أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم: رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الأسبوع الكاتبة العمانية عزيزة الطائي
1. كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
امرأة تدين بالحب والولاء لمساحات الفضاء العربي بتنوعه وثقافته ووجعه وآلامه من المحيط إلى الخليج. وباحثة في فضاء الإنسانية غايتها الكلمة، تعشق الكتاب، ويهمها الإنسان. هذا كل شيء.
2. ماذا تقرأين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
القراءة بالنسبة لي زاد يومي تقتات منه نفسي، أقرأ كل ما يمر بيني عينيّ، وتلامسه نفسي؛ ورغم فضاأت التواصل المحملة بعوالم القراءة والآراء المختلفة إلا أن الكتاب هو زادي وأكسجين يومي. أجمل كتاب قرأته بما يحمله من فكر وقضايا وأعود له دوما لاستلهام منهج الحياة هو القرآن الكريم. لأنه دائما بالنسبة لي يتسامى عما يكتبه البشر. ففيه القص والعبر، والعلم والتفكر، والطمأنينة والوئام.
3. متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟
الكتابة بالنسبة لي هي نعومة أظفاري، ووحي إنسانيتي، ومرآتي التي أرى بها العالم. كتبت خواطر وقصصا كثيرة منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية، وكنت محبة للقراءة ولحصة اللغة العربية، وكثيرا ما كنت أحتفظ بدفتر لهذه الخواطر والقصص؛ ولكن في الصف السادس شاركت في مسابقة نظمتها المدرسة وحرزت على المركز الأول فكان لها تعزيز كبير في تعميق الثقة بنفسي لمواصلة الدرب.
4. ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
المدن القديمة أينما ذهبت وارتحلت ووليت أسأل عنها، فتسكنني وأسكنها دوما بكل ما تحمله من روائح وثقافة وبساطة وتراث وتاريخ ومعرفة.
5. هل أنت راضية على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
لا أستطيع تقييم منجزي، وإذا قلت أني راضية عن منتجي فقد بلغت مبلغ الغرور والكفاية من العطاء والاستمرار. ولعل عدم الرضا يدفعني دوما لمواصلة الطريق، والبحث عن جديد.
حاليا أنا في مرحلة قراءة والتعمق في قضية نقدية تشغلني لأشتغل عليها لاحقا؛ ولكن في المقابل أشتغل على جمع وتحرير كتاب “أدب الطفل من التراث إلى الحداثة” يشارك فيه مهتمون بأدب الطفل وثقافته من دول عربية شتى بدعم من النادي الثقافي في عمان، وهو حصيلة جهود لسنوات قمنا بتفيذ ندوات وورش وملتقيات تستهدف الطفل العربي.
6. متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟
من الصعوبة بمكان أن تحرق أم أبناءها، والأصعب أن تتركهم دون مأوى ورعاية ومحبة. قد يأخذ الكاتب فسحة من الراحة ليستعيد ذاته وأفكاره وقناعاته وورؤاه ليظهر بثوب جديد، ويترجم فكرة وجودية. فالاستغناء عن الكتابة التي تعني لي الكثير يتطلب التخلي عن الحياة، كون الكتابة المتنفس الوحيد من بين حيوات كثيرة تحاصر الكاتب وتدفعه إلى التعمق في الأمور، والتقاط جوهرها لصياغة نص أدبي لا يمكن أن يأتي بالانسحاب بمقدار ما تولده ظروف الحياة مع مرور الزمن. فأنا لا أستطيع جزم ما سأكون عليه في المستقبل، وما يقدره الله لي في قادم حياتي.
7. ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبته؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
أعمال عربية وعالمية كثيرة وددت لو كتبتها. تنوعت بين الشعر والسرد والتنظير النقدي؛ لأنني استفدت منها في مساري الحياتي. تمنيت لو كتبت البخلاء لـ”لجاحظ”، وكليلة ودمنة لـ”ابن المقفع”. تمنيت لو كتبت شعرا كأشعار “شارل بودلير” وقصصا كـ”أنطون تشيخوف” ورواية اسم الوردة لـ”أمبرتو إيكو” وثلاثية “كارلوس زافون”، وأعمال كثيرة لا أستطيع حصرها. تمنيت لو يكون لدي مشروع نقدي كسعيد يقطين، وشوقي ضيف، وعبدالله إبراهيم، وعبدالله الغذامي، وأستاذي محمد الخبو وآخرين.
