أكتوبر ذكرى نصف قرن على رحيل د. طه حسين

تحقيق صحفي للكاتب الصحفي المصريمصطفى علي عمار

في البداية حدثنا
★دكتور. عوني تغوج
دكتور لغة عربية متقاعد- عمان الأردن- جامعة الإسراء- وكان له رأي في منهج الدكتور طه حسين في تناول التراث
قال فيه:
باختصار أقول إن منهج طه حسين في تناول التراث هو منهج علمي لا غبار عليه إذ يخضع النصوص للنقد دونما أدنى حرج أو تحفظ لكنه كان متطرفا في إخضاعه النص القرآني الذي لا يعتوره أدنى شك كذلك تطرف في إعتبار الشعر الجاهلي منحولا في معظمه وأفضل من رد عليه هو ناصر الدين الأسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي وقد غضب منه طه حسين لكنه عاد ولاينه مسامحا ومشجعا كما أخبرنا د ناصر الدين الأسد والكتاب يقدم الأدلة باسلوب علمي ردا على نظرية الانتحال عند طه حسين هناك أخرون من شيوخ الأزهر ردوا على طه حسين لكن ناصر الدين كان أقوى حجة وأقوى حتى في إسلوبه الكتابي الرصين على كتاب الشعر الجاهلي ل طه حسين.

وطرحنا أسئلة متنوعة على كبار الأدباء لكل منهم سؤال على حدى وكان أول التساؤلات هذا السؤال

بعد قرن من صدور كتاب (في الشعر الجاهلي) كيف ترى المعركة التي دارت حوله؟

وابتدرنا ب

★أ.د أبو المعاطي الرمادي
أستاذ الأدب والنقد الحديث
كلية الآداب
جامعة الملك سعود
السعودية

بداية الكتب المهمة المخالفة للسائد هي التي تدور حولها المعارك النقدية؛ ولأن كتاب (في الشعر الجاهلي) من هذه الكتب انبرى له ثلة من علماء وأدباء العقد الثاني من القرن الماضي، مسلحين برأي الأزهر الشريف في الكتاب، مناقشين أفكار طه حسين، ومفندين وجهة نظره حول انتحال الشعر الجاهلي، وآراءه التي ارتبطت بهذه القضية، مثل: الوجود التاريخي الفعلي لنبي الله إبراهيم، ونبي الله إسماعيل عليهما السلام، وحديثه عن علاقة الشعر بنسب النبي صلى الله عليه وسلم، والعرب القحطانيين والعرب العدنانيين، مخلّفين لنا ردودًا بعضها لاذع نابع من عاطفة الغيرة على الإسلام، مثل رد الزعيم سعد زغلول أمام الجماهير الثائرة على طه حسين وكتابه، وبعضها علمي معتدل. جمعت هذه الردود في كتب كثيرة، مثل: الشهاب الراصد للأستاذ محمد لطفي جمعة، ونقض كتاب في الشعر الجاهلي للإمام محمد الخضر حسين، وتحت راية القرآن للرافعي، وغيرها كثير.
وهي معركة صحيّة أرى أنها كانت بداية تحول في الفكر النقدي العربي؛ فقد كانت السبب وراء طرح سؤال مهم. هو هل يمكن الاعتماد على منهج الشك الديكارتي في التعامل ما النص العربي القديم، ومع النص المقدس (قرآن وسنة)؟ هذا السؤال الذي انقسم حوله مثقفو العقدين الثاني والثالث من القرن الماضي بين مؤيد ومعارض، فتح الباب على مصراعيه أمام أسئلة أخرى، ومناهج نقدية جديدة عرفتها الساحة الفكرية العربية في النصف الأول من القرن العشرين، ولولاها لتأخرت هذه الأسئلة كثيرًا.
إن مثل هذه الطروحات تحتاجها الثقافة السائدة من آن لآخر؛ فهي التي تنقذها من الجمود والثبات المميت، وتبث فيها الحياة، وتسمح برؤى مختلفة في التعامل معها؛ لذا أنا لا ألوم طه حسين، وأحترم من ردوا عليه؛ فكلاهما خدم الثقافة العربية وأنعشها.

ثم طرحنا هذا السؤال الثاني:

كيف ترى إسلاميات د. طه حسين “على هامش السيرة”، “الشيخان” وغيرهما الآيجابيات والسلبيات؟

★د. حلمي القاعود- كاتب ومفكر مصري
أستاذ الأدب والنقد والبلاغة كلية الآداب جامعة طنطا

