حوارات آفاق حرة:
الروائي محمد فتحي المقداد. سوريا
يحاور
الأديب والقاص “محمد علي الصمادي”. الأردن
التقديم :
ربما يضيق المكان إذا تلاقت الوجوه. وتشابكت النظرات. وتفلّتت الكلمات بأسئلتها. وارتبكت الألسنة بخجل إذا كانت النية لاستنطاق المكنون المخبوء في دواخل أديب وكاتب وفنان، يسمع بعينيه.. ويرى بأذنيْه.
ليس لأنه مُختلفٌ عن البشر، بل لأنّه صنيع جغرافيا صعبة المسالك، والمِراس إنّها “عجلون” وكفى، المدينة الأردنيّة ذات الموقع المميّز، لا تستنشقُ هواءها إلا نقيًّا لم يُلامس أنوفًا، قبل أنف العجلونيّ، هواء رطيب برائحة البحر المتوسّط.
وما بين “إربد” المُستوية بسهولها، و”عجلون” بتشكيلاتها الجبلية.. تشكلت شخصيّة “محمد الصمادي” الثقافية بالفعل والتأثير والتأثُّر. إيجابًا وسلبًا.
** عَوْد على بدء. محمد الصمادي سنبدأ حوارنا معك، كأديب وفنان احترف التصوير. ما هي أهم ذكرياتك الزمانيّة والمكانيّة التي حملتها معك من عجلون إلى إربد، وهل من صعوبات باختلاف العيش بين القرية “عنجرة” والمدينة “إربد”؟.
-وتحدثت عن دور وزارة الثقافة في دعم الكتاب والكتاب وعن الكتاب المجاني أو منخفض الثمن،وتحدثنا عن تشكل الوعي الكويتي في تشكيل سعة رؤيتي الإبداعية كنت بين مجلتي العربي وعالم المعرفة. فالمكان لم يشكل عائقًا في ظل ثورة الطباعة والاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي كنت أعيش الانبهار في المدينة وإلا أن اعتزلها لأعود نحو القرية لتعد في أن قريتي الوادعة أصبحت مدينة استهلاكية وكنت أعتقد أنها تصلح للعزلة الأخيرة
** الحكاية الأولى هي الأصدق في دواخل كل إنسان، وليس بالضرورة أن تكون كذلك. ماهي حكاية “محمد الصمادي” الأولى في حياته؟.
– الحكايات الأولى كثيرة: حكاية القراءة منذ الصفوف الأولى ……. منذ سمير مكتبة ثم المكتبة الخضراء ثم روايات الفنية ثم مجلات أفكار التي ما زالت تصدر عن وزارة الثقافة إلى مكتبة مدرسة عنجرة الثانوية التي عملت عليها مع الأستاذ المرحوم يوسف مقطش حين كنت أمارس كافة أدوار مدير المكتبة.
حكاية الحب الأولى مع طالبة المدرسة الثانوية حكاية الكتاب الأول بنو راما الحب والمرأة والحية “الأرض الأولي” والتقديم لهذه الكتب سبع تقديمات للأصدقاء محمد الجراح، عمار الجنيدي، إياد عبود جعفر المعيلي، أيمن الصمادي ومقدم لي أو رسالة رئيسيًا للمرأة.
حكاية الهيئات الثقافية منذ ألوان في التسعينات إلى رابطة الكتاب الأردنيين اربد أمين للسر حكاية مجلة ألوان الورقية وحكاية ألوان الإلكترونية حكايات الأولى … في كل جنس أردني حكايات الأولى مع التصوير.
**وفيما بعد البدايات حكاية الثقافة والهواية، التي وَسَمت حياة “محمد الصمادي” وشكّلت شخصيّته؛ فما هي الملامح غير المُعلنة والمخبوءة؛ لتتكامل معرفة القارئ والمُتابع وإكمال النصف الآخر المعروف؟.
