لصحيفة آفاق حرة
- مهما قلت لك .. و مهما شرحت .. و مهما نوهت .. لن أصل إلى ما تختزنه جوارحي من حب وعشق لمسقط رأسي ( دمشق الشام ) .
- دمشق أكبر معقل للحضارة والإنسانية والعلوم في كل العصور .
- لابد من كاتب التاريخ أن يذكر الرواية بحذافيرها و ليس قيل عن قال .
ضيفي اليوم شخصية مميزة عاشقة لمدينة دمشق ومن الباحثين البارزين الذين سعوا إلى تدوين إرث هذه المدينة العريق و توثيق تاريخها المعماري العظيم الأستاذ عماد الأرمشي مجاز من جامعة دمشق ( قسم التاريخ عام 1977) ،باحث تاريخي بالدراسات العربية والإسلامية لمدينة دمشق، في رصيده ٤٠ إصداراً من الدراسات والكتب على المنصات الرقمية وكلها تتحدث عن مدينة دمشق وترصد التاريخ المعماري لمدينة دمشق وأحيائِها وأهم المباني الأثريةو الخانات والمدارس والفنادق والخوانق والترب التي فيها.
أيضاً له أبحاث حول (مساجد دمشق القديمة المشيدة بالفترات الفاطمية ، النورية ، الأيوبية ، المملوكية ، العثمانية).
كما صدر له سلسلة وثائقية عن ١٠ دورات من معرض دمشق الدولي من عام ( ١٩٥٤- إلى ١٩٦٢) وغيرها الكثير.
** يقول الشاعر الكبير نزار قباني : حَيِّ الشامَ و قِفْ أمامها خاشِعاً إنَّ الشام محارِم وحرامُ كيف تصف علاقتك مع الشام ؟
•دمشق أكبر معقل للحضارة والإنسانية والعلوم في كل العصور ، ونُقل عن العلماء مما ورد في فضل دمشق من القرآن : أن ربوة دمشق هي التي سماها الله تبارك وتعالى في كتابه بالربوة وموضع الربوة كما ذكر ابن عساكر عند جبل قاسيون وروى عن مكجول أن ابن عباس قال :موضع الدم في جبل قاسيون موضعٌ شريف ،كان يحيى بن زكريا وأمه فيه أربعين عاماً وصلى فيه عيسى بن مريم والحواريون ، فلو كنت سألت الله أن يغفر لعبده ابن عباس يوم يحشر البشر ،فمن أتى ذلك الموضع فلا يقصر عن الصلاة والدعاء فإنه موضع الحوائج ومن أراد أن يرى الربوة فعليه بالنيزب الأعلى بين النهرين وليصعد إلى الغار في جبل قاسيون فيصلي فإنه بيت عيسى وأمه ،ونقل ابن عساكر أيضاً في تاريخه أن الآثارات التي بدمشق في برزة ابراهيم عليه السلام التي في الجبل هي الموضع الذي رأى ابراهيم الكوكب الذي ذكر الله تعالى (فلما رأى كوكباًقال هذا ربي) أنه كان في الجبل في ذلك الموضع ، ومما ذكر ابن عساكر أيضا أن جبل قاسيون هو المكان الذي قتل فيه ابن آدم أخاه .
**هل يمكنك أن تخبرنا عن الدافع القوي الذي دفعك لتوثيق كل ما يتعلق بمدينة الياسمين ؟
كانت بالبداية : حب للمعرفة .. ثم أصبحت : لتوثيق المعلومة الصحيحة … ثم أضحت : لزاماً علي لنشر ثقافة هذه المدينة العريقة و التي أنتمي إليها .
**هل واجهتك بذلك صعوبات في البحث والاستقصاء؟
في الحقيقة لا يوجد صعوبات بقدر : عدم توفر الوقت الكافي للمراجعة ، و التفرغ و ودراسة كل الكتب التي بين يدي .
**ماهي أهم المعالم التاريخية العريقة في مدينة دمشق؟
ربما نحتاج إلى مائتي سنة أو أكثر ولن نتمكن من حصر معالم دمشق التاريخية : .. و لهذا فلا تجدين مؤرخاً واحداً أحاط بتاريخ دمشق من كل جوانبها ( لأن ساعات العمر لا تكفي لذلك ) و أنا بصراحة ربما أكون قد حققت 35 % فقط من تاريخ المدينة الحديث فقط .
**لمدينة شام شريف خصوصية روحانية ودينية و تاريخية على مر الزمان وهناك الكثير من المقامات الخاصة بالأنبياء وآل البيت وزوجات النبي الكريم محمد وأصحابه ، والكثير من الأولياء … وأيضاً الكثير من الملوك والقادة نود أن نعرف منك شيئا عن ذلك .
إذا أردنا تصفح تاريخ مدينة ، فيتوجب علينا المرور على موتاها فهي الدليل على عظمة هذه المدينة .. و لنا بمقبرتي ( باب الصغير و الدحداح ) ففيما ما يكفي لإلقاء الضوء على الخلفية الدينية و الروحانية للمدينة منذ آلاف السنين .
**تميزت مدينة كنانة الله بمساجدها ومآذنها الجميلة ، ماذا تحوي بجعبتك في هذا الشأن ؟
برزت فنون عمارة المآذن منذ بداية العصر الأموي مروراً بالعهدين النوري والأيوبي بخصائص هي أقرب إلى التقشف منها إلى البزخ المعماري فالجذع مربع أموي الطراز ، بسيط البناء ، شاهق الارتفاع ، خال من العناصر الزخرفية والزينة الظاهرة ، وسبب ذلك يعود إلى انشغال الدولتين النورية والأيوبية بالحروب الصليبية وتحرير البلاد من آثارها ، ودفعها إلى إتباع سياسة التقشف العمراني في تشييد المآذن وخلفت وراءها تراثاً معماريا جماً ؛ لازال الكثير من آثاره قائماً الى اليوم في مدينة دمشق الشام . ويتجلى بوضوح خلال نسيجها العمراني العريق بتميز عمارة مآذنها النورية وكذلك الأيوبية عن جميع مآذن العالم .