يجب أن نعلم أن طه حسين
هو ابن الكتاب وابن القرآن وابن الأزهر الشريف قبل أن يكون ابن السربون والجامعة المصرية
وطه حسين سبب تفوقه وقدرته على الإبداع والكتابة هو تقديم ما درسه وما فهمه من الناس كان بسبب قدرته اللغوية العربية حيث قرأ في التراث قراءة جيدة إذا أضفنا ذلك إلى ما تلقاه في الأزهر وغيره سنجد أن ثقافته الإسلامية ثقافة قوية للغاية وقد تفتحت أمامه السبل عندما ذهب وسافر إلى الخارج ولكن طه حسين عاش مرحلة من الصراعات الأدبية والسياسية جعلته يأخذ أحيانا بعض المواقف التي يرفضها الأخرون وللأسف الشديد فإن بعض التيارات القائمة في الحياة الثقافية تركز على كتابين له وتأخذ منهما نموذجا لم يسمونه بتقدميته وحداثيته
ووعيه الثقافي وهما كتاب الشعر الجاهلي و الكتاب الأخر الذي كتبه عن التعليم ورأيه فيه وكتاب مستقبل الثقافة في مصر الحقيقة الكتابان من أقل كتبه قيمة من الناحية الفنية ومن الناحية الفكرية وبالنسبة للكتاب الشعر الجاهلي هو تراجع عن كثير مما كتبه فيه ومن نكرانه لمسألة النبوات وأشياء أخرى وحذفها وغير العنوان إلى الأدب الجاهلي بدلا من الشعر الجاهلي.. كتاب مستقبل الثقافة في مصر
فيه جوانب مضيئة وجيدة وجوانب أخرى غير مقبولة على الإطلاق لأنه كتب فيه يجب أن نقبل الثقافة الغربية بخيرها وشرها ومعقول أن نقبل خيرها لكن شرها ليس معنا الشر عندهم واضح جدا في هذه الثقافة هي ثقافة القوة والغلبة وظلم الإنسان الضعيف بالإضافة إلى فقدان العدالة ويستحلون نهب الشعوب والسيطرة عليها وذبحها وتاريخ الاستعمار حافل بهذا وقد تنبأ إلى ذلك بعض الكتاب الإسلاميين عند صدور مستقبل الثقافة في مصر وكتبوا عن إيجابياته وسلبياته أما بالنسبة للكتب الإسلامية الأخرى في مرأة الإسلام والوعد الحق وعلى هامش السيرة وغيرها فأنا أذكر بأن طه حسين انحاز إلى الإسلام كي يكون هو ثقافة الأمة وثقافة الدولة وهو كما نقول الآن الإسلام دين ودولة
واستنكر في كتاباته في الصحف التي كان يكتب فيها في أواخر العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات ان تنفصل الدولة عن الدين الإسلامي وكتب في ذلك كتابات طيبة جيدة جدا
وبالنسبة لم كتبه في السيرة النبوية وفي تاريخ الإسلام هو شيء طيب وجيد إجمالا لكن هناك بعض الملاحظات التي يمكن أن نأخذها عليه في كتابه وبعض كتبه وكتاب الفتنة الكبرى والشيخان أيضا وغيرهما ولكن بصفة عامة على هامش السيرة والوعد الحق وفي مرأة الإسلام ومن الكتب الجيدة تقدم صورة مضيئة للإسلام وتتناسب مع طلاب التعليم الثانوي بل والجامعي والقراء العاديين أيضا
السلبيات والملاحظات التي تؤخذ على هذه الكتب وكل مؤلف يؤخذ منه ويرد عليه هذه قاعدة ولكن البعض اوبعض الناس يصرون أن يوظفوا السلبيات لأغراض مذهبية أو فكرية معينة أو غايات سياسية أو شيء من هذا القبيل وهذا لا يجوز في المجال العلمي طه حسين ابن الإسلام وهو الذي قرأ وهو الذي كان يحرص على الاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم قبل وفاته وهو الذي كتب دعاء وعبارة من اجمل ما يمكن على قبره الذي سيدفن فيه أو الذي دفن فيه وهذا يدل على أن طه حسين لم ينسلخ أبدا عن الثقافة الإسلامية وقيماها ومقتضياتها مع الظروف العاصفة التي عاش فيها بين العلة التي كان يعانيها وبين بعض المحطين به مما لهم هوى ولهم غايات أخرى

★أ.د. حسن علي دبا
استاذ النقد والثقافة والعلوم الإنسانية بجامعة لاهاي

إسلاميات طه حسين-
يجب ان أقرر منذ البدء أن من عيوب منهجية التفكير لدى كثير من راصدي الحركة الفكرية تتمثل في أننا لانفرق بين نشأة الشخصية مبتدأ وانتهاء،وفي موضوعنا فإن طه حسين في مبتدئه وفي الشعر الجاهلي ليس هو طه حسين في منتهاه وفي إسلامياته..
ودعني أعترف بأن إسلاميات طه حسين اسلوبا ولغة تتفوق عن كثير من الكتاب الإسلاميين ويبدو أن الرجل قد فقه الإسلام في مرحلة متأخرة من حياته وليس في بداياته،فقد اعترف بإعجاز القرآن أولا حين اقر بأنه لايوجد مايشبهه في تقويم الألسنة العربية،مضيفا بأن من يحفظه في صغره يكون أفصح الناس نطقا وأقلهم خلطا،فيما يقرر في منحى آخر عبقرية النظم القرآني الذي يحمل من المعاني مالم يستطع الشعر حملها..
ولقد حدثني شخصيا غير ماكتبه في كتاب خاص عنه الكاتب الخاص لطه حسين د. محمد الدسوقي عما كان عليه الرجل في مرحلته الأخيرة من اقتراب من الإسلام أكثر من ذي قبل،رغم ان الكاتب او السكرتير الأسبق للدكتور محمد الدسوقي هو فريد شحاته الذي خرجت إسلاميات طه حسين مملاة عليه وكتبها له.
رغم اني أتحفظ على طه حسين في ميادين أخرى مثل النقد الانطباعي،فإني أقول إنه في إسلامياته استطاع ان يبين حقائق الإسلام بلغة رصينة ودقة بالغة نبعت من غوصه في معالم اللغة العربية، لغة قادرة على حمل أفكاره بصورة ربما لم تتوافر لدى كتاب غيره.

