الروائية تبارك الياسين تحاور لآفاق حرة الروائية زينب السعود

‎‎”الحرب التي أحرقت تولستوي: حين تلتهم النار الأدب وتبقى الإنسانية شاهدة”

**ما الذي دفعكِ لكتابة رواية عن الحرب الروسية–الأوكرانية في هذا التوقيت بالذات؟

 ـ التوقيت كان قدرا لبدء مشروعي الروائي الذي أمعنت في تأجيله لأسباب كثيرة لسنوات كثيرة كنت أظنها في السابق سنوات مهدورة ولكنني أيقنت أنها كانت تهيئة للتربة التي اريد بذر كلماتي فيها ، لذلك التوقيت لم يكن توقيت الحرب الروسية الأوكرانية بقدر ما كان توقيتا خاصا بولادة أول عمل لي وإنما تصادفت الولادتان معا : الرواية والحرب فاتكأ النص على الحرب التي هي في ظاهرها ليست حربنا ولكننا تعودنا في عالمنا العربي على ارتباط جغرافيتنا بالحروب حتى البعيدة مكانيا منها نحن دائما نتلقى جزءا كبير من آثار تلك الصراعات ، وعندما نتذكر بداية الحرب الروسية الأوكرانية نتذكر المخاوف من انقطاع امدادات القمح الأوكراني للعالم على سبيل المثال.


** هل كان لكِ تجربة شخصية أو احتكاك مباشر مع أحداث الحرب أو مع طلبة عاشوها؟

ـ كنت أتمنى لو قدر لي أن أجلس مع طلبة ممن عاشوا تلك التجربة ولكن ذلك لم يحدث لذلك عوضت عن هذا الأمر ببحثي عن قصص هؤلاء في الأخبار ووسائل التواصل . ولكن أعتقد أن الكاتب قد لا يكون بحاجة ماسة إلى التعامل مع أشخاص يشابهون شخصياته لينجح بنسبة جيدة في الإحاطة بتفاصيلها لأن المشترك الإنساني واحد ويمكن إسقاطه على التجربة الإنسانية مهما كانت الجغرافيا متباينة.


** لماذا اخترتِ أن يكون العنوان مرتبطًا بـ تولستوي تحديدًا؟

 ـ عندما حدثت الحرب الروسية الأوكرانية كان المر كصفعة على وجه العالم الذي كلن يستبعد تماما أن تحترب دولتان من العالم المتحضر وحتى بعد اندلاع الحرب الكل ظن أنها مناوشات ستخمد في فترة وجيزة . ولكن استمرار هذه الحرب أعطى صورة مغايرة تماما فروسيا التي عانت من مجازر هتلر وحرقه لموسكو هي ذاتها التي تحارب جارتها وتولستوي الأديب الروسي قضى حياته مدافعا عن فكرة السلم وحق العيش وكتب روايته الشهيرة الحرب والسلم ليوثق فيها رؤيته لبشاعة الحرب وفداحة ما تفعله في الإنسان والحياة ولكن كل هذه القيم التي عاش عليها تولستوي تم تدميرها على أرض الواقع ، فتولستوي في الرواية هو رمز استدعاه الخط السردي والثيمة التي تقوم عليها الرواية .
‎‎

** يوسف كمراسل صحفي يعيش صراعًا داخليًا بين مهنته وعائلته ,هل يمثل صورة حقيقية لصحفي تعرفينه، أم أنه شخصية متخيلة بالكامل؟

 ـ لا يمكنني أن أقول أن يوسف أو أي شخصية هو شخصية حقيقة تماما أو متخيلة على الإطلاق ، كتابة الشخصية الروائية تخضع لعوامل كثيرة منها ثقافة الكاتب وتجاربه الخاصة لذلك يوسف وغيره من الشخصيات هو شخصية روائية بنيتها من خلال صفات لشخصيات كثيرة مرت بي في واقع الحياة ولكنه ليس شخصية حقيقية مأخوذة من الواقع كما هي بل مجموعة من الصفات والأنماط لأشخاص مختلفين أضفت عليها من خيالي بما يناسب الحدث والرؤية التي تسير عليها الرواية ، ففي الأدب علينا أن نصنع شخصيات ذات أبعاد خاصة تناسب المشهد الذي تنتمي إليه في الرواية .
‎‎‎

** مشهد تمزيق رواية آنا كارنينا للتدفئة كان مؤثرًا جدًا كيف ولدت هذه الفكرة عندكِ؟ وما الذي أردتِ قوله من خلالها؟

 ـ ربما هذا المشهد هو أكثر مشاهد الرواية تكثيفا لأنني شعرت أن رمزية العنوان كافية لإضاءة الكثير منه في عقل القارئ ، لا أستطيع الجزم بأن المشهد كان حاضرا في ذهني في لحظة الكتابة الأولى ولكنه جاء في وقته حسب ما يقتضيه سير الحكاية وحرق رواية آنا كارنينا لتولستوي إشارة إلى إن الأدب والكتب بشكل عام لم تكن بقوة وسطوة الحرب فما زال نيران الحروب قادرة على تعطيل الفكر والوعي قلا قيمة للأدب الذي تركه تولستوي الروسي المحب للسلام في مواجهة بين دولتين جارنين وبينهما تاريخ مشترك فحرق الرواية يمثل هزيمة للثقافة أمام معركة السلاح والنار .


