آفاق حرة
أسماء واسئلة:إعداد وتقديم:رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيف حلقة الأسبوع الكاتب ميمون حرطيت
1. كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟
– ميمون حرطيت؛ رأيت النور في شتاء 1955 بمدشر عاريض إقليم الناظور؛ حاصل على الإجازة في القانون العام؛ أستاذ متقاعد عن التعليم، وممارس في التعلم.
2 ماذا تقرأ الآن، وما هو أجمل كتاب قرأته؟
– أنا الآن منهمك في قراءة كتاب: “الحرية تنمية” سلسلة عالم المعرفة للمفكر البنغالي:امرتيا صن، ترجمة: شوقي جلال.. أما أجمل كتاب قرأته فهو بدون منازع: رواية” الأم” لمكسيم غورغي؛ التي قرأتها أكثر من مرة، وتعلمت منها أن حضور الوعي يفوق ألف تعلُّمٍ.
3 متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟
– اول خربشاتي البريئة كانت على سطوح الآجر الطيني، وأنا أؤنس أمي ؛ وهي تقولب الأجر لبناء مسكننا الخاص؛ وتقدمي في العمر لم يمنع تذكري للعصا الأفعوانية للفقيه؛ وهي تحرض فينا الرغبة على التعلم الإجباري لهذا “العجب” المسمى الكتابة، وهو يطوف بيننا ليشد آذاننا بقوة تارة، وأخرى، لشوظنا بلسعات عصاه. ولقد كان للرسائل التي كنت أكتبها بعدئذ بإيعاز من جاراتنا لأزواجهن بالمهجر، الدور الأساس في إبداع تعابير جديدة تتناسب والمقام؛ إذ كان الأزواج يستخبرون عن كل شيء، رغم تفاهة بعضه، كما كانت الزوجات لا يترددن في إظهار أشواقهن اتجاه أزواجهن؛ فيلححن عليّ لكي أكتب كل ما ينطقن به، ليطلبن مني بعد ذلك أن أعيد على مسامعهن، أكثر من مرة كل ما دونته. وكن بعد كل رسالة يتكرمن علي ببعض” الإكراميات “حتى أني أصبحت أجدني أجني من وراء ذلك ثروتي الطفولية؛ وهي عبارة عن بعض الدريهمات التي كنت أعدها داخل جيبي، واحرص على إعادة عدها قبيل نومي. في مرحلة شبابي كتبت بقدر ما مزقت؛ كنت أشعر بأنني أكتب شيئا جديدا؛ غير أنني لم أجرؤ أبدا على إشراك الآخرين فيه؛ إذ كنت أفهم بأن الكتابة ما هي إلا إفراغ للمنتوج الذهني، وإطلاقٌ لسراحه، ولم تتغير هذه العقيدة عندي إلا بعد أن حثني بعض الأصدقاء على جمع ما دونت على الفيس؛ وكان ذلك بدءا من 2015.
الحقيقة أنني كنت في البداية أكتب لأشبع حاجة في كياني؛ وإذا ما أعجبني ما كتبت؛ أفرح به بيني، وبين نفسي، وينتهى الأمر، ثم تغير الوضع، بعد مراجعة تقويمية لكل ما سبق؛ قلت مع نفسي: يجب أن أنتقل من استهلاك منتوج غيري بالقراءة؛ إلى استهلاك غيري لمنتوجي بالكتابة؛ فقررت أن أخرج للعلن، لحدوث اقتناع عندي، بأن الكتابة لا نفع منها إذا لم تبحر إلى عوالم أخرى ويطلع عليها القراء، ليقيموها من جهة، ويستفيدوا منها من جهة أخرى.
4 ماذا تمثل لك مدينة الناظور؟ وما هي المدينة التي تسكنك، ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها، وبين دروبها؟
– مدينة الناظور؛ بالنسبة لي، هي معشوقتي من غير بني البشر؛ فأنا لا أتصور لي وجودا خارجها؛ مدينة الناظور؛ هي مراح منزلي، وباحة استراحتي، فكلما ضاق بي الحال؛ أركن إليها، لأجوب شوارعها منفردا، وخيط الذكريات لا يني يشدني بقوة كيما أستزيد من جولاني.