ولتأثير طه حسين على التراث طرحنا هذا السؤال:
هلا أوضحت تأثير د. طه حسين على النثر الفني؟ وخصائص اسلوبه؟

★ د. يوسف نوفل- مصر
عضو المجمع العلمي وأستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس

وابتدأ إجابته بسؤال
هل كانت صيحة طه حسين المنهجية نشازا أو صيحة في واد أم ماذا؟
الإجابة:
أن صيحة طه حسين أو ثورته المنهجية لم تكن صرخة في واد أو لم يكن وحيدا في الميدان فقد صاحب ذلك وسبقه ثورة 1919 وهذه الثورة لم تكن مقصورة على الجانب الوطني والحماسي والقومي ولم تكن ضد الاستعمار فحسب بل كانت ثورة اجتماعية وسياسية وفكرية وحضارية ومن ثم أدبية وفنية ومنهجية… ولذلك صاحبت تلك الأعوام التي تلت ثورة 1919 صاحبة صدور عنوانات في مؤلفات ودراسات تحمل معنى التجديد والتطور والثورة مثل كتاب د. محمد حسين هيكل ثورة الأدب وكثير من المجلات نفسها حملت اسم التجديد والاحتجاج والرفض.. فمثلا نجد مجلة الفجر رمزا ونجد مجلة السفور تتخذ لها عنوانا جانبيا إلى جانب كلمة السفور بين قوسين صحيفة الهدم والبناء إلى أخر هذه المسائل…
وهكذا يصدر د.محمد حسين هيكل كتابه ثورة الأدب ويصدر الشيخ أمين الخولي مناهج التجديد في البلاغة وما إلى ذلك.. إذا لم تكن صيحة طه حسين منفردة بل كانت ضمن الفريق ثم إن منهجه في ثورة الشك المنهجي أيضا مرتبط بتكوين طه حسين تحدث عن ذلك بالتفصيل في كتابه هذا مذهبي وفي كتابه الأيام وفي كتب أخرى مبينا أن الفتى في مرحلة الصبا الأولى كان مضطرب التفكير بين مناهج فوق سنه يتلقاها في الأزهر أو بين أراء يطلع عليها جريئة ومتطلعة للتجديد ومن هنا أصبح إزاء جانبين متناقضين كما صرح بالتفصيل في كتابيه السابقين.. هذان المنهجان المتناقضان هما الثبات أو الاستقرار من ناحية والثورة والتغير من ناحية أخرى إذا رأى أنه أولا لابد أن يعمل العقل وكتب مقالة في مجلة السياسة الجديدة لمحمد حسين هيكل عن العقل وعن العلم والدين لذا رآى إزاء هذا التناقض الحاد بين الثبات والاستقرار أو الجمود من ناحية والتغير والثورة والتجديد من ناحية أخرى فرأى أن أسلم الطرق هو سلوك منهج التوازن الصحيح والمزاج بمعنى المزج بين هذين الجانبين مع إعمال العقل وذلك تجلى أكثر حين عدل عن موقفه الذي طرحه في كتابه في الشعر الجاهلي عام 1926 إقبال اشتعال الثورة المنهجية والفكرية لدى الجميع وفيه تشطيب الحقيقة جانب فيه مبالغات وجانب فيه أخطاء
جانب فيه مبالغات أنه ذهب في مقدمة الشعر الجاهلي سنة1926 أن الشعر الجاهلي لا يمثل الجاهلية ولا يمثل لغة الجاهلية وأنه منتحلا متأثرا بالمستشرق مارجل يوس ولكنه لم يرجع إلى مقولة ابن سلام الجمحي في كتابه طبقات فحول الشعراء حين صنف شعراء الجاهلية والإسلام إلى طبقات أي مراتب ومنازل ودرجات وقال إن هناك بعض الشعر المنتحل انتحلته القبائل التي لم تجد شعرا باقيا من شعر شعرائها المتوفين أو الموتى فمرجليوس أخذ مقولة ابن سلام المحدودة في أبيات معينة انتحلت وعممها وجعل الشعر كله منتحلا وتابعه في ذلك طه حسين وفي ذلك مبالغة

