الشاعرة السورية ليلاس زرزور تستضيف الشاعر المصري الدكتور محمد ال داود

آفاق حرة 

الشاعر المصري  الدكتور  محمد آل داود

ولد في صعيد مصر في مدينة المنشاة بمحافظة سوهاج في يوليو 1977م، ثم انتقل مع أسرته إلى قريته الأصلية وهي الحواتكة – مركز منفلوط بمحافظة أسيوط، ودرس المرحلة الابتدائية في مدارس وزارة التربية والتعليم المصرية، ولما بدا عليه ميله الديني وتميزه في حفظ القرآن الكريم وجهه بعض أساتذته إلى التحويل إلى الأزهر الشريف، فتحول منذ بداية المرحلة الإعدادية إلى التعليم الأزهري وختم القرآن الكريم في سن مبكرة قبل حصوله على الشهادة الإعدادية، وأتم تعليمه الثانوي بالأزهر، ثم حصل على ليسانس أصول الدين والدعوة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، كما حصل على الشهادة العالية في القراءات، وعين معيدا بجامعة الأزهر في قسم العقيدة والفلسفة ثم حصل على الماجستير بتقدير ممتاز، ثم الدكتوراه بتقدير مرتبة الشرف الأولى، ثم سافر للعمل أستاذا مساعدا في جامعة الطائف بالمملكة العربية السعودية، وفي خلال رحلته العملية ألف عددا من الكتب والأبحاث العلمية وشارك في عدد من المؤتمرات الدولية، كما حصل على عدد من الجوائز العلمية، وحضر العديد من الدورات في مجالات متعددة، وله شغف ونهم معرفي متعدد المجالات، واطلاع ثقافي واسع، كما حصل على عضوية عدد من الجمعيات العلمية آخرها الاتحاد الدولي للغة العربية، وله ديوان شعري مطبوع بعنوان نور الحياة.

نال العديد من الجوائز وشهادات التقدير ..

نشرت له العديد من الصحف الورقية والإلكترونية ….

كان لنا معه هذا الحوار الماتع القيم …

** متى اكتشفت موهبتك الشعرية؟ وهل كان للظروف التي عشتها دورها في ظهور هذه الموهبة ومن كان له الفضل في اكتشاف موهبتك الشعرية؟

اكتشفت موهبتي الشعرية في نهايات المرحلة الثانوية وكان ذلك بسبب شغفي بدراسة الأدب العربي ونهمي في قراءة الشعر وإعجابي ببعض الشعراء أمثال أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقد كان لتعلمي القرآن في سن مبكرة ودراستي في الأزهر الشريف أثر كبير في تكوين ثروة لغوية وفيرة وحس لغوي مرهف، وقد كان الفضل في اكتشاف موهبتي الشعرية في باكورتها هو معلم الأدب والنصوص في المعهد الأزهري الذي أعجب بأول إنتاج لي وأثنى عليه وشجعني على المزيد. 

** الشعر الحقيقي هو انعكاس لموهبة ولكن ذلك لا يكفي لإنتاج ما نصبو إليه من إبداع .. ما هي العوامل التي تسهم في تشكيل هذه التجربة؟.

أهم عوامل صقل الموهبة الشعرية هو القراءة ثم القراءة ثم القراءة لأشعار فحول الشعراء في مختلف العصور الأدبية بداية من الجاهلي وحتى المعاصر مما يوقفه على الفروق بين خصائص كل مرحلة والاستفادة من كل هذه الخصائص فذلك يثري لغة الموهوب ويكون لديه ذائقة عالية وحسا قويا وملكة راقية، فتنمو وتربو لديه الملكة الشعرية التي تساعده على إنتاج الشعر الجيد وكما يقال ما الأسد إلا مجموعة خراف مهضومة.

** كثير من الشعراء لديهم الحظ ولكن ليس لديهم المعجم اللغوي كيف تفسر ذلك؟

الشهرة وذيوع الصيت ليسا مقياسا للجودة أبدا خاصة في عالمنا الحالي الذي اختلط فيه الجيد بالرديء وفسد الذوق إلى حد ما ولم يعد هناك حاضنات حقيقية للشعر الجيد ولكن في النهاية لا يدوم إلا الجيد أما الرديء فكالفقاعات تطفو وسرعان ما تخبو “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال”.

** ما رأيك بالحركة الأدبية حاليا خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي السريعة؟

وسائل التواصل الاجتماعي فرصة جيدة لتشجيع المواهب وصقلها وتبادل الخبرات وتلاقحها إذا ما أحسن استغلالها وتوجيهها، وإلا فلها أضرار كثيرة على الأدب كانتشار السرقات الأدبية وظهور المستويات الرديئة طافية على السطح، ولكن أقول إن كثيرين من الأدباء والشعراء وجدوا فيها وسيلة سهلة لنشر إنتاجهم بدلا من الضياع والبقاء حبيس الدفاتر، وكم مات شعراء مجيدون لم يسمع عنهم أحد شيئا بسبب انحسار الأضواء عنهم وعدم نشر إنتاجهم مما جعل الأدب العربي يفقد هذه المواهب اللامعة وإنتاجها الرائع.

