ماذا يحدث في غزّة؟.

إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”

مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
الكاتبة وعد عبدالله العساف من الأردن تكتب لنا من زاويتها “ماذا يحدث غزة”؟

وضع المرأة الغزية الآن
وعد العساف/الأردن

1-إبادة تحت نظر العالم
ما يحدث في غزّة الآن أوضاع كارثية إنسانية محقّقة يعيشها الغزّيّون جرّاء العدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر منذ أكثر من شهرين، وتدميره عددا من المستشفيات والمرافق الصحية إلى جانب انعدام الأدوات الأساسية اللازمة للإسعاف وإنقاذ المصابين والمرضى، والافتقار للغذاء والدواء والماء الصالح للشرب.
غزّة التي في الأصل، عانى أهلها على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية العزلة والصراع المتكرّر، حيث تتلقى 77% من الأسر مساعدات، معظمها نقدًا أو طعامًا.
تراكمات من الكوارث والمصائب تتوالى تباعا تمزق ضحاياها من أطفال ونساء وشيب وشبان بوحشية لم يسجلها التاريخ من قبل.
إنّها حرب إبادة يدفع ثمنها شعب أعزل لا حول له ولا قوة.
وذلك العالم هناك يقف مكتوف الأيدي، يصم أذنيه عن صرخات الأطفال والنساء، ويشيح بوجهه بعيدا عن أشلائهم الممزقة التي تلاصقت بالشوارع والجدران، ودفنت حية تحت الركام.
أمهات ثكالى.. أرامل.. شهيدات.. جريحات.. أين من هلعهن هؤلاء الذين يتغنّون بحقوق المرأة!!! ففي غزّة تنام النّساء على صراخ أجسادهن وأنينها، يوقظهن صياح أطفالهن الجوعى وأنين الجرحى وصوت القصف.
تلك الورود البيضاء التي توشحت بسواد القنابل تفجّر أمنها، وتلطّخت بحمرة الدماء، لوحة وحشية يتفنن الاحتلال في رسمها بكل بربرية خالية من الإنسانية.
إنهّا حرب الذبح الجماعي والقضاء على كلّ أشكال الحياة على أرض غزة.
أين العالم الناعق بالقضاء على العنف ضد المرأة!!! هل نام ضميركم الآن وسكتت الأقلام وصمتم عن الكلام تجاه الأوضاع “الكارثية” التي تعيشها النساء منذ اندلاع الحرب؟
أليس ما يجري للنساء والأطفال الآن أشكال شتى من العنف الجندري المرعب المختلف بأنواعه ومعاناته عن النمط السائد للعنف ضدّ النساء عالميا؟؟ بل هو أدهى وأمرّ.
السكوت عما يجري هو دعم للاحتلال الصهيوني الذي يستمر يوميا بقتلها وتعذيبها وتدمير بيتها على رؤوس أفراد أسرتها.
والمحايد في حالات الظلم الذي يحدث، هو تأييد للظالم.