الأخطاء التي وقع فيها طه حسين في الشك المنهجي في كتابه الشعر الجاهلي أنه تعرض لشيء من القرآن الكريم ومن القراءات ومن الأنبياء ومن النبوة وهذا لم يكن يرتضيه الموقف أولا ومجافي للحقيقة والمنطق والعقيدة من ناحية ثانية
والدليل على ذلك أنه بعد شهور من ظهور كتاب في الشعر الجاهلي ومصادرته ومحاكمة طه حسين والرد عليه في 12 كتابا من أقطاب الفكر أصدر كتابه طبعة جديدة بعنوان في الأدب الجاهلي وقال هذا الكتاب حذفت منه فصول وأضيفت إليه فصول
كل ما قلناه الآن من مبالغة من تجريد الشعر الجاهلي واتهامه بالانتحال وما إلى ذلك وما قلناه بأنه خطأ أي كل ما يتصل بالدين والعقيدة حذفها وأضاف فصلا جديدا وظهر كتاب في الأدب الجاهلي وما زال بين أيدينا حتى الآن سليما معافى من جانبين من الخطأ وهما المبالغة أو تجاوز الخطأ وبذلك نجد أن طه حسين في ذلك كله كان معتمدا على التفكير العقلي وألا ندخل على بحث القضايا بتفكير مسلم ولكن بنحو من الشك حتى يحدث التثبت وما سماه الرجحان وبذلك فإن طه حسين استقام منهجه بعد ذلك وصار على حقيقته من أشد أنصار اللغة العربية والمدافعين عنها ومن أشد المدافعين عن الإسلام وظهر ذلك في كتابيه على هامش السيرة والفتنة الكبرى وبذلك نجد أن منهج طه حسين صححه بنفسه فصار مستويا سديدا بحمد الله.

وعن معارك العيد طرحنا هذا السؤال:
حدثنا عن معارك د. طه مع معاصرية وماذا اضافت للمشهد الثقافي؟

★د. زين عبد الهادي- باحث وروائي مصري

طه حسين من الشخصيات المحلية/ العالمية في ذات الوقت التي تركت خلفها أثارا ثقافية كبيرة فبجانب مئات المقالات في الصحف المصرية والعربية، كتب أيضا حوالي 37 كتابا في موضوعات أدبية وثقافية وفكرية بجانب الأعمال الإبداعية والروايات، كما ترك تأثيرا أكبر في تاريخ الثقافة والسياسة والتعليم في مصر، وهو يعد من بين الشخصيات العشر الأكثر تأثيرا على المستوى العالمي، ولا يعود ذلك لكتاباته ومحاولات التنوير التي قادها جاهدا في بلد كان يعاني من الأمية والجهل في بداية القرن العشرين، رشحته مصر عدة مرات للحصوال على نوبل في الآداب.
ولد طه حسين عام 1889 في أحد أعمال محافظة المنيا في مصر ، وكان ترتيبه السابع بين اخوته الثلاثة عشر، وفقد بصره وهو في الرابعة، لكن ذلك لم يعقه عن طلب العلم والمعرفة وتخرج من الأزهر وحصل على الشهادة العالمية وختم ذلك برسالة دكتوراه عن الشاعر الضرير أبو العلاء المعري من جامعة القاهرة عام 1914 وفي السوريون تلك الجامعة الفرنسية العملاقة حصل على دكتوراه ثانية عن ابن خلدون والتاريخ الاجتماعي عام، وتزوج هناك من زوجته الفرنسية التي رافقته طيلة حياته حتى رحيله عام 1973 بعد حرب أكتوبر مباشرة .
تميزت شخصية طه حسين بثلاثة سمات منها الشك والذي كان أحد أهم السمات العلمية والفكرية له، فقد عبد هذا الشك الطريق له ليقدم واحدة من أهم الأطروحات النقدية في كتابه الشعر الجاهلي الذي تحول بعد ذلك اسمه إلى الأدب الجاهلي نتيجة المعارك التي خاضها بعد نشر هذا الكتاب، كما كان الرجل استشرافيا بامتياز، فقدم كتابه الأهم مستقبل الثقافة في مصر وكان يرى أن التعليم الجيد والصحيح هو السبيل الوحيد لإنقاذ هذه الأمة من عثراتها، لكن للأسف لم يطبق أحد ما نادى به طه حسين في هذا الكتاب المهم، كما كان شخصية تنويرية بامتياز وربما له الفضل في دفع عجلة الثقافة في مصر من خلال ماخاضه من حروب ومعارك على المستوى السياسي والثقافي، وتميز بحسه الثقافي العالي فقدم للمكتبة العربية ستون كتابا في الأدب والفكر والثقافة، ومنها كتب دارت حولها مثير من المناقشات.
أما عن أهم معارك طه جسين، فهي كثيرة ومتعددة منه المعارك الأدبية والفكرية والسياسية، وهناك كتاب عن تلك المعارك هو “معارك طه حسين الأدبية والفكرية” لسامح كريم، وهنا أتوقف عند ماقالته ماري أو سوزان طه حسين عنه بأنه كان معروفا جيدا في مصر نتيجة معاركه في مصر قبل ذهابه إلى فرنسا، وهناك كتب أخرى كاملة عن معاركه وهناك فصول من كتب عن ذلك ودراسات حول هذا الأمر.
الشعر العربي..
فمعركته حول كتابه “في الشعر الجاهلي” حيث أثار كتاب طه حسين معارضة شديدة للأفكار التي نادى بها في الكتاب لأنه يقدم أسلوباً نقدياً جديداً للغة العربية وآدابها، ويخالف الأسلوب النقدى القديم المتعارف عليها و المتوارث والذي ضرب به عرض الحائط.
وقاد المعارضة ضده وضد الكتاب رجال المؤسسة الدينية وتبعهم بعض رجال السياسة وهذا أمر مهم، واتهم طه حسين في إيمانه، وسحب الكتاب من الأسواق وتم تعديل أربعة موضوعات به ، وقامت وزارة إسماعيل صدقى باشا عام 1932م بفصله من الجامعة كعميد لكلية الآداب، فاحتج على ذلك رئيس الجامعة أحمد لطفي السيد، وقدم استقالته، ولم يعد طه حسين إلى منصبه إلا عندما تقلد الوفد الحكم عام 1936م.
كما كانت له معركة مع عباس العقاد مع طه حسين، من خلال رسالة الغفران، حول فلسفة أبي العلاء المعري، حين كتب العقاد عن الخيال في رسالة الغفران: “إن رسالة الغفران نمط وحدها في آدابنا العربية وأسلوب شائق ونسق طريف في النقد والرواية وفكرة لبقة لا نعلم أن أحدًا سبق المعري إليها، ذلك تقديرى موجز لرسالة الغفران”.
واستفزت هذه الكلمة طه حسين، فكتب يقول: “ولكن الذي أخالف العقاد فيه مخالفة شديدة هو زعمه في فصل آخر أن أبا العلاء لم يكن صاحب خيال فى رسالة الغفران، هذا نُكر من القول لا أدري كيف تورط فيه كاتب كالعقاد”، ثم أصدر بعدها “بواعث الصمت”.
كما خاض طه حسين عميد الأدب العربي معركة كبيرة مع أصدر عزيز أباظة ديوانه “أنات حائرة” حيث كتب طه حسين مقدمة الديوان مدح فيها ناظم الديوان مؤكدا أن حقه أن يصور إحساسه دون أن يكون ذلك وقفا على الشعراء، وهو ما أشعل الخصومة بين طه حسين وعدد من كتاب عصره، على رأسهم المازنى الذي هاجمه فى جريدة “البلاغ”، ورد عليه طه حسين في نفس الجريدة بمقال عنوانه “رد على نقد”.