** هل يمكن القول إن المعلم هو الأساس لإطلاق أي موهبة أدبية وهل يستطيع المعلم أن يختصر على الموهوبين سنوات طويلة يحتاج إليها الموهوب لتطوير ذاته؟

لا شك أن أي شاعر في بداية طريقه وباكورة موهبته يحتاج إلى موجه وناصح ومشجع له وإذا رزقه الله معلما متمكنا يوجهه ويشجعه كان ذلك من أهم عوامل صقل موهبته واستمراره ونجاحه فإذا لم يسقه له القدر بسهولة فعليه أن يبحث عنه في جميع مراحل إنتاجه ولا يظن أنه قد شب عن الطوق واستغنى عن التوجيه والتعليم فمن قال إنه قد علم فقد جهل فالأدب والشعر بحر لا ساحل له وفوق كل ذي علم عليم ولكن يحزنني كثير أن أرى نفرا من المغرورين الذين ظنوا بأنفسهم فحولة وتمكنا وظهر منهم التعالي على النقد ورضوا عن أنفسهم تمام الرضا وهذا علامة الغرور وبداية السقوط.

** ما رأيك بالنقد؟

النقد تقييم وتقويم وهو في أصله تمييز الجيد من الرديء والنقد رئة جديدة للشعر وعون له ومدد على التحسين والتجويد المستمر والتقدم الدائم نحو الأفضل مادام نقدا موضوعيا يلتزم الأخلاقيات الواجبة فيه والبعد عن الشخصنة وعلى الشاعر أن يتقبل ذلك النوع من النقد بصدر رحب بل عليه أن يعرض شعره على النقاد ليطمئن على مستواه ويقوم ما يحتاج إلى تقويم ويتعلم المزيد مما يعينه على التقدم نحو الأفضل دائما.

** هل ترى أن الشعر العربي حاليا يمر بحالة تقهقر؟

لا أرى ذلك فمن يقل ذلك فهو يلبس نظارة سوداء فالشعر العربي الحالي ينعم بوفرة وغزارة في الإنتاج وهناك مستويات راقية جدا وأسماء لامعة ومواهب حقيقية أكثر من أن تحصر.

** ألا تشعر بأن هناك تباينا بين الشعر المعاصر والشعر القديم؟

صحيح لا يمكن مقارنة أكثر إنتاج العصر الحاضر بالعصور السابقة لكن لكل عصر أدبي خصائصه وسماته ومفرداته وأسلوبه وروحه ولا تصح محاكمة عصر شعري بأدوات وخصائص عصر شعري آخر فالشعر في النهاية هو مرآة للعصر ونتاج طبيعي لظروفه وخصائصه ولكن علينا المحافظة على السمات الأصيلة للشعر والمستوى الراقي فالحذر الحذر من الانحدار به إلى مستويات أدنى. بحجة أن الجمهور يريد ذلك أو أن الشعر الفصيح لم يعد له سوق رائجة أو ما أشبه ذلك من الذرائع فسيظل للكلمة الراقية مكانتها وللشعر الجيد منزلته مهما فسدت بعض الأذواق وقصرت عن تذوق الجيد.

** ما نوع الشعر المفضل لديك؟ وهل الشعر هو تعبير عن الإحساس؟

اللون الوحيد الذي أجيده وأستحسنه هو الشعر العمودي الملتزم بالوزن والقافية فهذا ما تربيت عليه في دراستي الأدبية في الأزهر الشريف، وهذا ما أراه جديرا باسم الشعر، والذي يعبر عن الشعر العربي على وجه التحديد أما الألوان الحداثية الأخرى المتأثرة بألوان الشعر الغربي فهذه غريبة عن ذائقتنا وعن روح الشعر العربي الأصيل كما عرفه العرب منذ أقدم عصوره، ولا شك أن الشعر لابد له من عاطفة صادقة تدفع إليه فهو فن التعبير بالقول الجميل عن الحس الجميل فهو فن من الفنون الجميلة المؤثرة في النفوس وليس مجرد تشقيق للكلمات ورص لها في قوالب مصنوعة، فأجمل الشعر ما كان تعبيرا عن إحساس صادق أيا كان الغرض منه غزلا أو مدحا أو هجاء أو رثاء فهو بالأساس تعبير عما يجيش بنفس الشاعر من أحاسيس ومشاعر.

** هل الشعر صناعة؟

الشعر قد يكون طبيعة وقد يكون صناعة وقد يمزج الشاعر بين الأمرين في قالب واحد وهذا يحتاج إلى خبرة ومهارة، ولكنه في جميع الأحوال لا ينبغي أن يتخلى عن الإحساس وإلا كان كلاما أجوف قد تستحسنه الأذن ولكن لا يحسه القلب.

