اجرى الحوار : عبد الرقيب طاهر / اليمن
يعد الروائي اليمني وجدي الأهدل علامة فارقة في المشهد الإبداعي اليمني بعد مسيرة زهاء العشرون عام من الكتابة كان نتاجها مزيداً من الأعمال الروائية والقصصية الجميلة التي ترجمت بعضها إلى لغات أجنبية … الرجل تبواء مكانة مرموقة في المشهد الأدبي اليمني فهو مدهش بحق فقد استطاع أن يعيد للرواية اليمنية مكانتها المرموق بين نظيراتها العربية. .. كان لزاماً لصحيفة آفاق حرة الإلكترونية الباحثة والمُنَقِبة عن عالم الإبداع أينما وجد أن تقابلهُ وتبحر معه في سماء إبداعه ورحابة إصدارته القيمة .
** عزيزي دعني أبدأ معك من قمة هرم أعمالك السردية، وهي مجموعتك القصصية “وادي الضجوج” التي تضمنت أثنتا عشرة قصة صادرة مؤخراً عن الأمانة العامة لجائزة الدولة للشباب في نوفمبر الماضي.. يتهمك البعض في هذا العمل السردي بالاتكاء على الموروث الشعبي المليء بالخرافة والانزلاق نحو الغرائبية التي تثير الخوف والفزع والعزوف عن العالم المألوف والواقع المعاش.. كيف يرد وجدي الأهدل عليهم؟.
– أشكر القراء الأعزاء على هذا الاتهام، وأؤكد أن الاتهام صحيح. أنا مذنب، لقد كتبت مجموعة قصصية تنتمي إلى ما يُسمى “أدب الرعب”! آمل أن تكون هذه مساهمة متواضعة في إضافة أنواع جديدة إلى الأدب القصصي في اليمن.
**رجال جائعون ونساء مغتصبات و أيتام ومهووسون جنسياً، سجون و تعذيب وعلمانيون وإسلاميون كل هذا نجده في فضاء روايتك”قوارب جبلية” التي بسببها عشت محنة حقيقية في منتصف عام 2002م ما هي دوافع وجدي الأهدل للخوض في مثل ذلك العالم المستور والمخيف ؟.
– بالتأكيد ليست دوافع إجرامية.. وأؤكد لك يا أخي العزيز عبدالرقيب أن دوافعي حسنة! تنتمي هذه الرواية إلى ما أُسميه “الرواية الهجائية”. هذا النوع من الروايات يذكرنا على نحو ما بتقاليد الأدب العربي القديم، حينما كان الشاعر الغاضب يكتب قصيدة هجاء.. وعلى ذات المنوال فإن هذه الرواية هي رواية هجائية للواقع.
** في ثاني أعمالك التي تلت قوارب جبلية أتت رواية “فيلسوف الكرنتينة” التي لم تخلُ من فانتازيا ساخرة وواخزة أيضاً تعدت حدود الزمان والمكان لليمن، وتم ترشيحها للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2008 هل ذلك التحول الكبير أعطاك مزيداً من النجومية والشهرة؟ .
– الشهرة في اليمن ليس لها اعتبار، النجومية في اليمن كلام فارغ. يمكن لبائع كباب أو فول أو شاي حليب أن يكون مشهوراً، مع فارق أنه سيستفيد من شهرته ويحقق أرباحاً، ويعيش في وضع مالي أفضل، ولكن بشأن الأديب فإن شهرته لا تجلب له أيّ نفع مادي مع الأسف.
** وجدي الأهدل حصد عدد من الجوائز الأدبية مثل جائزة مؤسسة العفيف الثقافية وبعض الجوائز الدولية.. بلا شك أن الجائزة تلعب دوراً في نجاح العمل وتشجيع الكاتب على الاستمرار والنجاح ؟ حين يكتب وجدي الأهدل هل يضع نصب عينيه الجائزة أم الجمهور ؟.
– أيّ كاتب أحمق هذا الذي سيكتب وبصره متجه باتجاه جائزة ما! هذا ليس كاتباً، هذا صياد جوائز، وربما يحالفه الحظ، مرة وربما عدة مرات، ولكنه أبداً لن يكون كاتباً، وسيظل مجرد صياد أموال لا أكثر.