★الكاتب الصحفي المصري/ حاتم سلامة

لا شك أن المعارك الأدبية كانت بمثابة الداعم الكبر الحراك الثقافي والأدبي الكبير الذي شهده العصر الماضي من جيل العمالقة، وكان الدكتور طه حسين أحد أهم العناصر المشهودة التي تقوم بها وعليها هذه المعارك إما مهاجما أو مهجوما عليه، وكانت له معاركه المشهودة مع الكثيرين ومنذ حداثته، أمثال الرافعي والعقاد وزكي مبارك وهي متنوعة، ولها طبائع مختلفة، وقد تتعلق بالشعر أو النقد أو الفكر أو التاريخ، كل شيء، وقد أدى هذا الاحتدام الفكري في إثراء الحياة الثقافية وشغل الرأي العام بالنافع والمفيد، وكان لها أثرها في زيادة الوعي والعلم والمعرفة والتذوق، وعمل الدكتور طه بما أسهم في خلق مناخ فكري كبير ووافر وثري، سما بالساحة الثقافية إلى السماء.
ولعل أبرز ما يميز أغلب معارك الدكتور طه أنها كانت تهز الرأي العام، لغرابتها وفرادتها وصدامها مع الموروث، كما حدث في كتبا الشعر الجاهلي.
فمعركة مثل التى دارت بينه وبين الأديب مصطفى صادق الرافعى، بدأت عند صدور كتاب الرافعى “تاريخ آداب العربية” وانتقده الدكتور طه حسين عام 1912، واشتدت المعركة حين أصدر الرافعى كتابه “رسائل الأحزان”، وانتقده أيضًا الدكتور طه حسين بشدة قائلا: “إن كل جملة من جمل هذا الكتاب تبعث فى نفسى شعورا قويا مؤلما بأن الكاتب يلدها ولادة وهو يقاسى من هذه الولادة ما تقاسى الأم من آلام الوضع”.

