دكتور عبدالعزيز اللبدي ضيف آفاق حرة للثقافة

حاوره سليم النجار.

العناوين:
‎‐ العصر الجليدي الأخير، كانت الصحراء الغربية الكبرى أكبر مما عليه اليوم.
‎‐ باب المندوب هو مكان الاتصال الثاني بين آسيا وأفريقيا.
‎‐ بدأ كتابة التاريخ بعد تغيير المناخ.


‎١**ماذا تقصد بنظرية الصحراء الكبرى؟
‎ج ـ نظرية الصحراء الكبرى نظرية تستحق الاهتمام أيضًا، فهي تضع أصل التطور الحضاري في منطقة الصحراء الكبرى، التي شهدت فترات مختلفة من الأمطار والبيئات المناسبة لتطور الحياة والحضارة، ثم اضطرت هذه الكيانات إلى الهجرة في أوقات التغير المناخي والجفاف إلى أوروبا وآسيا عبر مصر وبلاد الشام.

‎٢- لم تكن الفترة الأفريقية الرطبة هي المرحلة الأولى من نوعها؛ توجد أدلة على وجود حوالي 230 حالة مماثلة أقدم مثل هذه «الصحراء الخضراء»، مما يعني تكرار التصحر وعودة الأمطار.
‎خلال العصر الجليدي الأخير، كانت الصحراء الكبرى أكبر بكثير مما هي عليه اليوم، ممتدةً جنوبًا إلى ما وراء حدودها الحالية. ومع نهاية العصر الجليدي، هطلت أمطارٌ أكثر على الصحراء الكبرى من حوالي 8000 إلى 6000 قبل الميلاد، ربما بسبب مناطق الضغط المنخفض فوق الصفائح الجليدية المنهارة شمالًا.

‎٣- هل صحيح ما ذهبتَ إليه أن “نظرية الخروج من أفريقيا” هو خروج الإنسان العاقل؟
‎ج ـ هناك نظريات عدة حول الموضوع، فمنها ما يقول إنه الإنسان العاقل، ومنها من يقول إنه الإنسان الماهر، فقد بدأ تكوّن الإنسان العاقل حوالي 60,000 ق.ح، والإنسان الماهر كان قبل ذلك، وهو وقت خروج البشر الأوائل.

‎٤- ذكرتَ في كتابك “في البدء كان العرب” إننا دخلنا في حقبة جديدة يكون فيها الاختلاط احتمالًا حقيقيًا، وأضفت أن هذا الخيار كان يُعد سابقًا في الأدب؟
‎ج ـ لقد دخلنا فعلاً في مرحلة الاختلاط، نتيجة تقارب المسافات في العالم الناجمة عن تطور وسائل النقل ووسائل الاتصال في التكنولوجيا الحديثة. وقد أصبح هذا الاحتمال واقعًا، فيما كان في السابق نظّريًّا فقط نتيجة المسافات الهائلة التي كانت تُقطع بالوسائل المتاحة قبل الآن.

‎٥- ذكرتَ في كتابك اسم “حريف” وأردفت (حريف: في صحراء النقب في فلسطين)، ثم تابعت (في النوبة جنوب مصر)، هل توضح أكثر؟
‎الحريفي هو تطور ثقافي إقليمي متخصص في العصر بعد الحجري القديم في صحراء النقب. لدى الحريفيين صلات وثيقة مع ثقافات العصر الحجري الحديث المتأخرة في الفيوم والصحاري الشرقية في مصر، التي تشبه مجموعة أدواتها تلك الموجودة في العصر الحريفي. وانتشار الأونانيين إلى حريف في المشرق يوضح وجود السلالات الكوشية في المشرق والأناضول.
‎إنَّ نشأة هذه القبائل الكوشية المتنوعة في الصحراء القديمة تفسر التشابه بين اللغات الأفريقية السوداء والسومرية والدرافيدية والعيلامية. ربما كان الموطن الأصلي للمتحدثين في النيجر والكونغو يقع في المرتفعات الصحراوية.
‎لم تكن الثقافة الأونانية معزولة في أفريقيا (ثقافة بعد الحجرية القديمة، شمال مالي الحالية). لقد انتشرت في بلاد الشام، ونتيجة لذلك لدينا في الأدب الأثري اسم نقطة أونان– حريف (حريف: في صحراء النقب في فلسطين). تم اقتراح هذا الاسم للنقاط المتشابكة في نبتا (في النوبة جنوب مصر) وبير كسيبة (في النوبة، جنوب مصر).