**ما رأيك بقصيدة النثر التي تحررت من القافية والتفعيلة والوزن وزاحمت القصيدة التقليدية؟ وهل انت مع تصنيفها تحت خانة الشعر؟

لم الإصرار على تسمية ذلك شعرا؟ الشعر العربي لا يكون شعرا إلا إذا التزم بشروط الشعر وهي الوزن والقافية السليمين، والنثر فن ولون أدبي آخر له كذلك أدواته وشروطه وقد لمع في سماء النثر كتاب كبار قديما وحديثا من أصحاب المقامات وتركوا لنا نصوصا نثرية غاية في الروعة والبلاغة والجمال، فلا يعيب الناثر كونه ناثرا بل إنه فن لا يقل رقيا عن الشعر والأدب العربي لم يقتصر أبدا على الشعر فقط فقد ظهر النثر والخطابة جنبا إلى جنب مع الشعر وكانت لهما سوق رائجة في الحياة الأدبية منذ أقدم عصور الأدب العربية فمن ينسى مثلا قس بن ساعدة الإيادي الذي استحسن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه خطبة سمعها منها في شبابه قبل بعثته وأثنى عليها بعد بعثته.

** كيف ترى الوطن في شعرك؟

وطن الإنسان وخاصة الشاعر ليس المكان الذي ولد فيه أو الذي انتقل لظروف ما ليعيش فيه، إنه ليس موقعا جغرافيا ولكنه عالم خاص من إبداعه يعيش فيه أحاسيسه، إنه كهفه ومعتكفه وشرنقته وصدفته وقوقعته وعالمه الخيالي إنه محط رحال قلبه وموضع راحة نفسه لاسيما إذا فقد ذلك في وطنه الجغرافي.

**ماهي العوامل التي ادت إلى الحد من انتشار الكتاب الورقي في عالمنا العربي؟ وهل تعتقد بأن وسائل الاتصال الحديثة سهلت الحصول على النسخ المجانية إحدى هذه العوامل؟

للأسف الشديد تغيرت في الآونة الأخيرة مصادر الثقافة بالنسبة لمعظم الناس فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر رواجا فهي أسهل وأسرع وأكثر إغراء وحداثة وأرحب وأرخص، لكن ليس معنى ذلك أنه قد عدمت الكتب الورقية قراءها وفقدت عشاقها فما زال لها طلابها وإن قلوا لكنها لازالت ..وستظل المصدر الأول والرسمي للثقافة والمعرفة.

** كيف تنظر للمرأة في شعرك وكيف تجد المرأة كشاعرة؟

المرأة هي ملهمة الشاعر الأولى في كافة العصور وأي شاعر لم يتغن بشعره بحب المرأة وجمالها الحسي والمعنوي؟ والمرأة الشاعرة هي طاقة من العاطفة الدافقة وللشعر النسوي خاصة والأدب النسوي عامة مذاقه الخاص وجرسه المميز وإن كنت آخذ عليه الاستغراق في الذات أكثر ومجافاة الواقع أكثر فهذا من طبيعة الأنثى وفيه ما يميز شعرها عن شعر الرجال.

** هل توافق على مقولة إن إصدار الدواوين هو إثبات للذات أولا وأخيرا؟

إصدار الدواوين هو سيلة للتوثيق والاحتفاظ بالإنتاج الشعري من الضياع أكثر منه وسيلة للنشر في زمننا هذا الذي تعد فيه وسائل التواصل أيسر وأسرع في النشر ولذلك لا غنى للشاعر عن إصدار دواوين توثق أعماله لأجيال تالية وتحفظ له حقه الأدبي وملكيته الفكرية والإبداعية له.

** ما سر نجاح الشاعر؟

الإبداع والتجديد وعدم الرضا عن نفسه والطموح إلى المزيد من التحسين والتجويد المستمر ونقد الذات والاستفادة من نقد الغير ومن تجارب الآخرين والقراءة المستمرة.

** لمن تودع أسرارك وأراءك الشخصية؟.

مستودع أسراري هو أحد الأصدقاء المقربين

** لو جلست وتساءلت حول ما أنجزته فماذا تقول؟

سأقول إني لم أصل بعد إلى ما أطمح إليه وأمامي طريق طويل وجهد شاق لأحقق المستوى الذي أتطلع إلى تحقيقه وما أنجزته والحمد لله ليس بالقليل ولكني لا أقنع به.

** ماهي كلمتك لجيل اليوم؟.

عليكم بالقراءة الدؤوبة وصقل الموهبة بالدراسة للعروض ولتاريخ الأدب العربي والعكوف على دواوين فحول الشعراء مع التمتع بروح التجديد والإبداع.

** كلمة تحب توجيهها إلى القراء؟

القارئ إما متخصص فأنصحه بالاستمرار والمتابعة الجادة والمقارنة والنقد والتفاعل الجاد وليس مجرد المجاملة والمدح، وإما غير متخصص فأنصحه بالتعلم مما يقرأ والإكثار من القراءة والاستمتاع بإنتاج الشعراء الحقيقين المجيدين لترتقي ذائقته.

 

 

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!