذ بمنظر الدّم. الدّم يرتقي إلى السّماء.
السّماء مزروعة بالغربان.
الغربان تنعق والطيور في العشّ.
العشّ يتململ بثدي شجرة.
شجرة الزيتون تكتب أجمل القصص.
3-من دفتر وصايا غزة
ثمّة قبرٌ مفتوحٌ فمُهُ
سقسقة عصافير دارجة
وياسمينة ترفرف فوق العتبة
قيل إنّه غادر مدفنه فجراً
لكنَّ حارس المقبرة قد أفتى بما لا تعلمون قال وقرأ:
هذا مكتوبٌ وُجدَ مخطوطاً على قلب شهيد:
إنْ متُّ غداً
دعوا باب قبريَ مفتوحاً
قد أعودُ ثانيةً
لأكحِّل عيني بمرأى نصرٍ مبين
وأطمئنّ على خبز العائلة…