‎٦- وضحتَ أن ذروة الاحتلال البشري في الصحراء الغربية بين 4700 – 6500 قبل الميلاد، لو شرحت أكثر ما ذهبتَ إليه؟
‎حدثت ذروة الاحتلال البشري في الصحراء الغربية بين 4700 و6500 قبل الميلاد، وكانت الظروف والموارد مهيأة لأول الصيادين–الجامعين، والصيادين، ولاحقًا الرعاة، الذين وصلوا الصحراء في الوقت الذي تطورت فيه البحيرات. قد يكونون قد أتوا إما من الشمال (المغرب العربي أو برقة)، أو من الجنوب (أفريقيا جنوب الصحراء)، أو الشرق (وادي النيل). زاد عدد السكان في الصحراء في بداية الفترة الرطبة. تم العثور على آثار النشاط البشري في جبال أكاكوس جنوب ليبيا، حيث تم استخدام الكهوف والملاجئ الصخرية بوصفها مخيمات أساسية للبشر، مثل كهف وان أفودا وملاجئ وان تابو وتاكاركوري الصخرية.
‎وأدت الصحراء الخضراء إلى انتشار مستوطنات الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا والصحاري العربية، وكان لها تأثير عميق على الثقافات الأفريقية. عاش الناس في الصحراء بوصفهم صيادين وجامعين للماشية والماعز والأغنام. تركوا وراءهم المواقع الأثرية المذكورة في جنوب ليبيا. تم افتراض فترات رطبة مبكرة في أفريقيا بعد اكتشاف هذه اللوحات الصخرية في أجزاء غير مضيافة الآن من الصحراء. عندما انتهت هذه الفترة، تخلى البشر تدريجيًا عن الصحراء لصالح المناطق ذات إمدادات مياه أكثر أمانًا، مثل وادي النيل وبلاد ما بين النهرين، إذ أدت إلى ظهور مجتمعات معقدة في وقت مبكر. عندما أجبرت الظروف الجوية على التخلي عن تلك المناطق، لم يكتمل التجفيف النهائي للصحراء حتى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد. يعتقد العديد من علماء الآثار أنَّ هؤلاء الأشخاص هاجروا جنوبًا إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أو إلى وادي النيل، فقد تحسنت البيئة بشكل كبير عندما جفَّت من الفيضانات الشديدة السابقة.

‎٧- “باب المندب هو الاتصال الوحيد بين الجزيرة وأفريقيا منذ أقدم العصور”، ما هو تعليقك على ذلك؟
‎باب المندب هو مكان الاتصال الثاني بين آسيا وأفريقيا بعد حصول انفصال آسيا عن أفريقيا قبل حوالي 20 مليون سنة، إضافة إلى صحراء سيناء التي تتصل بفلسطين حسب الدراسات الجيولوجية. ولا يبعد البر الأفريقي عن البر الآسيوي (اليمن وجيبوتي حاليًا) سوى بضعة كيلومترات، كانت أقل في العصور الغابرة، وزادت المسافة بعد ذوبان الجليد في الشمال وارتفاع مياه المحيطات أمتار عدة. في الفترة الأولى كان في الإمكان قطع المسافة ربما سيرًا على الأقدام أو بوسائل بسيطة نظرًا لضحالة المياه في المضيق. وقد عرف التاريخ العربي فترة قُطعت فيها على الأقدام، وهذا ربما يفسر وجود الحيوانات الأفريقية في جزيرة العرب من عظام الفيلة والأسود، أو ربما يفسر وجود القردة في اليمن حتى الآن.

‎٨- ما هي الأسباب التي جعلتك تقول إن شبه الجزيرة العربية ظلت مجهولة في دراسات ما قبل التاريخ؟
‎هذا ليس تجنيًا، بل إن هذا ما نجده حديثًا في كتب التاريخ المعاصرة، بل والقديمة، فقد بدأت كتابة التاريخ بعد تغير المناخ واختفاء حضارة وآثار الجزيرة العربية، وعدم ظهور اهتمام محلي بالموضوع حتى وقت متأخر، وبدأت الحكومات العربية تهتم بالموضوع من خلال الجامعات الجديدة والأبحاث العالمية التي تعتمد أحدث الوسائل العلمية والحفريات المنظمة. ويلاحظ القارئ اعتمادي على مصادر من باحثين جدد عرب وأجانب بدأوا يهتمون بتاريخ الجزيرة العربية والتاريخ العربي. ولا يفوتنا ملاحظة أن المؤرخين الأوروبيين كانت تتركز أبحاثهم التاريخية في القرنين التاسع عشر والعشرين في المنطقة العربية على إثبات تاريخية التوراة، وليس على تاريخ المنطقة كما هو.

