إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
القاصة الزهرة رميح من المغرب تكتب لنا من زاويتها “ماذا يحدث غزة”؟
غزّة في أتون هولاكو الجديد
الزهرة رميح/المغرب
1- تدنير غزة وصمة عار في جبين الإنسانية:
ليلة الجمعة 27 أكتوبر 2023 ستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية، وتحديدا في جبين حكام العالم غربا وشرقا… ستبقى رمزا للهمجية المطلقة، ولجنون أمريكا التي استفردت بالعالم وأخضعته بتحكمها في التكنولوجيا والاقتصاد وفرض ثقافتها ونمط عيشها وحصر المواطن العالمي في قالب شكلته وفق مصالحها، وأحكمت سيطرتها على الأنظمة العربية التي لا يهمها الوطن ولا المواطن بقدر ما يهمها الكرسي، وخلقت منها أذيالا تابعة لها، تأتمر بأمرها، ولا تعترض على ما تفعله مهما بلغت درجة همجيته. ولذلك، سيظل صمت الحكام العرب وصمة عار في جبينهم.
لا أعتقد أن شرفاء العالم ناموا البارحة -أو ناموا نوما هادئا- بعدما رأوا غزة تقصف جوا وبحرا وبرا بأحدث الآليات الحربية، وتفجر بقنابل محرمة دوليا، بل وتجرب فيها أسلحة جديدة كما هي عادة أمريكا في كل حروبها على الشعوب. فرغم التدمير الذي تعرضت له غزة منذ السابع من أكتوبر، وإبادة الفلسطينيين بداخلها ومحاولاتها الدفع بهم إلى الهجرة والتخلي عن أرضهم كما فعلوا سنة 1948؛ ورغم حرمانهم من الماء والكهرباء والدواء ومن أبسط وسائل العيش، وقتل آلاف الشهداء معظمهم من الأطفال والنساء، إلا أن ما تعرضت له غزة ليلة الجمعة من تدمير مجنون بدعم وتوجيه من أمريكا فاق الخيال.
2-الكلمات عاجزة عن التعبير!!
كانت ليلة الجمعة 27 أكتوبر ليلة مظلمة خاصة بعدما عطلت إسرائيل شبكة الإنترنت وشبكة الاتصالات الهاتفية لا لتخفي جرائمها عن العالم لأنّها بفضل الدعم الدائم وغير المشروط من أمريكا صارت فوق القانون الدولي الذي لم تمتثل له يوما طيلة خمس وسبعين سنة، وإنما لإضعاف المقاومة وحرمانها من التنسيق بين عناصرها، ولتسهيل توغل دباباتها وجرافاتها داخل القطاع. ولذلك، تعتبر ليلة الجمعة أم الليالي السوداء التي عاشها سكان غزة، وعاشها أحرار العالم الذين ينددون بهمجية العدوان الصهيوني وبموقف أمريكا الداعم لها بالأموال والأسلحة ولكنهم يشعرون بالعجز والقهر لأنّ الكلمات أصبحت عاجزة عن التعبير عن الهمجية التي تمارس أمام أنظار العالم. لقد أعادتنا همجية إسرائيل وحليفتها أمريكا إلى مرحلة الإنسان البدائي، وإلى عالم الغاب حيث يأكل القوي الضعيف. أعادتنا إلى زمن هولاكو الدموي وإلى رغبته المجنونة في السيطرة على العالم. فحلم إسرائيل لا يختلف عن حلم هولاكو. وهي ابنة وفية لأمها أمريكا التي نزح إليها غربيون من كل أنحاء أوروبا وأبادوا سكانها الأصليين، وأقاموا على أنقاض حضارة شعب الهنود الحمر حضارتهم الغربية. فالصهاينة الذين جاؤوا إلى فلسطين من بقاع العالم مارسوا نفس التقتيل والتشريد في حق أصحاب الأرض. وقد نجحوا في استيطان معظم الأراضي الفلسطينية، وسرقة حضارة الشعب الفلسطيني، وتزوير تاريخهم، رغبة منهم في خلق حضارة لهم على حساب حضارة الشعب الفلسطيني.
