حاورتها لآفاق حرة الروائية تبارك الياسين
في “إيفا”، تنسج وداد أبو شنب لوحة أدبية تتلألأ بألوان الحياة اليومية، حيث تتجلى المرأة بكل تناقضاتها العميقة وأحلامها المكتومة. هذه المجموعة القصصية، بمثابة رحلة عبر أروقة الروح الأنثوية، حيث تتأرجح الشخصيات بين صمت القديسات وتمرد الشيطانات، وبين براءة الطفولة وثقل التجارب. بأسلوب يمزج الواقعية الحية بلمسات شعرية دقيقة، تأخذنا الكاتبة إلى عوالم نسائية تتشابك فيها خيوط الأسرة، الحب، والانفصال، معكسةً واقعًا عربيًا ينبض بالتحديات والأسئلة. ترسم أبو شنب في “إيفا” سيرًا ذاتية لنساء لسن مجرد شخصيات، بل رموز للصمود والتساؤل في وجه الزمن. كل قصة هنا هي مرآة، وكل مرآة تحمل وجهًا جديدًا لإيفا، تلك المرأة التي تعيش فينا جميعًا، تسأل عن معنى الحرية والانتماء في عالم لا يتوقف عن التغير
1- ـما الذي ألهمكِ لاختيار اسم “إيفا” كعنوان للمجموعة، وكيف يعكس هذا الاسم رؤيتكِ لشخصيات المرأة في القصص؟
* في البداية كان العنوان “حالات وحكايات”، والمجموعة بالمناسبة من الأدب الواقعي، ومستوحاة من الواقع الحقيقي أيضًا، وكانت حصّة الأسد في المجموعة لحالات المرأة وقصصها، فارتأيت أن يكون العنوان “حواء-حالات وحكايات”، ولمّا كان عنوان “حواء” رائجا جدا نحو حواء وآدم، حواء والمجتمع، عالم حواء، مجلة حواء، قرّرت تغييره إلى “إيفا” وهو الاسم الأجنبي لأمِّنا حوّاء التي ترمز للمرأة عبر كلِّ العصور إلى يومنا هذا.
2- في قصصكِ، نرى المرأة وهي تتعامل مع روتين يومي مليء بالتفاصيل الصغيرة، كيف تحولين هذه التفاصيل إلى أسئلة كبيرة عن الهوية والعلاقات، مثلما في نصوص مثل “ليلة عيد”؟
*هاجس التفاصيل يميِّز الأدب النسوي، فهو يسكن الكاتبة روائية كانت أو قاصة أكثر من أي شيء، كنت أشعر بكل الحالات التي كتبتها، كنت أكتبني متنوِّعة، فكنت العاقر وكنت التي عانت اكتئاب الولادة وكنت المطلقة وكنت الفتاة الحالمة وكنت أختًا لإخوة جاحدين وكنت زوجة في الظلّ وكنت مصابة بطيف التوحّد وكنت كفيفة أعزف للحياة أجمل الألحان، هاجس التفاصيل يسكن المرأة عامة، فما بالك بالمرأة الكاتبة وخاصة عندما يكون موضوع الكتابة المرأة نفسها، أمّا الأسئلة التي تبحث عن الهوية فقد طُرحت لأنّني كنت أتماهي حقيقة مع الحالة المسرودة، فكنت في “ليلة عيد” أشعر بغربة الوالدين في بلدهما رغم كلّ الفعاليات المغرقة في العادات المنوطة بهذه المناسبة، كما أنّ الغربة والاغتراب الذَيْن عشتهما وأنا أحتفل بالعيد مع أخوالي دون أعمامي، جعلاني أشعر بالنقص لعدم اكتمال فرحة اللّمة الكبيرة للعائلة، ثمّة شيء يبقى خارج الإطار وهو الحافز للتساؤلات وهو الحافز للكتابة!!!
3- صورة المرأة في “إيفا” تتراوح بين القديسة والشيطانة والطفلة، كما في الاقتباس الشهير: “ما زلتُ القديسةَ في محرابها، وما زلت الشيطانةَ بشغبها” – هل هذا يعكس تجارب شخصية، أم هو استلهام من الواقع الاجتماعي الأوسع؟
*”ما زلتُ القديسةَ في محرابها، وما زلت الشيطانةَ بشغبها”، هو كلامي في “عبق ميلادي” وكان تمهيدا -أو كما سمّاه الروائي “سامر حيدر المجالي” في الغلاف الخلفي للمجموعة: الخطاب الأوّل- يتناول نموذج امرأة عادية، وهو يمثلني بكلّ التفاصيل، وهو أيضا من الواقع، وكنت قد تحدّثت بلسان المرأة مع أنّ الحالة عامّة جدّا، وتمثِّل الرجال أيضًا، لا أحد من بني البشر ملاك بالمطلق ولا أحد شيطان بالمطلق، فالإنسان كوكتيل وأفلح من كان كوكتيلا معتدلا أو من مالت كفّة الملاك فيه على كفّة الشيطان.