– صراع دائم ولكل مرحلة… صراع داخلي خوفًا على مسيرتي الإبداعية…. كنت أعتقد أن الثقافة تجمع ولا تفرق؛ لأكتشف أن صراع المثقفين دائم متصل متجدد لا تصدمك إبداعاتهم، بل كل واحد يقدم نفسه كقائد ومقاتل؛ فلم يقدمني أصدقائي في العمل التطوعي وحب الامتحان الزماني والمنجز لتبوء منصب إداري؛ فقد ألصقت بي أمانة سر الأكبر منها، ومن هيئة وحي رئاسة ملتقى ألوان وضمن محددات خاصة وظروف خاصة.
كانت القراءة فقط هي التي تشكل لدي منحنى لا يعرفه الكثيرون، عمليًا فقد كنت أنافس “عمار الجنيدي” و”إبراهيم ملكاوي” على التهام كثير من الكتب؛ فالملامح غير المعلنة أنني كنت أحرض الكتاب الجدد على الثورة على جيلنا الذي نحت مكانته في الإبداع ضمن ظروف قاسية من الضجر.. والغضب.
** فرحة المولود البكر عظيمة في حياة البشر عمومًا. هل لك أن تصف للقارئ مشاعرك وعواطفك وأحاسيسك المُتولّدة عن نصّك القصصيّ الأوّل، والصُّورة الأولى التي التقطتها آلتُكَ؟.
– كل كتاب ولادة أخرى لها ظروفها ولكل كتاب فرحة أن تتعلم شكل الكتابة. في القصة فرحة أبطالها تتضح عندما طبعت مجموعتي القصص “يوميات ميت على هامش الحياة” وفرحة المفردات في مجموعة، حنين وسبع أخريات ” النثرية”
والفرحة التي وجدتها حين طبعت كتابي ” هو الذي يرى” كانت فرحة الناقد حين يجتمع مع ثلة من أصحاب المشروع النقدي، وفرحة كتاب المقالة التي تشير إلى مقطع من مقاطع مشواري الإبداعي بين الصورة والكلمة.
وفرحة من ساهم في إخراج العمل من لوحة الفلان التي أهدانيها الفنان العراقي “تامر الهيتي” وأسرتي أصدقائي الروائي “محمد فتحي المقداد” الذي حرضني على نشر هذه البانوراما النقدية والشهادات الإبداعية. و”عبادة الصمادي” الذي كان معي في تقسيم الجمع الأول وغيرهم.
** المحطّات كثيرة في مسيرتك الحياتيّة، من غير جدال؛ فإن الأهمَّ هي المحطّة الفكريّة. لو كان بالإمكان إلقاء الضوء برؤيتك الفلسفية على عناوين مجاميعك القصصيّة الخمس؟.
– كتابي بثلاثة عناوين. وطبع أكثر من ثلاث مرات. وكتب مقدمته في نسخته الأخيرة سبعة من المبدعين. وكانت طبعته الأخيرة باسم “الأرض الأولى” أما عناوينه السابقة “شذرات من قطوف/ من كل روض زهرة”.
البدايات ببساطتها وصدقها حد السذاجة. والعلاقات البريئة بدون مساحيق، وكأنها تعلم الكتابة في بداية الحياة، وما زلت أحتفظ بنسختها الأولى بخط اليد. للخطاط السوري “…”. وجاءت الطبعة الثانية على الآلة الكاتبة بخطها التقليدي.
ومن ثم كانت المجموعة الثانية” يوميات ميت على هامش الحياة” كمزيج أدبي، عبارة عن كتابات في الخاطرة والمقالة والقصة القصيرة وقصيدة النثر. وهي تمثل المرحلة الثانية من مسيرتي الكتابية، في محاولة البحث عن النفس من خلال جنس أدبي محدد، وقد كانت في القصة القصيرة.