2-انعدام الوضع الصحي المفترض للغزيات كنساء
لك الله يا غزّية فالمعاناة التي تمرين بها قديمة جديدة، فلا يخفى على أحد أن أوضاع النساء في غزة كانت سيئة بالفعل قبل اندلاع الحرب الهمجية، وزادت الحرب الطين بلة.
الواقع الآن في غزة حيث تكاد الحرب، تحتكر مرحليا صورة العنف ومسبباته، وتساهم بتأثيراتها في إنتاج مزيد من أشكاله غير المألوفة، كالتي تعانيها نساء غزة اليوم في مراكز الإيواء، أو تحت القصف، في وقت يدفعن فيه “الثمن الأغلى والأكبر” للصراع.
وتزيد مثل هذه الأحداث من مخاطر تعرض النساء للعنف القائم على النوع الاجتماعي كونهن الطرف الأضعف، مع مشكلة انعدام الأمن الغذائي، وتجعلهن أكثر عرضة من الرجال للعيش في ملاجئ مؤقتة دون المستوى عند النزوح، ممّا يعرِّضهن لمشاكل أكبر هنّ وأطفالهن.
وبالعودة إلى تقارير الأمم المتحدة والتي قدمتها وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوث، وصفت وضع النساء في قطاع غزة بـ “الكارثي”، مسلِّطة الضوء على الضغوط والاحتياجات الحادة للأمهات والنساء الفلسطينيات في القطاع.
فمنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر، تشير التقديرات إلى أن 67 في المئة من الأشخاص الذين قُتلوا في غزة والذين يزيد عددهم عن 14 ألف شخص، هم من النساء والأطفال. هذا يعني مقتل والدتين كل ساعة وسبع نساء كل ساعتين، بحسب الأمم المتحدة.
وأن 180 امرأة تلد كلّ يوم في غزّة، دون ماء أو مسكنات أو تخدير للعمليات القيصرية أو كهرباء للحاضنات أو مستلزمات طبية، “ومع ذلك، يواصلن رعاية أطفالهن والمرضى والمسنين، تخلط الأمهات حليب الأطفال بالمياه الملوثة، عندما يجدنه، ويبقين دون طعام حتى يتمكن أطفالهن من العيش يوما آخر”، حرب وخوف يعني الوقوف وجوع وعطش وبرد ومع ذلك يضحّين بكلّ هذا لأجل أطفالهن، ويتحمّلن مخاطر متعدّدة في الملاجئ المكتظّة للغاية، حيث سُلبن سبل عيشهن وأمنهن وكرامتهن، فالتواجد في مراكز الإيواء يعني الوقوف في طابور طويل للذهاب إلى الحمام لقضاء الحاجة، وفي طابور آخر للذهاب لدخول العيادة وآخر للحصول على الماء …الخ .
ناهيك عن الإصابة بنزلات معوية سببها ماء الشرب غير النظيف، إلى جانب انعدام النظافة في البيئة بشكل عام.
ففقدان آلاف النساء في غزة لمنازلهن، ومعاناة آلاف المصابات في القطاع، دون قدرة على الحصول على أي دعم طبّي من النظام الصحي المنهار تماما هو سلبٌ لأمانهن، والقصف المتواصل الذي لا ينتهي، وفقدان الأحبّة، والخوف على الأطفال صار السّمة اليومية في حياة المرأة في غزّة، واحتراق لأحلام بلا مستقبل.
نقرأ ونتابع ونصاب بالصدمة، ونحترق ألما من هول الأرقام التي تعلنها الأمم المتّحدة عن الأضرار التي لحقت بالنساء والأطفال. فعندما تقدّر الأمم المتحدة أنّ حوالي 50,000 امرأة حاملا تأثّرن بالحرب، وتسبب صوت القصف المتواصل بإجهاض حمل العديد منهن، وخطر الولادة القيصرية بدون تخدير هو تعذيب يضاف للعذاب المعنوي والجسدي الذي يعانينه. إنّهن يواجهن الخطر يوميا تحت وابل القصف الكارثي، بلا رحمة ولا شفقة.
فالنساء والأطفال هم الشريحة التي تشكل نسبة 70% من ضحايا هذه الحرب الشعواء والأكثر تضررا.

3-مأساة النزوح تزيد الطين بلّة
ففي حرب غزّة، كما كل الحروب التي عاشها العالم عبر التاريخ، معاناة النساء مضاعفة، وفاتورة الحرب مرتفعة، تدفعها النّساء من أجسادهن، ومشاعرهن الرقيقة التي مزّقتها الويلات التي تتوالى يوميا بلا توقّف، ووجع النزوح الذي جعل من رباطة الجأش هباء منثورا. فبالنظر إلى واقع النزوح فإنّه ليس أفضل حالا من الموت بالنسبة لهذه الشريحة المستهدفة، لأنّه يعني الاكتظاظ والاكتظاظ في ظلّ الافتقار إلى أدنى درجات الرعاية الصحية تعني انتشار الأوبئة والأمراض، النزوح انتحار والبقاء انتحار.
قدرهن أنّهن يعشن آلامًا مضاعفة بسبب ويلات الحرب تارة، وبسبب بيولوجية أجسادهن ومشاعرهن تارة أخرى.
حرب تعيشها المرأة في حالة من الخوف والقهر. تعيش في حالة من ترقّب مرير موتها، أو موت أحد أفراد عائلتها. إحساس بشع كبشاعة تجّار الحرب، عشّاق دماء الأطفال، أعداء السلام.
حرب نسي فيه العالم الذي صرعنا بقضايا المرأة احتياجات النساء في غزة الصحية والجسدية والنفسية، هذه الأهوال تتقاطع مع عوامل أخرى، تجعل الحرب والنزوح صعب كصعوبة نزع الروح.
فالنساء تدفع ضرائب الحرب أضعافًا، ويختبرن ويلاتها بشكل يصعب فصله عن بيولوجية أجسادهن وهوياتهن الاجتماعية، وتكويناتهن الجسدية، دون أن يلتفت أحد الى احتياجاتهن.
حتّى المساعدات الإنسانية والاتفاقيات الدولية، لا تفكر بأنّ للنساء وصحتهن ظروفًا استثنائية في الحروب، في ظلّ ظروفٍ لا إنسانية يعشنها مع الجميع، وتؤثر عليهن على وجه الخصوص.
هذا الواقع المؤلم الذي يدمي القلب الذي حمل النساء في غزّة على الصلاة من أجل السلام، ولكن إذا لم يتحقّق السلام، فإنّهن يصلين من أجل الموت السريع، أثناء نومهن، وأطفالهن في أحضانهن.
أمنيات العالم الذي يدير ظهره لهن، ولهم، ولمعاناتهم في كفّة، وأمنيات الغزّيات في كفّة أخرى.
لم يطلبن الحرير ولا المال ولا القصور.
إنّهن يُردْن السلام.. السلام لهنّ ولأطفالهنّ، الذين تقتات عليهم الحرب المسعورة بنهم وبلا هوادة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!