أما المدينة التي أحن إلى التسكع في أزقتها، فلن تكون إلا الناظور نفسها في ستينيات القرن العشرين، وتأتي طنجة في المرتبة الثانية مع مسافة شاسعة في العشق؛ إذ كل وليلاه.
5 هل أنت راض على إنتاجاتك؟ وماهي أعمالك المقبلة؟
– في عمري الآن ما يزيد عن ست وستين سنة؛ غير أنني في ميدان الإنتاج الأدبي ما زلت أحبو؛ إذ ليس في رصيدي حتى الآن سوى رواية/سيرة ذاتية وحيدة، وبعض القصص القصيرة المنشورة في بعض الجرائد؛ أو على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي(الفيس بوك)؛ ما يعني بأنني لست راضيا على إنتاجي على مستوى الكم بالمرة.
أما أعمالي المقبلة؛ فعندي مجموعة قصصية قيد الطبع، ورواية، لا أزال أخوض في عبابها الهادر.
6 متى ستحرق أوراقك الإبداعية، وتعتزل الكتابة؟
– كما تعلم؛ فأنا أتيت إلى هذا الميدان متأخرا جدا، ولا أظنني متخليا عنه؛ إلا بعد الخبو.
7 ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟ وما هي طقوسك في الكتابة؟
– في كل مرة أكتشف بأن عملا هو خير من غيره؛ فمجالات الإبداع متنوعة، وإعجابي بعمل ما لا يعني مطلقا بأنني أتمنى لو أستفرد به لنفسي، أو أكون منجزه، إذ يكفي أن يشدني، وأستفيد منه.
أما طقوسي في الكتابة؛ فلا أجدها مختلفة كثيرا عن طقوس غيري من محبي ملء بياض الأوراق؛ فأنا أجد راحة في الكتابة ليلا، وأحبذ أن أفعل ذلك في مكتبتي المتواضعة؛ غير أن قلم رصاصٍ صغير، ونصف ورقة لا يفارقانني في خرجاتي إلا سهوا.
8 هل للمبدع ، والمثقف دور فعلي، ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها، ويتفاعل معها، أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
– لا شك أن تجارب العديد من المبدعين، والمثقفين عبر التاريخ، قد أجابت عن هذا السؤال بنعم مضغوطة؛ إذ ما جدوى الإبداع، وإعمال الفكر، إذا لم يكن لذلك دور في تنبيه، أو توجيه، أو تحفيز المنظومة المجتمعية؟ فالاكتفاء بالكتابة الواصفة للأوضاع كما هي ؛ كتابة فوتوغرافية ليس إلا. كتابة تمشي على جنب الجدار دون أن تلامسه، أو تتيقن من ثباته، وصلابته.
9 ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية، وربما حرية أقل؟ وهل العزلة حرية أم قيد بالنسبة للكاتب؟
– يبدو من خلال السؤال؛ أن ثمة نوعين من العزلة: إجبارية، واختيارية. أما الإجبارية، فسجن، بصرف النظر عن طبيعته؛ إذ لا أحد يرتاح إلى/ أو في مكان مرغما؛ غير أن المبدع ينتهزها فرصة لتحويل الإجباري إلى اختياري؛ بالعوم في عوالم متمايزة من الخيال، و إعمال الفكر، وبذلك يتخطى الضغوط التي تفرضها حالة الإجبار تلك.
أما العزلة الاختيارية، فمطلوبة لدى أغلب المبدعين، مع استثناءات قليلة؛ فأنا مثلا أعرف صديقا قد يكتب في قطار، أو في مقهى، أو أي مكان صاخب دون أن يتأثر سلبيا.
أما القاعدة فتقول؛ بأن المبدع يحتاج من بين ما يحتاج إليه: الهدوء، والابتعاد عن الضجيج والصخب؛ فهو لا يقبل أن يحول، أو يتدخل شيء ما، بينه وبين عالمه، الذي يحتاج معه إلى شد الانتباه، والتركيز بقدر الممكن..
-10 شخصية من الماضي ترغب في لقائها، ولماذا؟
– مع يقيني بأن ذلك غير ممكن؛ ولكن إذا كان الأمر في حكم التمني؛ فإن لا شخصية أرغب في لقائها أكثر من أمي؛ (عليها الرحمة)؛ لأنها كانت مدرستي، عرفت كيف تعلمني دون أن تتعلم.. علمتني الصبر، وعدم اليأس أمام تكالب الصعاب…ساعدتني، وشدت أزري، كي أتجاوز محني الكثيرة.