4- العلاقات بين الزوجين والأبناء، والانفصال، تظهر كقضايا مركزية في المجموعة؛ ما رأيكِ في دور الأدب في إثارة مثل هذه المواضيع المسكوت عنها في مجتمعاتنا؟
*لم تعد هذه القضايا من المسكوت عنه بالمعنى الفجّ، بل إنّها صارخة، فقد تراجعت نسبة النساء اللائي يكتمن أصواتهم ويضعن أيديهن على أفواههن طلبا للستر!! والأدب وعاء توعوي كبير، يضع الإصبع على الجرح في انتظار تشخيص الطبيب وتطبيب المريض. كم من قضية عالجتها أقلام الأدباء! فالأدب يوقظ من كان غافلا بحجّة الدين أو من كان تحت وطأة ثقافة العيب، ليقلب المعايير فيعلو معيارَا الأخلاق والدين ويتراجع معيارُ التقاليد، لكن مع هذا لم نتحرّر بعد ولنا في قضايا الشرف المستمرة -رغم تراجعها- مثال على ذلك.
5- كيف تأثرتِ بخلفيتكِ الثقافية المتنوعة في صياغة حالات وحكايات المرأة في “إيفا”، خاصة في سياق الزواج والأسرة؟
*إنْ كنت تقصدين أصولي المختلطة، أو ثقافتي الفكرية المتنوعِّة بفعل تنوع اللّغات، فالتأثير كان يتمظهر في الاحتجاج على الظلم والتمرّد على الظالمين، وطبعا لا أقصد أّن الظالم هو آدم، فهو آخ مساند وزوج محتوٍ وأب معلم حانٍ، وهو أيضا وحش يفتك بحواء الضعيفة، القصد من الطرف الآخر عام، فقد ذكرت في إحدى القصص “أننا نحن النساء خلقنا سياطا على بعضنا”، إذًا تأثرّي كان في اختلاف الرؤى ووجهات النظر.
6- هذه المجموعة هي الرابعة لكِ بعد “هشيم العالم الأزرق” وغيرها؛ كيف تطوّر أسلوبكِ السردي في التركيز على الواقعية هنا، وما التحدِّيات التي واجهتِها أثناء كتابتها؟
*لا أدري بصراحة إن تطور أسلوبي أم لا، لكنني في القصص أميل إلى الواقعية أكثر، وأثناء الكتابة أستخدم الأسلوب المباشر أكثر كي يتسنى لأصحاب القضايا التي كتبت عنها استيعاب الرسالة، فالشعر لا يفهم الجميع لغته، وكما أبتعد في القصص عن الشاعرية والخيال الجامح، فأنا أعانق أيضًا أثناء كتابة الشعر والمذكرات والخواطر، الخيالَ وأحلّق فيه حدّ البوهيمية! أما التطوّر فقد ظهر في مجموعتي القادمة والموسومة مبدئيا بـ “كولونيا”، سلكت نهج الغرائبية فيها، أما أهمّ التحدّيات فتكمن في محاولة الابتعاد عن الابتذال لا سيما فيما يتعلق بخصوصية المرأة، كنت أهذِّب ألفاظي ولا أتطرق إلى الإيحاءات اللاأخلاقية كي يكون كتابي للأسرة كاملة.
7- إذا كنتِ ستختارين قصة واحدة من “إيفا” تمثل رسالتكِ الأساسية للمجتمع، أيها ستكون ولماذا؟
*باختصار دعيني أختار قصّتين، الأولى للجنسين: ذكر وأنثى، وهي بالعكس: عابرة سبيل، لأنها تروي مسيرة حياة إنسانة فكرّت كيف تكون حياتها لو قُدِّرت لها بمسارها العكسي. أما الثانية فهي “رسالة إلى آدم” مستوحاة من فكرة “بيجماليون”، فالمرأة أنثى طبيعية مهما ادّعت المثالية ومهما كانت معتنية بنفسها، ومهما كانت في غالبية وقتها في تمام أناقتها، هناك أحيان تريد تكون فيها إنسانا يحتاج إلى الحزن، بحاجة إلى إهمال هندامها أحيانا، بحاجة إلى ممارسة كل حالاتها: طباخة، أم، امرأة عصبية، رومنسية…. عبّرت عن هذه الحالة من التحرّر بصرخة في آخر القصة: أنا أنثى طبيعية يا بيجماليون!!!