** ما الرسالة التي تودين أن تصل للقارئ من خلال ربط الحرب المعاصرة بتراث تولستوي الأدبي؟

ـ عندما قرأت رواية الحرب والسلم لتولستوي أدركت عبقرية هذا الرجل وإدراكه لقيمة عمل الأديب مقابل عمل المؤرخ ، وهو بقول أن الأديب هو الأقدر على شرح أبعاد الحياة والمواقف من جوانبها المختلفة ومع أنه كان شخصا مرفها وارستقراطيا إلا أنه استطاع أن يندمج مع قضايا مجتمعه وعصره وصور ذلك العصر الذي مهد لحرب نابليون على روسيا ورسم صورة للحياة الاجتماعية البائسة التي مهدت لتوغل العدو ، وهذا الأدب السامي الذي كان موضوعيا وشفافا في توضيح جوانب الخلل هو الأدب الذي من شأنه أن يؤثر ويبقى خالدا لذلك فإن ما تركه تولستوي يمكننا أن نعيد قراءته اليوم وغدا في ظل واقعنا الذي لم ينج بعد من ويلات الحروب
‎‎

‎** الرواية تناولت العنصرية التي يواجهها الطلبة العرب في أوكرانيا—إلى أي مدى كان هذا المحور مهمًا لكِ في النص؟

ـ محور العنصرية من أهم المواضيع التي أردت إظهارها وتسليط الضوء عليها لأنه شيء حدث بالفعل وشاهدناه على شاشات التلفاز وسمعنا الخطاب العنصري والقائم على تحيزات كبيرة ضد الآخر . لذلك كان من المهم جدا في هذه الرواية توضيح هذا الجانب لأنه حدث بالفعل وهذه مفارقة كبيرة نواجهها اليوم مع العالم الذي يسمي نفسه متحضرا مقابل تسميته لنا بالعالم الثالث ، فقد شاهدنا بكل وضوح نزعه لغطاء الحضارة والإنسانية وتمييزه العنصري ضد الآخرين وأولهم العرب وهذه مهمة من مهمات الكتابة الأدبية أن تقوم بعرض الواقع عبر عكسه بمرآة ذات عدسة مكبرة .

**كيف حاولتِ الموازنة بين نقل فظاعة الحرب من جهة، وبين الحفاظ على البعد الإنساني للشخصيات من جهة أخرى؟

ـ رواية الحرب التي أحرقت تولستوي بالنسبة لي رواية إنسانية بالدرجة الأولى وإن صنفها بعض القراء والنقاد من ضمن أدب الحروب ولكن حتى حذا التصنيف لا ينفي سيطرة الجانب الاجتماعي الإنساني على مفاصلها ، فلم تكن الحرب هي غايتي من الكتابة ولكنها كانت بمثابة لوحة قماشية لخلفية الرواية للاتكاء على بعض ثيمات الحرب التي تمكنني من الغوص في حيوات الشخصيات وإظهار كيف يمكن أن تكون خيارات الإنسان في ظل مثل هذه الظروف التي يجد نفسه في أتونها ، في الرواية هناك مستويات متعددة من البعد الإنساني ليس فقط الذي يتعلق بشخصية يوسف أو معاذ ولكن حتى شخصيات الأوكرانيين الذين تعامل معهم الطلبة العرب في رحلة خروجهم من أوكرانيا وهذا التنوع الإنساني موجود وهو الذي يشكل فسيفسائية الإنساني المشترك .


** برأيكِ، هل الأدب قادر فعلًا على أن يكون وسيلة مقاومة أو توثيق في الحروب؟

 ـ ‎عندما نمارس الكتابة الأدبية
نخال أنفسنا لوهلة أننا سنصلح العالم من حولنا وأن نصوصنا ستعيد ضبط موازين العدالة والخير والجمال ، ولكن الواقع بعيد عن أحلام المبدعين . الأدب عليه مسؤولية كبيرة وهذا يتطلب وعيا وثقافة وإحساس بالمسؤولية من الكاتب ، في النهاية الكلمة قد تحدث أثرا ولكن للأسف إلى الآن لم تتمكن من إسكات صوت المدافع ولا من تعطيل قاذفات (السوخوي ) مثلا بما أننا نتحدث عن الحرب الروسية الأوكرانية . ومع ذلك علينا أن لا نتوقف عن توثيق أنفسنا وحياتنا وكل ما يعبث بنا وبالأجيال القادمة على أن نلتزم دائما بشروط الكتابة الأدبية فالعالم لا تنقصه التقارير الإخبارية .