بدأت معركة العقاد مع طه حسين، من خلال رسالة الغفران، حول فلسفة أبي العلاء المعري، حين كتب العقاد عن الخيال في رسالة الغفران، “إن رسالة الغفران نمط وحدها في آدابنا العربية وأسلوب شائق ونسق طريف في النقد والرواية وفكرة لبقة لا نعلم أن أحدًا سبق المعري إليها، ذلك تقدير ى موجز لرسالة الغفران”. واستفزت هذه الكلمة طه حسين، فكتب يقول: “ولكن الذي أخالف العقاد فيه مخالفة شديدة هو زعمه في فصل آخر أن أبا العلاء لم يكن صاحب خيال فى رسالة الغفران، هذا نُكر من القول لا أدري كيف تورط فيه كاتب كالعقاد”، ثم أصدر بعدها “بواعث الصمت”.
ولا يفوتنا أن كثيرا من معارك طه كان يبلغ فيها حد التجني والايغال في النقد غير الموضوعي، كما حدث في نقده للمنفلوطي، وأحمد شوقي، وهو ما حدا فيما بعد أن يصرح بندمه على كثير من خصوماته الأدبية واعترافه أنه كان مسفا موغلا في التجريج والنقيصة، لكن من أهم ما نلمحه في شخصية طه حسين أنه رغم هذه العداوات الكبيرة التي خلفتها المعارك الأدبية، كان القمة في الإنسانية والعفو والتسامح، ولعلها طبيعة ذلك الجيل كله، لكن طه كان الأبرع في إظهار روح التسامح حتى مع من خالفوه وانتقصوه ورموه بأشد التهم التي بلغت الكفر والزندقة، فكان من خلال منصبة لا يتأخر أبدا عن مساعدة من احتاجه منهم أو طلب منه العون في شيء

وكان الختام مع هذا
السؤال:
نعتقد أن أهم كتاب للدكتور طه هو “مستقبل الثقافة في مصر” ففي هذا الكتاب وضع خارطة طريق للنهوض بالثقافة من خلال التعليم، ولولا المقدمة الطويلة التي استهل بها كتابه وحاول ربط مصر بثقافة البحر المتوسط لكان للكتاب شأن آخر.
كيف ترى خطة طه حسين للنهوض بالثقافة كما تحدث عنها الكتاب المذكور؟

★ د. خالد القطب الشهاوى- مصر
أستاذ مشارك اللغة الإنجليزية وأدبها

رجل سابق لعصره
في شهر النصر وعام النصر في شهر أكتوبر عام 1973 رحل عن مصر والعالمين العربي والإسلامي عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بعد أن أضاء أرفف المكتبة العربية بالعديد من كنوز الكتب في شتى الميادين فكان منها الأدبي مثل “في الشعر الجاهلي” و روايتي “ما وراء النهر” و”الأيام” والديني مثل “على هامش السيرة” والتربوي مثل “مستقبل الثقافة في مصر”.
بالطبع كل مثفى العالم العربي وأدباءه من جيل إلى جيل يعلمون سيرة حياة الرجل المرتسمة بصمات فكره في أفكارهم ووجدانهم وثقافتهم وستستمر إلى ما شاء الله، كان ذلك التأثير جلى منذ طفولته حيث إصابته بالعمى وتجلي قدراته العقلية وذاكرته الحديدية ثم جصوله على أعلى الألقاب وأرفع الأوسمة الأكاديمية متمثلاً في درجة الدكتوراه والجوائز التي كان منها المحلى مثل “جائزة الدولة التقديرية في الآداب” والعالمي مثل “جائزة حقوق الإنسان” من منظمة الأمم المّتحدة، كل ذلك مع تقلده أرفع المناصب الأكاديمية كعميد كلية الادب في الجامعة المصرية ومديراً لجامعة الإسكندرية ووزيراً للمعارف في عام 1950.
كان من ضمن إرثه الفكري الذي ينير الطريق لنا وللأجيال القادمة مؤلفه “مستقبل الثقافة في مصر ” الصادر عام 1937، هذا الكتاب الذى يتكون من 60 فصل يعد نبراساً ودستوراً للعلوم التربوية وتشريحاً للنظام التعليمي في مصر وجب النهل منه والسير على دربه من جيل إلى جيل في وضع السياسات والأطر التعليمة لجميع المراحل سواء ما قبل الجامعي أو الجامعي.
وفى رأى الشخصي كأستاذ جامعي متخصص في اللغة الإنجليزية وأدابها مع اهتمامي الأدبي كوني روائي ومؤلف مصري، أشهد أن هذا الكتاب قد استرق فكرى ووجداني في مبدئان من مبادئه العديدة التي نادى بها.
فأما المبدأ التربوي الأول فهو مناداته بإلزامية التعليم لكل أبناء الوطن المصري، وله منى كل التحية في ذلك، فبكل تأكيد لن يكون هناك وطن قوى واثق الخطى فى سيره في دروب التقدم والازدهار دون أن يكون أبنائه قد نالوا قسط من التعليم يؤهلهم لذلك، وإن كان مفهوم الأمية قد تغير في عصرنا الرقمي فصار تعريف الأمي بأنه الشخص الذي لا يجيد القراءة والكتابة باستخدام الأجهزة الرقمية وبرامجها وتطبيقاتها.
أما المبدأ الثاني الذي وقفت مصفقاً له بكل شدة هو المناداة بإشراف الدولة على شئون التعليم وجميع المؤسسات التعليمة، بيد ان الرجل كان سابق لعصره في هذا المطلب الذى اثبتت الأيام وخاصة في القرن الواحد والعشرين أنه حماية للتعليم في مصر بكل مراحله سواء ما قبل الجامعية والجامعية من براثن المؤسسات التعليمة الوهمية السارقة لأموال الناس “بالحداءة” كما يقولون، وذلك بعد منحهم لاسيما على المستوى الجامعي شهادات لا تسمن ولاتغنى من جوع.
فاذا نظرنا حولنا الان سنجد عدد لا حصر له من الجامعات الاون لاين التي تدعى ان مقرها في أحد الدول الأوربية أو الأمريكية أو العربية أو الأسيوية، وتستمر في جرمها ضد العقول البشرية والتراث الإنساني بمنحها شهادات بكالوريوس وماجستير ودكتوراة “بالعبيط” كما يقولون دون ان يكون لديها مناهج لها توصيفات متماشية مع البرامج التعليمة المتعارف عليها عالمياً أو تصريح قانونى واعتراف شرعي من الدول التي تتدعى تواجدها على أرضها.
وهنا أقف كمصري محب لبلده وأناشد معالى وزير التعليم العالي المصري باتخاذ الإجراءات القانونية مع أي عضو هيئة تدريس مصري معين في الجامعات المصرية ويعمل في تلك الجامعات المفبركة الغير معترف بها في مصر والوطن العربي و التي تتخذ من الانترنت وسيلة التواصل والتدريس بها عبر منصات الزووم وغيرها ، فهو نوع من المتاجرة باسم عضو هيئة التدريس والجامعة المصرية التي هو محظوظ بانتسابه إليها .
فتحية لروح طاهرة سابقة لعصرها في ذكرى وفاة صاحبها عميد الادب العربي الدكتور طه حسين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجعل علمه وعمله صدقة جارية لروحه العطرة الى يوم الدين إن شاء الله.