**في رواياتك “حمار بين الأغاني” كان الإهداء لرجل ألماني (غونتر غراس) هل كان ذلك الرجل يستحق كل ذلك ياسيدي الكريم؟.
– لا أعلم إن كنت قد قرأت روايات (غونتر غراس)؟ إنه واحد من أعظم الروائيين على مر التاريخ. وأما سبب الإهداء إليه، فمرجع ذلك أنه أنقذني من المنفى بتوسطه لدى الرئيس الراحل علي عبدالله صالح للسماح لي بالعودة إلى بلدي. وكما نعلم فإنه لم يكن ملزماً بالدفاع عن كاتب يمني مجهول، وكان يمكنه أن يقبل الوسام والتكريم من الرئيس اليمني دون أن يُعاتبه أحد ولكنه إنسان من طراز رفيع، وضميره لم يكن ليسمح له أن يحظى بالأوسمة بينما ثمة كاتب من أبناء البلد مشرد ومطارد بسبب عمل أدبي لم تستحسنه السلطة .
**أخي وجدي أنت بلا شك عاصرت الكتابة بالقلم العادي والآن تطور الأمر إلى الكتابة بالقلم الإليكتروني على لوحة المفاتيح، هل الكتابة هي نفسها أم الإحساس لدى الكاتب القديم يشعر بأن ثمة تغيراً في ذلك ؟ وأعرج أيضاً بسؤالي على الكتاب الإلكتروني هل تراه سيقضي على الكتاب الورقي ؟.
– الكتابة بلوحة المفاتيح تُعلم الكاتب الكسل! بينما الكتابة بالقلم المليئة بالشطب والهوامش تساعد الكاتب على إعادة كتابة عمله عدة مرات لتجويده. وأما عن الكتاب الورقي فأرى أن أمامه طريقاً مسدوداً، لأن اعتماد البشر على التكنولوجيا يزداد يوماً بعد يوم، وهذا يرجح كفة الكتاب الإليكتروني .
** كُلفت مؤخراً من دار أروقة للدراسات والترجمة والنشر بإدارة تحرير سلسلة “بواكير السرد اليمني” أعطنا نبذة مختصرة عن هذا العمل الذي ستقوم به ؟.
– أولاً علينا التذكير بأن الأعمال اليمنية الأولى في مجالي القصة القصيرة والرواية موثقة ببليوغرافياً، وبالتالي فإن الأعمال العشرة الأولى في الرواية والقصة القصيرة محددة ، الأمر الثاني أن عملنا سيقتصر على البحث عن نسخ من تلك الأعمال، وإعدادها لطبعة جديدة، مع التشديد بأننا لن نتدخل مطلقاً في المتن الأدبي، باستثناء التصحيح اللغوي لا غير .
** هناك أسماء كبيرة سطعت بقوة في عالم الرواية في وطننا العربي مثل نجيب محفوظ، ومؤخراً صاحب رواية (عزازيل) الدكتور يوسف زيدان هل يلوح في الأفق ثمة أسماء في وجهة نظرك ستملأ سماء الفن الروائي في وطننا العربي ؟.
– السماء مكتظة بالنجوم، ولكننا بسبب الانشغال بمشاهدة التلفزيون وتصفح النيت وإدمان التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي، لم نعد نجد وقتاً لقراءة الأدب الجديد ،المطابع تخرج كل يوم أعمالاً أدبية جديدة جديرة بالقراءة، وما علينا سوى أن نُطفئ الأجهزة الإليكترونية التي تحيط بنا ونجلس للقراءة .
** النقد في غياب مستمر يا أستاذي القدير منذُ فترة طويلة لم نعد نلمس إصدارات نقدية قوية في الساحة الأدبية، ولا يعدُ الأمر غير دراسات نقدية باهتة هنا وهناك، هل هذا الغياب لدور النقد هو سبب جعل القارئ العربي البسيط لا يفرق بين الغث والسمين ؟ وجعل الكم في الساحة الأدبية أكثر تضخماً من الكيف ؟ .
– لا أتفق معك بشأن غياب النقد، إنه حاضر في المشهد، وهناك أقلام نقدية على درجة عالية من التبصر والكتابة التي تُضيف إلى النص. وأما تضخم الإصدارات الأدبية فهذه مسألة طبيعية، وحتى في زمن الجاحظ كان هناك من يشكو من كثرة التأليف! لكن المخيف ليس كثرة الإصدارات، وإنما تقاعس هذه الكثرة من الكُتاب عن المساهمة في تنوير مجتمعاتهم، ومواجهة الاستبداد السياسي والديني، والانتصار لقضايا الحقوق والحريات.
**الوطن يمر بمحنةٍ عظيمة بلا شك أثرت على الوضع الأدبي وألقت بظلها على كل مناحي الحياة في اليمن، ماهو دور الأديب في الإسهام للخروج من هذه الأزمة الراهنة وهل ترى يا أخي الكريم ثمة مخرج لهذا الوطن من محنته الراهنة ؟.