أما عن طقوس الكتابة، فأنا بطبيعتي أميل إلى السكون والهدوء. تعيش الفكرة معي، وتلاحقني، وكأنها جزء مني أجادلها وأحاورها حتى تختمر، ولا أكتب إلا في السكون والخلاء بداية الصباح أو الخلود مع الليل.
8.هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
المبدع الحق له من التأثير الكبير لمجريات الأحداث التي يسير عليها المجتمع، ربما لا يتبين لنا ذلك إلا مع مرور الزمن. فمن سمات المثقف التأثير والتأثر؛ ولولا ذلك التفاعل والتبادل والتثاقف بين المثقف ومجتمعه لما نمت المجتمعات، وتأسست من رحم الإبداع. وعلينا هنا التفريق بين ثلاثة نماذج: (المبدع، المثقف، والمبدع المثقف) بمعنى ليس كل مبدع مثقف/ وليس كل مثقف مبدع؛ لذلك حين يجتمع الاثنان في واحد يتحقق تأثير المبدع من خلال علاقته التبدالية مع محيطه، ويغدو له دور هام في تشكل الإبداع وتطوره حتى لو أقصي عن المشهد. ففضاء الكتابة يمنح الكاتب حضورا تراسليا بينه وبين الآخر/ خارج محيطه. أما ما يحدث في قنوات التواصل من تراشق واستعراض وتنافس رغم تأثيره الكبير على العوام، وتفاعلهم معه؛ إلا أنه آني ولا يأتي إلا بالحماس.
9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
تعني لي الكثير، فأنا أرفض من يقيد حريتي، ويفرض علي طقوسا لا أحبها. وهناك فارق كبير بين العزلة الساكنة الصامتة، والعزلة المريضة المفروضة. فالعزلة التي يختارها الكاتب لنفسه في وقت ما وفترة ما لتستكين نفسه، ويهدأ باله مرغوبة. أما إن يختار الكاتب عزلته ويجعل منها صومعة لا يرى فيها مرآة الآخرين فهذا أعتبره أمرا سلبيا، أو ترفعا، وأحيانا يقود إلى المرض والغرور، وعدم الثقة فيفقد تواصله مع المحيطين من حوله، ويبقى حبيسا لأفكاره وما توصل ووصل إليه.
10. شخصية في الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
من الشخصيات المؤثرة في مسار التاريخ العربي الحديث تمنيت لو التقيت بكثيرين لعل أبرزهم: عمر المختار، أما على الصعيد الشخصي تمنيت لو وعيت على جدتي لوالدي لأستلهم منها موروث بلادي. كما تمنيت أن تجمعني الأمكنة بمجموعة من النساء العربيات الرائدات والمؤثرات لأتحاور معهن وأخرج مشروع كتاب.
11. ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
صعب أن أفكر في كلمة (لو) لأنني بها سأفتح قوسا جديدا للعتاب والخذلان وربما الألم أكثر من الفرح. فما مضى بفرحه ووجعه تجاوزته، وأحبه لأنه علمني الكثير وخلق مني إنسانة قادرة على مواجهة العالم والتصالح مع نفسي. فأنا أحب الماضي الذي علمني بحلوه ومره، بنجاحاته وإخفاقاته، بصعوده وحبوطه، بضياعه وحلمه أشياء كثيرة مدينة له بها.
12. ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
الذكريات والفراغ معا؛ ولكن الذكريات ميزانها أقوى لأن بها الجميل والقبيح؛ أما الفراغ ففيه الألم والفقد والقبح والغربة والضياع.
13. صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن روايتك “أرض الغياب” . كيف كتبت وفي أي ظرف؟
أتفق معك في ذلك، أما عن رواية “أرض الغياب” كتبتُها بدم فتاة من ذاكرة غائبة وفاقدة. فتاة عاينت واقع أرضها وشعبها في فترة ليست ببعيدة ولا قريبة؛ ولذلك تطرح ثيمة الرواية سؤالين إنسانيين: لماذا يهاجر الإنسان عن أرضه تاركا وراءه بضعة من قلبه وروحه؟ ولماذا عند عودته مع شعاع الأمل الرامي للألق يصطدم بواقعه المرير ويفكر في الهجرة مرة أخرى؟ ولا شك أن أحوال المهجرين من الوطن العربي التي تتزايد يوما بعد آخر كانت دافعا قويا لترجمته على الورق في سرد روائي متخيل فيه تبئير لواقع الحال العربي، والذي جزء منه الواقع العُماني الذي عانى من الهجرة لبلدان الخليج وغيرها؛ ولكن بعد العودة ماذا حقق من أحلامه وأمنياته على أرض الوطن المغيب؟!
14. الى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز.الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
تحتاج إلى التوازن في تعاطيها مع كل الأشياء. تحتاج للجرأة والقوة معا، تحتاج للثقة والوئام، تحتاج للعطاء والثبات، تحتاج للمعرفة والاعتاد، تحتاج لفهم مجتمعها لترقى به دون التخلي عن مبادئها وعروبتها وثقافتها وموروثها. تحتاج أن تكون حاضرة بفكرها ورأيها في شتى المجالات.
15. ماجدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
لولا حاجتنا للكتابة الأبداعية بأنواعها من سرد بنسقيه (المرجعي والمتخيل) والشعر بأنواعه (التفعيلة والنثر والعمودي) لما تخصبت الأذهان، وشحذت الهمم، واستنار العقل. ولما استطاع الكاتب أن يرمي حمولته النفسية والذهنية على دروب الحياة ليقرأها الإنسان. فنحن نحتاج للحرف، للكلمة، للعبارة لنتفاعل مع المحيط المحلي، والعربي، وصولا بالإنساني. فالكتابة عتق من الحياة ءإن صح التعبيرء.
16. كيف ترين تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
تجربة النشر على قنوات التواصل الاجتماعي بها إشكالية كبيرة والحديث حولها يطول، لا يسعه سؤال وإجابة. فله دواعيه ومبرراته بالنسبة للكاتب أولا، ولمن يريد أن يصبح كاتبا بسرعة البرق. فمن محاسنها تقوم بدور التعريف بالكاتب ومنجزاته واهتماماته وبلده، والأهم فضاء يعرفك بمن تتمنى أن تلتقي بهم من الرواد والمبدعين والمفكرين لتتلاقح الأفكار. أما إن كان المقصود لأجل الترويج للمنتج الأدبي والتسويق له، فهذا له دوافع ومبررات يقوم به الكاتب مقابل عدم قيام دور النشر العربية بدورها في التعريف بإصداراتها، علاوة على غياب الدعم المؤسسي للكاتب والكتب.
17. أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
كل ذكرى أراها في حياتي جميلة. فالناجحة دعمتني وشجعتني ووثقتني، وجعلتني أرى الحياة بمنظور بهي. والقاسية نبهتني وعجنتني وهذبتني، وجعلتني أرى الناس بمرايا فاحصة. وفي كليهما كانت هناك نافذة جميلة قادتني لمسار أخطوه من خلاله خطوات بتجربة متمرسة. فالأولى، سرتُ فيها بعزم وثقة. والثانية، منحتني العفة والتسامح؛ وأخيرا المواقف تصنع الإنسان بخيرها وشرها.
18. كلمة أخيرة او شيء ترغبين الحديث عنه ؟
أستذكر قول الرسول الكريم :”كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل” وهو يعلمنا الصمت، والزهد، والرضا والقناعة، ومحبة الحياة والآخرين من خلال القلم والورق. لنكتب بحس جميل دون النظر للآخرين، فالكتابة عجينة الحياة المرة والحلوة. والعيش في رحابها طاقة إيجابية تمنحنا السمو والرفعة في حضور الآخرين.
وأخيرًا، أتمنى أن أرى الوطن العربي بخير وأمان، وأن يعم العالم التسامح والسلام.
مع خالص الشكر والمحبة والتقدير
د. عزيزة الطائي