★د. علي زين العابدين الحسيني- مصر |كاتب وأديب أزهري

قضية التعليم عند طه حسين
يقع كتاب “مستقبل الثقافة في مصر” للدكتور طه حسين في مرحلة وسطى من إنتاجه المعرفي، ويمثل ظاهرة عامة في واقعنا الثقافي المعاصر، ويعدّ وثيقة تاريخية مهمة تباينت فيها الآراء، منهم من يراه نصاً حضارياً، وآخرون يرونه نكسة إلى الوراء، وتقف فئة موقف الوسط منه، وهو كغالب كتاباته التي اختلف حولها الدارسون والناقدون، والمؤيدون والمفندون، وتأتي قضية التعليم أهم القضايا التي تطرق لها طه حسين ضمن الحديث عن قضايا من غايتها أن تنقل الدول من مرحلة الجهل إلى دول حديثة متقدمة، ثم كان الحديث عن الثقافة كعنصر من عناصر تقدم التعليم، ولأجل ذلك طالب بالرجوع إلى الثقافات الأخرى، وعدم الاكتفاء بالحضارة العربية؛ ذلك أن التكوين المصري -في نظره- متشابك مع الحضارات الأخرى؛ خصوصاً اليونانية والرومانية القديمة. يأتي الكتاب في المرحلة التي أعقبت توقيع مصر اتفاقية ومعاهدة الشرق والاستقلال بينها وبين بريطانيا في عام 1936، وقد رأى مثقفو مصر أنها بعد تلك المعاهدة سوف تتقدم لتصبح واحدة من الدول الحديثة المتطورة، وهذا ما اختلف معهم فيه طه حسين، فبين في كتابه ما الذي سوف يكون لمصر في المستقبل بعد توقيعها، وهو ما وجه إليه كثيراً من النقد. تحدث طه حسين عن الأوضاع التي أعقبت توقيع الاتفاقية، فتطرق للحديث عن توقعات المصريين التي مضمونها أنّ مصر هي دولة عريقة تمتد جذورها عبر التاريخ إلى أقدم الأزمان، وسوف تسير على خطى ثابتة من أجل أن تصبح دولة حديثة، وقد قام المتخصصون في وضع خطط من أجلها تحقيق ما يتوقع حدوثه، إلا أن طه حسين رأى أنّ توقعاتهم تخرج بعض الشيء عن المنطق، فوضع في كتابه تصوراته عن مستقبل مصر، والتأكيد على أن مصر بثقافتها وحضارتها لا تنتمي للحضارة الشرقية نهائيا مما أثار ضجة كبيرة، وقد برر ذلك بأن تاريخ مصر يؤكد على تمتعها بعلاقة قوية مع الحضارات القديمة فأثرت وتأثرت بها، ولا يربط مصر وحضارتها بالحضارة العربية إلا أنها تتقاسم اللغة والديانة معهم، وكل شيء فيها عدا هذا يختلف عما يوجد لدى هذه الحضارة؛ كالعادات والتقاليد. واستولى موضوع التعليم على كثير من قضايا الكتاب، فأسهب في شرح مفهوم التعليم ومناهجه وأدواته ونتائجه، ومن اللافت النظر أن الواقع المعاصر يشهد أن التعليم المعاصر قريب جداً من الحال التي صوره عليه العميد، فأوجه الشبه كثيرة جداً، وبقاء الوضع على ما هو عليه منذ أكثر من نصف قرن مما يستدعي الدراسة، فمن ذلك ما سماه بحالة ازدراء المعلم العامة، فمن أغرب التناقض أن نزدري المعلم أو ننظر إليه نظرة عطف وإشفاق خير منهما الازدراء، ثم بعد هذه النظرة نطلب منه أن يشيع في نفوس طلابه مظاهر الكرامة والحرية والعزة، ومنها قضية الاختبارات، فمن الواضح أيضاً أننا لم نفلح منذ ذلك الوقت في إيجاد حل عملي للامتحانات، فالأمر فيها أنها وسيلة لا غاية، فيرى طه حسين أن الواقع التعليمي جرى على ما يناقض هذا أشد المناقضة، حيث جعلها غاية لا وسيلة، فأغلب الطلبة ينشأون على العناية بالاختبار والإكبار للشهادة معرضين عن العلم الغاية العظمى، وهو لب التقدم وخلاصته، والذي يتأمل ما حوله الآن يدرك أن الأمر كما هو منذ كتبه، ولا زال حال أولياء الأمور في تعاملهم مع مستوى أبنائهم كما هي، فيذكر طه حسين أن نتائج الاختبار إذا ظهرت غير مرضية عمت شكوى الطلاب وأسرهم، وكأنه يحكي واقع التعليم هذه الأيام، ولا مراء في أن نجاح خطط التعليم مرتبط بارتفاع مستوى الثقافة، ولا جدوى عن أي جهود ثقافية ما لم يفطن المثقفون أن التعليم ضرورة وغذاء للعقل والقلب، وهذا ما نادى به طه حسين إلّا أننا لم نفلح في ذلك حتى الآن!