‎٩- متى بدأ البشر في تربية الحيوانات في المنطقة العربية؟
‎ج ـ تربية الحيوانات واستئناسها بدأ في المنطقة العربية منذ فجر التاريخ، فقد بدأ الصيد وبدأت الحيوانات الأليفة تؤلف نفسها وتتأقلم مع الإنسان الذي رأته أقوى منها، مثل القطط والكلاب والماعز والحيوانات المسالمة مثل البقر والدجاج والطيور التي أصبحت أليفة لرعاية الإنسان لها وحاجته إليها. أما الحيوانات الكاسرة فلم تحترم الإنسان؛ لأنها رأت نفسها أقوى منه، واستهانت بقدراته العقلية، فخسرت المعركة، فإما انقرضت أو ابتعدت عنه قدر الإمكان.
‎لقد تم تدجين الحصان مثلاً في الألفية التاسعة، كما تم ترويض الجمل في الألفية الثالثة، وتم ترويض الماعز والغنم بحلول 8000 ق.م.
‎كما كان القمح يُزرع ويُستخدم على نطاق واسع في بلاد ما بين النهرين بحلول 7700 قبل الميلاد، والماعز بحلول 7000 قبل الميلاد، والأغنام بحلول 6700 قبل الميلاد، 6500 قبل الميلاد.

‎١.- تساءلتَ في كتابك أن التشتت الحديث نشأ في شبه الجزيرة، وليس في أفريقيا؟
‎ويبحث روز في كتاب جديد عن أصول تطور البشرية ويقول: إنَّ الإنسان الذي خرج من أفريقيا قد انقرض بعد بركان توبا في إندونيسيا، وأنَّ من بقي من البشر بعده كانوا يقيمون في المنطقة العربية، ومنهم نشأ الإنسان الحديث. يقول: لم يقضِ الشتاء البركاني تمامًا على المجموعات البشرية الحديثة خارج أفريقيا. وبصرف النظر عمَّا إذا كان قد تسبب به توبا أو مجرد تذبذب آخر حتمي لدورات ميلان الأرض، فإنَّ بداية مرحلة النظائر البحرية الرابعة (MIS 4) عند حوالي 70 ألف سنة تتزامن مع عنق الزجاجة الوراثي في جنسنا، الذي كان شديدًا للغاية، ربما انخفض عدد السكان البشريين بالكامل إلى مستويات منخفضة تصل إلى 2000 فرد.
‎كما رأينا مرارًا وتكرارًا طوال عصور ما قبل التاريخ البشرية، ونظرًا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي الممتد بين أفريقيا وأوراسيا، فإنَّ شبه الجزيرة العربية هي علامة الاستفهام الكبرى في هذا السيناريو. هل يمكن للبشر البقاء على قيد الحياة خلال الفترة الجليدية في جيوب منعزلة – الملاجئ البيئية – بين 60 ألف و70 ألف سنة؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل نشأ التشتت البشري الحديث اللاحق من شبه الجزيرة العربية، وليس من أفريقيا؟ ما هي الأدلة الجينية والأثرية التي تم العثور عليها في شبه الجزيرة العربية من هذه المرحلة من رحلتنا التطورية؟
‎فحص فيرنانديز وآخرون العلامات غير القابلة لإعادة التركيب بين السكان العرب الأحياء، وخلصوا إلى أنَّ شبه الجزيرة العربية كانت “نقطة انطلاق أولية في أول هجرة ناجحة للإنسان الحديث”.
‎كان هناك إطلاق للهجرة اللاحقة بعد 70 ألف سنة، عندما تعافى نوعنا من الانهيار السكاني في مرحلة النظائر البحرية الرابعة (MIS 4)، وانتشر في أوراسيا. تطور معظم التنوع الجيني الأمومي الذي نلاحظه بين سكان شبه الجزيرة العربية اليوم بين 30 و70 ألف سنة في شبه الجزيرة وحولها.




‎السيرة الذاتية :
‎‐ ولد في حيفا ١٩٤٦ .
‎‐ أنهى الثانوية العامة ‐ جنين- ١٩٥٥ .
‎‐ درس الطب في جامعة بون في ألمانيا ‐ تخرج عام ١٩٧٤ .
‎من مؤلفاته:
‎‐ ذهب الرقيم ‐ رواية تاريخية عن الأنباط ‐ دار الشروق ‐ عمان ‐ ٢.١٤ .
‎‐ عكانا ‐ قصة صمود عكا والجزار ‐ رواية تاريخية ‐ دار الشروق ‐ عمان ٢.٢١ .
‎‐ الجوائز التي حصل عليها .
‎حاز على جائزة الطب العربي من اتحاد الأطباء العرب والرئيس الجزائري عام ١٩٩١ .


 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!