11 ماذا كنت ستغير في حياتك، لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد؟
– لا أظن بأنني مستطيع ذلك؛ فالظروف غالبا ما تكون الأقوى؛ غير أن أمرا واحدا تمنيت من كل جوارحي لو لم أنهزم فيه: إنه انقطاعي عن التمدرس من مستوى البروفي brevet لكنني أعود، وأتساءل بيني وبين نفسي: ألم تعلمك مدرسة الحياة؟ وحين أجيب: بلى .ارتاح.
12 ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الفراغ، أم الذكريات؟
– يختلف الأمر هنا بحسب طبيعة تلك الأشياء المفقودة؛ ففقدان شيء محبوب، وعزيز؛ يظل عالقا في الذاكرة، كذكرى نسترجع لحظاتها من حين لآخر؛ أو كلما حدث ما يذكرنا بها، فيسمع المرء حينها للقلب وجيبا.
بينما لا يتبقى من تلك التي مرت في حيواتنا مرورا عابرا سوى الفراغ.
13 صياغة الأدب لا يأتي من فراغ؛ بل لابد من وجود محركات مكانية، وزمانية. حدثنا عن روايتك (الخبز الجافي) كيف كتبت؟ وفي أية ظروف؟
– لا يأتي؛ من الفراغ كما تعلم؛ إلا الفارغ . لذا فروايتي “الخبز الجافي” خضعت- كما هو شأن كل عمل إبداعي- لعدة آليات، ومراحل؛ أفرزتها من جهة طبيعة العمل الإبداعي، و من جهة آخرة الظروف الزمكانية التي عاشها/ وفيها المبدع. ولقد شرعت في كتابة هذه الرواية على عدة مراحل، بدءا من سنة إحالتي على المعاش؛ في شكل نصوص يجمع بينها رابط الأحداث و التسلسل الزمني مع تعدد في شخصيات ينظمها ناظم واحد؛ ألا وهو السارد، الذي ينوب عنه في بعض الحالات سارد آخر من شخصيات الرواية. وهذا السارد يروي الوقائع بأعين مختلفة: عين الطفل، عين المراهق العاطل، وعين المسؤول. تحكي الرواية عن الصراع المتعاظم من أجل البقاء. إن بناء مسكن مثلا؛ بدءا من صناعة مواده الأولية، وبدون سند، غير ما توفره لك قواك العضلية، والنفسية من أجل نفَس من الحرية، والاستقلالية؛ وفي ظروف أقل ما يمكن أن توصف به؛ أنها صعبة للغاية؛ يعتبر بحق كفاحا يستحق عليه صاحبه تحية إجلال. فالخبز الجافي إذن هو جري دؤوب خلف رغيف في انفلات دائم.
14 ما جدوى هذه الكتابة الإبداعية؟ و ما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابة الإبداعية ليسكن الأرض؟
– لكل كتابة إبداعية جدوى ما؛ وإلا لقاطع جمهور القراء( على قلتهم اليوم) القراءة منذ أمد بعيد. فللكتابة دور كبير في تثقيف الناس، و تحسيسهم بواقعهم؛ لتطويره، أو تغييره حتى.
15 كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
– مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة من بين أخرى تساهم في التعريف بإبداعات الكتّاب؛ والتعامل معها أصبح مفروضا على كل مبدع؛ لما تملكه من قوة على الانتشار؛ وعلى أوسع نطاق.
16 أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟
– أجمل ذكرى هي لما رأيت أبي يفرج عن أسنانه ابتساما؛ حينما أخبرته أمي عن حصولي على شهادة الباكالوريا. أما أسوأ ذكرى؛ فهما في الحقيقة ذكريان: وفاة أبي، ثم من بعده أمي.
17 كلمة أخيرة، أو شيء ترغب في الحديث عنه؟
– أود أن أقدم شكري الجزيل للصديق الشاعر المبدع رضوان بن شيكار، على المجهود الذي يبذله من خلال صفحته على الفيس من أجل التعريف بالمبدعين بشتى مشاربهم الفكرية.