أما فنون العمارة الإسلامية بدمشق فلها مكانته الخاصة يتجلى بوضوح خلال نسيجها العمراني العريق. والمتميز بعمارة المساجد المملوكية في دمشق عن جميع مساجد العالم بتحفها الأثرية المزدانة بالنقوش والرسوم والزخارف المختلفة والغالب عليها الطابع التجميلي الفريد بطراز تشييدها، وإتقان هندستها، وكتلتها المعمارية، وجماليات تصميمها وزخارفها .
وما زالت تنطق بالإبداع الهندسي حين ترنو عيناك عليها ، فهي امتداداً للإبداع الحضاري المعماري الذي بلغ أوجه في العصر المملوكي الممتد لقرابة ثلاثة قرون .
أما العمارة العثمانية فتعد دمشق من أقدم المدن المأهولة في العالم ، وأعرق مدائن الدنيا الخالدة إلى اليوم ، وتحضن مجموعة كبيرة من المساجد القديمة ذات الطراز العثماني ويتجلى بوضوح خلال نسيجها العمراني العريق بتميز عمارة مساجدها العثمانية عن جميع مساجد العالم بما فيها ( مثيلاتها في اسطنبول ) والمزدانة بالنقوش والرسوم والزخارف المختلفة والغالب عليها الطابع التجميلي الفريد بطراز تشييدها وإتقان هندستها وكتلتها العمرانية علاوة عن جماليات تصميمها وزخارفها . .. وما زالت تنطق بالإبداع الهندسي و المعماري والحضاري على مر العصور و الدهور .
ومن المعروف أن العرف السائر في الشام هو أنهم اطلقوا لفظة “المسجد” على كل مكان ليتخذ للعبادة للمسلمين مهما كانت مساحته وأطلقوا لفظ “الجامع” على المساجد الكبيرة التي تستوعب المصلين أيام الجُمع. وعلى هذا: فان كل جامع هو مسجد ؛ ولكن ليس كل مسجد جامعاً.
**هناك مقولة تاريخية تقول : أن التاريخ يكتبه المنتصرون ، ما مدى صحة هذا القول؟
هذه مقولة يعتريها الكثير من التشعبات و المتاهات … فهل المنتصر دائماً على حق ؟ أم أنهم يكتبون التاريخ حسب رؤيتهم لمجريات الامور.
ولذلك لابد من كاتب التاريخ أن يذكر الرواية بحذافيرها و ليس قيل عن قال ، عن قال ، عن قال ، ولا يوجد إلا اليسير منها الموثق تاريخياً ، و التوثيق يحتاج إلى تحقيق .. و تدقيق .. و إخراج .. ، ويرجع إلى مرجعية الراوي .. ومدى صدقه .. من عدمه ، و نزاهته .. وعدم تحيزه لفئة معينة دون غيرها .. ويكتب بلسان حالها ، ولابد من ذكر الفترة التي حصلت بها الحادثة .. مع تذييلها بالتواريخ الهجرية و الميلادية على حد سواء ، مع ذكر اسم الحاكم أو السلطان بتلك الفترة .
وهناك الكثير من المقولات يتم تدوينها ( غصباً عن الموثق و تحت تهديد معين ) و لا يملك حيلة و لا قوة كما يحصل اليوم .
و لهذا فإن المنتصر لا يكتب تاريخه .. و يتركه لغيره لتدوينه .
** يقول الكاتب الأمريكي مارك توين لو كان الموتى يتكلمون لما أصبح التاريخ مجموعة من الأكاذيب السخيفة . … برأيك ما مدى المصداقية في تاريخنا وهل هناك شفافية وموضوعية في التأريخ العربي ؟
هناك من يجعل الهزيمة نصراً ومن يجعل الحقيقة وهماً .. و يملق للفرد فيتم تقدسه بما هو غافل عنه و التأريخ بحاضرنا مهزلة التاريخ ، فلا يؤخذ منه إلا النذر اليسير .
ختاماً الحديث عن درة الشرق لن ينتهي ، والأسئلة السابقة ليست كافية لأغطي كل انجازاتك الرائعة عن شامة الدنيا ، سأترك لك حرية الاختيار والحديث .
بصراحة أنا أفتخر بما تم انجازه من كتب بموسوعة دمشق الشام و تعتبر ( الموسوعة ) أول وأضخم عمل موسوعي من نوعه وحجمه ومنهجه باللغة العربية عن تاريخ مدينة دمشق وتمتاز الموسوعة بحصر المعلومات التاريخية والاجتماعية والثقافية العمرانية والمعمارية لمدينة دمشق ، مدعومة بالصور الوثائقية و بدقة عالية ومردود بصري ممتاز ، لتسهيل التعرف عليها وتوصيل المعلومة التامة بالنص و الصورة .
تضم الموسوعة أكثر من 50 ألف مادة بحث تشتمل على المصطلحات والمواقع والأوابد والخرائط والمخططات الهندسية ومرتبة بشكل مميز كي يسهل على الباحث الوصول إليها بسهولة كبيرة وخاصة الأجيال القادمة مع كافة المراجع والمصادر التاريخية ، كي يتم الحفاظ على إرث هذه المدينة الخالدة من الطمس والتلاعب بجغرافيتها و ديموغرافيتها والحفاظ على إرثها للأجيال القادمة.