حينما طبع كتابي الثالث “حنين وسبع أخريات” التي جاءت كتجربة جديدة لي في محاولة الكتابة التجديدية والتجريدية في النص القصصي.
أما كتابي الأخير “هو الذي يرى” فهو المرايا التي أرى فيها مكانتي بعين الحقيقة.
** “هو الذي يرى” له قصة مختلفة تمامًا، حيث أنه تكليل وتكريم من أصدقائك وأحبابك. بما كتبوا عن تجربتك، فما هي قصّة هذا العنوان الإشكاليّ بجدليَّة انزياحاته؟.
– هو الذي يرى تاريخ حياة… شهادات تكريم لمسيرتي الإبداعية والحياتية كل من نشر عطر لكلماته في هذا الكتاب. ثلة من كتاب النقد. ثلة من الذين رسموا كلماتهم بأحرف من نور. رهط من الأصدقاء كتاب المقالة والقصة والنقد المتخصص.. حوارات من إعلامين ساهموا في مسيرتي الإبداعية.
أن ترى نفسك، وأنت تسير في حدائق الإبداع، وحولك من يُقدّر هذا الجهد بجائزة أوتكريم، سيكون له الأقر العظيم، خاصة وأنت على قيد الحياة. كانت تلك الكتابات منافسة في عالم الكتابة، والإبداع قناديل نور تنير في روايتي القادمة” مصور أعمى”. شكرًا لهذه المرايا التي أوضحت صورة الصداقة والإبداع بين الشعر والنثر والنقد.
** استوقفني نص “ق.ق.ج”. “المراسل الحربي”، وهو يُقنّن صورة المراسل الحربيّ أدبيًا. فما تقول؟.
– هناك أسئلة تطرح بحسن نية، وهناك أجوبة تقال لتكون شاهد على مسيرتنا الإبداعية.
الأسئلة حين تثير مكنونات النفس.. لا تسأل المصمم عن منتجة الإبداعي. بعد أن تضع أفكارك بين يديه.. لا تسأل الراعي عن إنتاج الحليب والمراعي قاحلة.
كانت أمي تطلب مني أن أتعلم الخياطة، فرفضت حتى لا أُلبِسَ ثوبًا فضفاضًا لصغار القامة، وحتى لا أنقص قدر أصحاب النفوس العظيمة.
لا تسأل الرياضي الذي يكد في الحياة والعيش بكرامة لماذا لم يسجل هدفًا حين خارت قواه أمام المرمى.
لا تسألني كيف أحب وطني، وأنا أبحث عن لقمة العيش والكرامة.
** كأديب لك حضورك على الساحة الأدبية. ما رأيك بفكرة اكتساب الهوية الأدبيّة لأيّ كاتب، *وهل انتقالات الأديب بين فنون الأدب علامة صحيّة، *وأيُّهما أجدى التخصُّص، أو التنويع بين الألوان الأدبية؟.
– هناك من يتخصص في جنس إبداعي وينجر ما يستحق المتابعة والقراءة والنفع والفائدة…. وهناك من ينتقل بين الأجناس الإبداعية ليجد نفسه… وهناك ناقد حصيف يعرف بوصلة الإبداع؛ حين يكتشف ما لا يعرفه الكاتب عن نصه.
أما أنا فقد تنقلت بين أجناس أدبية؛ لأكتشف أن كتابة القصة هي حقلي الإبداعي الذي أسكنه مجربًا مجددًا على أن هواية التصوير؛ كانت لخدمة الحركة الثقافية في عجلون واربد وأحيانًا في محافظات أخرى. الحقول الإبداعية والكتابة الإبداعية متغيرات زمانية ومكانية.
أنا ابن هذه الحياة بكل تناقضاتها، والإبداع مرايا لرؤية العالم.