1- لماذا الحقد الأسود على غزة؟
يتساءل أحرار العالم: لماذا هذا الحقد الأسود على غزة؟ ولماذا هذا الدعم الأمريكي المادي والعسكري منقطع النظير لإسرائيل؟ ولماذا الكيل بالمكيالين؟ وكيف تنعت غزة بالإرهاب ولا تنعت به إسرائيل التي يحفل تاريخها الأسود بالمجازر الشنيعة في حق الفلسطينيين، والتي لا تتورّع عن قتل الأطفال والمواطنين العزّل؟
هذا الحقد نابع أولا من كون غزة معقل حركة حماس، وهي الحركة التي بقيت متشبثة بالمقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وهي الرقعة الجغرافية الوحيدة في فلسطين التي تخرج عن سيطرة إسرائيل. وهي التي تعيق إنشاء الشرق المتوسط الجديد كما خططت له أمريكا وأخضعت الأنظمة العربية في سبيل تحقيقه وخاصّة في زمن دونالد ترامب الذي استغل نقط ضعف هذه الأنظمة ومشاكلها ليفرض عليها التطبيع، ويجعل إسرائيل تتغلغل داخل المجتمعات العربية، وتتعاون مع الأنظمة العربية على كل المستويات اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وأمنيا. وقد حققت أمريكيا هدفها بإضعاف القضية الفلسطينية لدرجة أن المملكة العربية السعودية معقل الإسلام، ومحج ملايين المسلمين كانت على وشك التطبيع مع إسرائيل. لقد سلّمت الأنظمة العربية بتفوق إسرائيل وبكونها الورقة الرابحة في تعاملهم مع أمريكا سيِّدة العالم.
ولكن ما حدث يوم السابع من أكتوبر أفسد المخطط الأمريكي الصهيوني، وأحيا القضية الفلسطينية التي كانت قد دخلت غرفة الإنعاش، وأعاد تدفّق الدماء الحمراء في عروق الشعوب العربية، وجعلها تندّد بالتطبيع مع إسرائيل وتطالب قادتها بإلغائه، وقطع العلاقات مع إسرائيل. لقد أبهرت المقاومة الفلسطينية العالم بهجومها المفاجئ على إسرائيل داخل الأراضي المحتلة، وهو الأمر الذي لم تحققه الجيوش العربية في كل حروبها مع إسرائيل منذ احتلال فلسطين.
2-سقوط الأقنعة:
هجوم المقاومة المفاجئ وأسر مئات العسكريين داخل ثكناتهم أصاب غرور العدو الصهيوني وعجرفته في مقتل، هو الذي يعتبر من أقوى الجيوش في العالم، ويعتد بتحصينه لإسرائيل بالجدران والأسيجة وكاميرات المراقبة والقبة الحديدية. لذلك جاء انتقام إسرائيل وحليفتها أمريكا في مستوى الصدمة وأكثر. فهذا الهجوم يفشل المخطط الأمريكي الصهيوني لخلق شرق أوسط جديد يتحقق فيه السلام مع إسرائيل دون أن تقدم أي تنازلات أو تغير من سياستها الاستيطانية أو تقبل بحل عادل للقضية الفلسطينية. شرق أوسط جديد تكون فيه إسرائيل القوة المهيمنة ما دامت هي المتفوقة اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا. وعندما تهيمن إسرائيل فإن أمريكا هي التي تهيمين، وتستفيد من ثروات الشعوب العربية أكثر فأكثر. ومن المعلوم أن النظام الرأسمالي الجشع لا يبالي بالقيم الإنسانية ما دام يقوم على الاستغلال، استغلال البشر واستغلال الشعوب، وما دام تكديس الثروات في أيد قليلة هو هدفه الأسمى. وبما أن المقاومة في غزة تعرقل تحقيق المخطط الصهيوني الأمريكي، فإن إسرائيل وأمريكا لا تتورعان عن استعمال أسلحة الدمار الشامل للقضاء على غزة واحتلال كل الأراضي الفلسطينية.
ستظل حرب الإبادة والتطهير العرقي التي تشنها أمريكا وإسرائيل في الشرق الأوسط على بقعة فلسطينية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها المليونين، وعلى حركة مقاومة تحرير وليس على جيش منظم، وصمة عار في تاريخهما المشترك. وسيذكر التاريخ أنهما ألقيا خلال بضعة أيام قنابل تعادل قدرتها التدميرية أكثر من القنبلة الذرية التي ألقتها أمريكا على هيروشيما. كما سيذكر التاريخ موقف الغرب المشين الداعم للعدوان الإسرائيلي، والذي يعتبر الدفاع عن الأرض إرهابا واستلاب الأرض حقا مشروعا. فقد سقط قناع الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي كان يستغل عن طريقه شعوب العالم الثالث ويستنزف ثرواتها، وظهر وجهه الحقيقي ونزعته الاستعمارية المتأصلة.
ورغم الدمار وآلاف الشهداء إلا أن ما قامت به المقاومة في غزة وما تقوم به حتى الآن سيغير مجرى التاريخ، وستبقى غزة رمزا للعزة والكرامة والبطولة.