★ا.د مصطفى عطية جمعة أستاذ النقد الأدبي والإسلاميات والحضارة
مصري – يقيم بالكويت

حول كتاب مستقبل الثقافة في مصر

مصدر الجلبة الذي أثارها هذا الكتاب استهلال طه حسين له بأهمية اتخاذ درب العقل اليوناني ثم العقل الأوروبي بمكوناته: اليونانية والرومانية والمسيحية. فوضع النموذج الغربي مقياسا وسبيلا، وتجاهل بشكل كبير خصوصية الثقافة الإسلامية. وفيما عدا ذلك، فإن بقية مقالات الكتاب عبارة عن رؤى في قضايا التعليم الأوليّ (الابتدائي) والثانوي، والعام، وأيضا مشكلات تكدس التلاميذ في المدارس. وبعبارة أخرى: هذا الكتاب يأتي على محورين، الأول: ينظر إلى مرجعية التعليم التي يأملها طه حسين في مصر، وهي مرجعية أوروبية يونانية في الأساس، ويعززها بإشارات مختلفة عن تلاقي العقل المسلم بالثقافة اليونانية. وهذا ما يدور الخلاف عليه، لماذا؟ لأنه تجاهل أن الحضارة الإسلامية العظيمة وضعت أسس نهضتها ومناهجها العلمية من هويتها ومرجعيتها الثقافية الإسلامية، التي أوجبت التأمل والدراسة والبحث، وهو ما قام به العلماء المسلمون، بأن أبدعوا وابتكروا عشرات العلوم، ناهيك عن تميزهم في مجال الفلسفة الإسلامية بعدما اطلعوا على الفلسفة اليونانية، والتي كانت جزءا من نشاطهم، ولكنها لم تكن أبدا سببا في نهضتهم، فقد نهضوا بدافع ذاتي حضاري، وعندما اطلعوا على الثقافات الأخرى: اليونانية، الهندية، الفارسية.. إلخ، كان من باب الندية الحضارية، وليس الاستلاب الحضاري، الذي سقط فيه طه حسين.
المحور الثاني: يشمل قضايا التعليم في مصر، وهي إشارات تعليمية وتربوية، حول معاهد العلم، وقضايا اللغة العربية، واللغات الأجنبية، وكلها رؤى اتسمت بالعمومية، وهي حصيلة اطلاع طه حسين كما ذكر في مقدمة الكتاب على الاتجاهات التربوية الحديثة في أوروبا، ربما نتفق أو نختلف عليها، ولكنها تبقى رؤى عامة، تسعى جاهدة لتطوير التعليم في مصر، في زمانها، وهي رؤية لا أراها تخرج في كثير من جوانبها عن آراء خبراء التربية. والقضية ليست في التنظير فما أكثره، القضية في التطبيق، وقبل التنظير والتطبيق لابد من الاتفاق على المرجعية الثقافية، والتي أراها أن أي نظام تعليم لابد أن يستلهم أسس حضارتنا الإسلامية العريقة، مع الانفتاح على التعليم الغربي. ولكن الحاصل الآن، أن المرجعية الحضارية غائبة، والتركيز فقط على الأخذ بنظم التعليم الأجنية، كما في مدارس اللغات، والجامعات الخاصة وغير ذلك.

 

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!