** بين الطموحات والخيبات، فما الذي ودّ “محمد الصمادي” كتابته ولم يكتبه إلى الآن. وما الذي ندم على كتابته؟.
– حين تحدثت إلى الأستاذ الدكتور “زياد الزعبي” عن التبرع بمكتباتنا. حدثني عن مشروع التخلي، وكنا ندرك أن المكتبات التي يملكها اصحابها في البيوت. يجب أن تكون في الجامعات ومراكز الأبحاث، بحيث وأن تساهم في إيجاد وتحفيز جيل مثقف واعي..
وحين تحدثت إلى الدكتور “جمال المقابلة” تبنى هذا المشروع في تخصيص جناح في الجامعة الهاشمية عن روح ابنته المرحومة “خديجة جمال” تلك التي كانت تنهل العلم والمعرفة في تحصيل درجاتها العلمية.
وحين وجدت من يقرأ؛ حاولت مما في حوزة مكتبتي الخاصة أن أضع كثير من الروايات والدراسات النقدية في القصة والرواية بين يديه… صديقي وأخي الروائي “محمد فتحي المقداد”. وحين انتهت هذه الورقة توقفت عن الكتابة.
** مسيرة مُكلّلة بالعطاء على مدار ربع قرن. *ما رؤيتك للمشهد الثقافي عمومًا؟. * بخصوص إشكالية النقد والنقاد، والصراع بين الأصالة والمعاصرة، فهل يحتاج النقد للجرأة في بيان وجهة ونظر الناقد؟.
*ما هي كلمتك للكُتاب الجُدُد كنصيحة من خبير يُعتذُّ به؟
– الذي يفصل المشهد الثقافي عن المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يملك الرؤيا للواقع الثقافي… هي الحياة وفصولها المتجددة لن أقول الحقيقة كاملة فما كنت ألمسه في بدايات الأعوام من 1990 ولغاية عام 2020 أفضل مما ألمسه اليوم، وهو انحدار في القيم الثقافية والإبداعية لصالح الخراب لم نعد نجد سياسيًا مثقفًا، أوصاحب مشروع حضاري. فساد يتشرى في الثقافة والإبداع، والتكسب من الثقافة من أصحاب أجندات حياتية وليست ثقافية. ما يمكث في الأرض لا يبشر بغد أفضل. وما ينفع الناس أصبح فعل شخصي لرواية خابية.
-النقد علاقات شخصية، لا تحتكم إلى مشروع حضاري فاعل. اطلعت على تجربة كاتب رواية، ووجدت ناقدًا منحازًا إليه، ولم أجد دراسة نقدية جادة
هل أحدثك عن النقد حسب الجنس الإبداعي. أم أحدثك عن نقد ينحاز إلى كتابات الأنثى والتميز النقدي حسب الجنس. هل أحدثك عن إنتاج منفلت وغياب الرؤية النقدية الجادة المتابعة. هل أحدثك عن استجداء النقاد من قبل المبدعين…
-كلمتي للكتاب الجدد… القراءة …. القراءة…. القراءة… والبقية تأتي دون عناء.
لا تلتفتوا إلى محددات النقد ومثبطات الإبداع…
*البطاقة الشخصية والأدبية:
“محمد علي فالح الصمادي” مواليد 1961. بلدة عنجرة. محافظة عجلون. الأردن. رئيس ملتقى ألوان الثقافي. صدر له “الأرض الأولى” و”شذرات وقطوف” و”يوميات ميت على هامش الحياة” و”ولا حياة لمن لا تنادي” و”حنين وسبع أخريات” و”هو الذي يرى”.
- أمينًا له العديد من هيئات المجتمع المدني والعديد من الهيئات الثقافية.
- أميناً له رابطة الكتاب الإداريين منها اربد للدورين متتاليين.
- رئيس لملتقى ألوان الثقافي مع ألوان للثقافة والفنون.
- مدير المهرجان عائشة الباعونية الثقافي.
- مشاركات متعددة في المؤتمرات والمهرجان والأمسيات القصص ية للعديد من المهرجانات والأمسيات الشعرية والقصصية.
28/5/2022