** كيف كانت تجربتكِ الأولى في كتابة رواية طويلة؟ وما أصعب التحديات التي واجهتكِ؟

ـ سأبدا من التحديات التي أستطيع أن أجملها في أمرين : الأول أن أكتب باستمتاع لأنني أضع هذا معيارا لنجاحي أمام نفسي لذلك بعض الجمل والفقرات في الرواية ليست راضية عنها تماما لأنها كُتبت في مزاج سيء . والثاني : أن أنجح في تحقيق مقروئية جيدة لنصي الأول . اما الشق الأول والسؤال عن التجربة الأولى في كتابة رواية طويلة الآن بعد أن حققت الرواية نجاحا جيدا أول أنها تجربة ممتعة ولكن لو سالتني هذا السؤال في بداية كتابتي للنص لكان الجواب مختلفا لأنني لا استطيع وصف القلق الذي كنت أعيشه مع الشخصيات وكأنني جزءا منها .ومن أجمل ما حققته هذه الرواية أنها تدرس لطلاب المرحلة الثانوية في المدرسة الأمريكية في الكويت كمادة مطالعة حرة وهذا أكثر مما توقعته من نجاح لرواية ( الحرب التي أحرقت تولستوي ) كعمل أول.

**لو قُدّر لكِ أن تعودي لنقطة البداية، هل كنتِ ستكتبين الرواية بنفس الاسلوب ؟

 ـ لا أستطيع أن أعطي جوابا مؤكدا على هذا السؤال ولكن عندما أفكر بالأمر أقول لنفسي ربما لو عاد بي الوقت إلى زمن الكتابة ربما سأقوم بوضع اختبارات أكثر إيلاما وتشظيا للشخصيات وربما لكنت أدخلت المراسل يوسف في تجارب أكثر وهكذا ولكن في النهاية الرواية خرجت بهذا الشكل وهي بالتأكيد كنص لا تخلو من بعض الثغرات على المستوى تقنيات الكتابة أو تبويب الفصول ولكن هذه هي رواية : ( الحرب التي أحرقت تولستوي ) واسأل نفسي لو قمت بنشر طبعة ثانية هل سأنقح وأعدل بعض الأشياء ؟؟ ولكن مع التفكير أجد أنني أحي المحافظة على نصي الأول كما هو لأظل أراقب قلمي كلما تقدمت كتابتي في العمر والعدد .

الاسم : زينب السعود
الجنسية : أردنية
المؤهل العلمي : بكالوريوس لغة عربية وآدابها
الوظيفة : معلمة في وزارة التربية الكويتية
مؤهلات أخرى :
عضو رابطة الكتّاب الأردنيين
عضو منتسب في رابطة الأدباء الكويتيين
مدرب تربوي معتمد(TOT)
عضو في أندية توستماسترز العالمية لمهارات الخطابة والارتجال
وامين سر نادي الحياة المتزنة للخطابة
المشرف العام لنادي إنسان الثقافي في الكويت م
قدمة دورات تدريبية في مهارات الكتابة الإبداعية

الإصدارات :
رواية الحرب التي أحرقت تولستوي / الآن ناشرون وموزعون
رواية العبور على طائرة من ورق/ الان ناشرون وموزعون
رواية نطفة في قلب غسان كنفاني / دار الأهلية للنشر
الأنشطة الثقافية:
كاتبة عمود ثابت في مجلة النيل والفرات المصرية
كاتبة مقالات في جريدة الدستور الأردنية ، موقع مدونات الجزيرة ، القبس الثقافي الكويتية وغيرها من المواقع.
المشاركات الثقافية :
* ندوة ( علم نفس الكاتب/ إثر الرواية على نفسية الكاتب) مركز طروس الثقافي -الكويت
* ورشة ( مشكلات الكتابة من التأليف إلى النشر) – الكويت
* ندوة ماذا بعد؟ قراءة في أدب غسان كنفاني مع نادي معنى في الكويت
* المشاركة في لجنة تحكيم مسابقة القصة القصيرة لمجلة القصة الذهبية
*المشاركة بورقة نقدية في مناقشة لمختبر السرديات في مكتبة الإسكندرية
* المشاركة كضيفة في معرض عمان للكتاب في حوارية : ( حين يتكلم الأدب عن قضايا الناس )

الجوائز والتكريمات :
جائزة أفضل مقال للأقلام الجديدة في مجلة صوت الجيل الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية .
جائزة المقال الفائز بالمركز الثالث في مسابقة أوسكار المبدعين العرب.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!