– دور الأديب هو التنوير. أن يكتب عما يجري بتجرد وعقلانية. أن يضع يده على جوهر المشكلة ويطرح الحل المناسب. الصراخ العالي ليس سمة الأديب، الإدعاء بأنني أمتلك الحقيقة وحدي وأن الطرف الآخر على خطأ مئة بالمئة لا يمت للعقل بصلة.. كل إنسان يظن أنه على صواب وبالتالي أنه هو المثال الأعلى للخير، وأن الآخر هو الشرير.. هذا وهم، وهذه عقلية طفولية ساذجة، وهذا النوع الأهوج من التفكير هو السبب في الحروب الدولية والأهلية وحتى في الصراعات الحزبية الصغيرة والمنافسات التافهة الشأن بين الأفراد. إن “الغرور” هو الآفة الأصلية التي نعاني منها.. كل الخصال الرديئة تبدأ من “الغرور”. وكل الخصال الحسنة تبدأ من “التواضع”. ولنتذكر أن أول صراع حدث في تاريخ الوجود كان بسبب “الغرور” حينما رفض إبليس أن يسجد لآدم .
**هناك الكثير من الشباب عازمون على السير في المضمار الأدبي الروائي هل هناك ثمة نصيحة تُهديها لهم ؟.
– عليهم بقراءة الأدب العربي القديم، والأدب الروسي لاسيما ديستويفسكي، والانكباب على الكتابة حتى ولو لم يكتبوا شيئاً عظيماً، المهم هو الاستمرارية في التدريب على رسم الشخصيات وبناء المشاهد والحبكة الدرامية وكذلك لصقل الجملة النحوية على نحو صحيح. عليهم الانتباه إلى أن الكتابة الأدبية لن تحقق لهم الرخاء المادي، وبالتالي عليهم تأمين مصادر دخل كافية لوقاية أنفسهم من الوقوع تحت طائلة العوز والجنون .
**مؤخراً وبالتحديد منذُ مطلع الثلاثة العقود المنصرمة انتشر فن القصة القصيرة جداً (ق ق ج) و ألقى بظلهِ على الساحة الأدبية بقوة فرأينا رواده وعشاقه وخاصة وسط جيل الشباب ، هل ترى لربما قد يؤثر هذا العمل على العمل السردي والروائي الطويل ؟.
– أيّ فن سردي جديد لن يُزري بالفنون الأخرى، بل على العكس هو إضافة نوعية، وتجديد لحياة السرد وتكثير لموارده.
** عزيزي لماذا عجزت الرواية العربية عن طرق أبواب العالمية ؟ هل الخلل يكمن في الكم أو المضمون ؟ أم أن غياب دور النشر والترجمة والتسويق للعالم الغربي هو سبب ذلك ؟.
– الرواية العربية حاضرة عالمياً، ونذكر مثلاً رواية “موسم الهجرة للشمال” للطيب صالح، ورواية “الرهينة” لزيد مطيع دماج. وهناك مئات الروايات العربية تُرجمت إلى اللغات الأجنبية. وأما مسألة النجاح التجاري والحضور في قوائم الأكثر مبيعاً فليست معياراً للأدب الجيد .
**هل يجب على الأديب التفرغ الكامل للكتابة ؟ ، وهل يُسمح للأديب بالعمل السياسي وتبني أفكار جهة ما ؟.
– من ذا الذي يستطيع التفرغ تماماً للكتابة في الوطن العربي؟؟ التفرغ التام للكتابة يعني أن يعيش الكاتب من ريع كتبه، وهذا غير وارد حتى الآن. وأما انشغال الأديب بالعمل السياسي فهذا شأن شخصي، ولكن بصورة عامة الانخراط في العمل السياسي اليومي سوف يستهلك وقت الكاتب، وسيؤثر حتماً على موهبته سلباً.
**عناوين رواياتك التي تثير الدهشة في النفس فتجعل القارئ ربما يتساءل كيف تم اختيار العنوان؟ وعلى أي أساس أستقر الكاتب وجدي الأهدل على هذه الأسماء: “حمار بين الأغاني” ، “فيلسوف الكرنتينة” ، “وادي الضجوج” ، “قوارب جبلية” وإلى آخره من العناوين؟ .
– العنوان دال على المحتوى. وعموماً لا أعتقد أنها عناوين جيدة.. كان يمكن اختيار عناوين أفضل
. **ما هو السؤال الذي توقعته مني ولم أطرحه عليك ؟ مع كلمة أخيرة لجمهورك عبر صحيفتنا الجميلة آفاق حرة الإلكترونية؟
– السؤال عن كتابي القادم.. وأجيب عن السؤال: رواية بعنوان “أرض المؤامرات السعيدة”. وفي الختام تحياتي لقراء صحيفة آفاق حرة، ولك يا أخي العزيز عبدالرقيب كل الشكر والتقدير على هذه الفرصة الطيبة للقاء مع قراء صحيفة آفاق حرة .