إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
الدكتورة جمانة ديب بغدادي من لبنان تكتب لنا من زوايتها “ماذا يحدث غزة”؟
7 أكتوبر.. تاريخ لا يُنسى
د. جمانة ديب بغدادي/جامعة الجنان / لبنان
فجأة ومن دون سابق إنذار استطاعت حركة حماس تغيير نظرة العالم حول جيش الاحتلال والذي كان يُطلق عليه بأنه جيش لا يُقهر، وأصبح يُقهر وبقوة، خرجوا من تلك المدينة المحاصرة منذ سبعة عشر عاماً، من “غزة” المدينة الساحلية الفلسطينية والتي تبلغ مساحتها فقط 365 كلم2، ليقولوا للعالم بأن الاحتلال مهما طغى وتجبر واستعدّ وتحصّن هو أوهن من بيت العنكبوت؛ ربما لم يكن القرار قرارهم ولكن الفعل فعلهم، فهم أبطال الأرض وأهلها وأصحاب الحق وحاملو رايته، هم من تربوا على حبّ الوطن والدفاع عنه مع حليب أمهاتهم، وكيف لا يكونوا كذلك وهم يعيشون تحت الاحتلال والقهر والذلّ في كلّ يوم من حياتهم.
1- أين تلك الأبواق التي تنادي بحقوق الإنسان؟
جنّ جنون العدو الصهيوني وبدأ القصف العشوائي، لم يميز بين مقاتل من حماس وبين نساء وشيوخ وأطفال رُضّع، لم يرحم أحداً، وبدأت طائراته وصواريخه تقصف كل مكان حتى المستشفيات كان لها نصيب من إجرامه ليسقط فيها مئات القتلى، غزة تُباد.. وفوق الحصار حصار وقتل ودمار وتشريد، واستخدام لأسلحة محرّمة دولياً، مع صمتٌ عربي ودولي فظيع، أين تلك الأبواق التي تنادي بحقوق الإنسان؟ أين تلك المنظمات النسوية التي تعلن حربها إلى جانب المرأة خوفاً عليها من عنف زوجها وتتركها في غزة تتحوّل إلى أشلاء؟ أين تلك المنظمات التي تدعي الخوف على الأطفال وتطالب بحقوقهم وتصمت اليوم وهي تراهم تحت الرُكام؟
أين الدول العربية وجيوشها مما يحصل في غزة أم إن تلك الجيوش مهمتها فقط إحكام السيطرة على البلاد وسد أفواه من يطالب بحقوقه؟
أين العالم الغربي ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها؟ لماذا هذا الصمت الرهيب؟ يدينون من يدافع عن أرضه وعرضه وماله، ويصمتون أمام هول وفظائع الجرائم التي تقوم بها ربيبتهم إسرائيل. الأمر ليس جديداً عليهم، فهذه هي إسرائيل التي قامت على أشلاء ودماء الشعب الفلسطيني، وعلى تهجيرهم من أرضهم وتشريدهم في مختلف أرجاء العالم.
2- لماذا هذا الصمت الرهيب؟
ما يحصل الآن ليس المجزرة الأولى بحق أهل غزة فكم من النزاعات التي حصلت وراح فيها المئات لا بل الألوف ولم يحرك ذلك ساكناً، وكانت تكتفي الأمم المتحدة بإرسال بعثة لتقصي الحقائق، وتتوصل لأدلة تشير إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وبأن إسرائيل ارتكبت أفعالاً تصل إلى مستوى جرائم الحرب وربما جرائم ضد الإنسانية، وماذا بعد ذلك؟ هل تم محاكمتها؟ هل تم ردعها؟ لا شيء من كل ذلك.
وها هو المشهد يتكرر، والعدو الصهيوني يتابع إجرامه، فقد تم إلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات على مبانٍ مدنية، وتم تدمير المستشفيات والمخابز والمدارس والجامعات، وقطع الماء والكهرباء والنفط عن الشعب بأكمله، آلاف القتلى من النساء والأطفال، والصمت سيد الموقف، لا بل إن أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرهم من الدول الأوروبية يصرون بأن إسرائيل لم تنتهك القانون الدولي، فما الذي ينتهك القانون الدولي بنظرهم؟ ربما هو مقاومة المحتل والدفاع عن النفس، وربما يكون الأمر بناءً للهوية ولأن المقاوم مسلم فقط.
3- هل هناك اتفاق مسبق لإبادة اهل غزة؟
هل هناك اتفاق مسبق على إبادة أهل غزة وتشريدهم وتهجيرهم من أرضهم؟ هل هناك مخطط حان تنفيذه؟ منذ سنوات وسيناء المصرية يتم تهجير أهلها بحجة مكافحة الإرهاب فيها، وتم إنهاء ظاهرة الأنفاق في هذه المنطقة والذي كان شرياناً للحياة لسكان غزة في خضم حصاره من قبل إسرائيل، فتم حرمانها من أي مساعدات ممكن تقديمها. فهل تم تجهيزها لتكون مقراً للمهجرين من غزة؟
كل ما يحصل الآن، وإعلان العدو الصهيوني استعداده لاجتياح بري شامل لجميع مناطق قطاع غزة، يدل على إن هناك قراراً قد حُسم هدفه القضاء على حركة حماس وبالتالي القضاء على المقاومة في غزة، فبدأوا بحسم منطقة الغلاف عسكريًّا وضمان تفريغها من أي مقاوم فلسطيني، وقاموا بتكثيف القصف الجوي متبعين سياسة الأرض المحروقة، وبدأوا بتهيئة الرأي العام الدولي من خلال إظهار حركة حماس وكأنها حركة إرهابية وربطها بداعش، وتسويق أخبار كاذبة مثل قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء من أجل التأليب عليها والمساس بصورتها من حركة تحرر إلى إرهاب عبر استراتيجية إعلامية تحريضية ضدها وحصر المعركة الإعلامية معها، وتشويه صورتها، لحشد الدعم الدولي لارتكاب مجازر كبيرة ضد غزة، بالإضافة إلى استهداف الإعلاميين الفلسطينيين وارتكاب المجازر بحقّهم بقصد قتلهم وإسكات صوتهم.
إنها معركة طوفان الأقصى التي بدأت حماسية ولكنها تحوّلت إلى معركة فلسطين والشعب العربي والإسلامي، فهي ليست معركة حركة حماس فقط رغم قيادة الحركة لها، ولا معركة قطاع غزة رغم أنها مسرح عملياته، إنها معركة الحق ومقاومة المحتل والتحرر والعودة، ولذلك وجب على الجميع تحمل مسؤولياته، فالشعب الفلسطيني المقاوم لا يحتاج لمساعدات غذائية وإنسانية ليموت شبعاناً بل يحتاج لوقفة عز وكرامة ليحيا إنساناً.