8- في عالم يتسارع فيه الإيقاع اليومي، كيف ترين دور القصّة القصيرة في “إيفا” في إيقاظ الوعي تجاه قضايا المرأة دون أن تكون مباشرة أو وعظية؟
*حقيقة فكرة كتابة “إيفا” كانت استجابة طلب بعض الصديقات والقريبات والمعارف، بكتابة قصص حياتهن، لم تكن تلك القصص عادية لذلك جمعتها في كتاب واحد، لم يكن القصد الموعظة وإن بدت في بعض الأحيان كذلك، فأنت عندما تفضفضين لأحد لا تكونين بحاجة إلى أن يعِظك، بل تحتاجين طبطبةً وكلمة تجبر خاطرك، المواعظ لها كتب أخرى غير القصص والروايات. قد تكون الموعظة أو العبرة عبر حدث أو خاتمة لشخصية معينة، ولا تكون أبدا بصيغة: لا تفعل! ويتمّ إيقاظ الوعي ليس في “إيفا” فقط، لكن بصفة عامّة عن طريق الأسلوب الجاذب للقارئ بحيث يشعر بأن القصّة تعنيه هو، ويقول لنفسه: كأنما أنا كاتب هذه الحروف، كأنني أنا الشخصية الأولى للقصة!
9- لو أمكنكِ إضافة فصل جديد إلى المجموعة اليوم، ما الحكاية التي ستضيفينها عن المرأة في 2025، ولماذا؟
أكيد حكاية أو قصة “المرأة الغزّية” بلا تردُّد، والسبب مؤلم جدا لا يكاد يفارقني ليلة، لن أقول إنها أم يوسف الأبيضاني والحلو والي شعره كيرلي، ولا الصديقة الشاعرة الشهيدة هبة أبو ندى، ولا مئات أو آلاف الثكالى، إنّما هي تجربة خاصّة خضتها في بداية طوفان الأقصى: بينما كنّا “سليم النجّار وأنا” نعدّ كتاب “ماذا يحدث في غزّة؟”، الذي لم يشارك أغلب الغزيين فيه بنصوص مكتوبة، إنّما كانت شهاداتٍ حيّةً صوتيةً يرسلونها، ويتخلّلها أصوات قصف مرعبة، وضمن تلك الشهادات واحدة للناشطة الاجتماعية “بيان عبادلة”، وكانت جريحة آنذاك، وبينما كنت أفرغ التسجيلات وأحرّر شهادتها، إذ بخبر استشهادها هي وابنتها يهزّ أركان قلبي ويسحب الدماء من عروقي، كان وقع الخبر شديدًا عليّ لا سيما أنني كنت أستشعر كلّ نبرة من صوتها الذي كان يرتجف عند كلّ قصف!!! أمّا إن قصدت 2025 تحديدًا وما حدث فيه فإني أختار المرأة السودانية أو اليمنية.
وداد عبدالكريم أبوشنب
مواليد الجزائر، لأب فلسطيني وأم جزائرية
حاصلة على شهادة الماستر في النقد
ناقدة وتكتب المقال والقصّة والشعر
شاركت في عدّة ملتقيات وندوات أدبية في علم النص والإبداع، وأدارت أمسيات ولقاءات متنوعة في الأردن..
عملت مدرِّسة في سلك التعليم في جامعتَيْ مولود معمري في الجزائر وفيلادلفيا في الأردن،
سكرتير تحرير في مجلة وطني (سابقا)
رئيس تحرير مجلة نقش الثقافية ورئيس موقع نقش الثقافي سابقاً
عملت في الترجمة بين ثلاث لغات (العربية والفرنسية والإنجليزية).
وتعمل في التدقيق اللغوي وضبط المحتوى.
من إصداراتها:
1-هواجس ورد – مجموعة نصوص وخواطر
2-هشيم العالم الأزرق- مجموعة قصصية لليافعين
3-ترنيمات على هامش الحياة- نثر
4-إيفا – مجموعة قصصية
5-ماذا يحدث في غزّة؟ إعداد مقابلات بالاشتراك مع سليم النجار- الجزء الأوّل
6- ماذا يحدث في غزّة؟ إعداد مقابلات بالاشتراك مع سليم النجار- الجزء الثاني.
7-موزاييك النصّ الروائي (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل-أنموذجا) – دراسة نقدية، قيد التدقيق.
8-ديوان قصائد نثرية مخطوط
9-كولونيا-مجموعة قصصية قيد الإنجاز.
10-ذكريات × مذكرات- سيرة ذاتية قصصية، قيد الإنجاز.
11-يوفوريا.. رواية قيد الإنجاز
12-كتبت تقديمات لكتب عديدة.
13-ولديها عدة حوارات صحفية في صحف ومجلات مختلفة.. ومقالات متنوّعة منشورة على المواقع الإلكترونية وفي الصحف العربية العربية والمحلية.
14-قراءات نقدية منشورة أيضا في المواقع والصحف والمجلات.