بقلم محمد أبو الهيجاء
عنوان القصيدة: “أُهْزُوجَة العشق”
الأهزوجة هي أغنية أو أنشودة جماعية بسيطة،لكن الشاعرة تستخدم هذه الكلمة بشكل مقلوب. فهي لا تتحدث عن عشق بسيط، بل عن عشق معقد، ملتبس، مليء بالتيه والألم، مما يجعل “أهزوجتها” أشبه بأنشودة وجودية.
الموضوعات الرئيسية في القصيدة:
1. استحالة تعريف العشق: تبدأ القصيدة بسؤال الموجه (الحبيب/المحبوب) عن “الخبر اليقين” في العشق، لكن الإجابة ليست مباشرة. العشق هنا ليس حقيقة مطلقة، بل هو “خرائط تيه” و “مجاز شرود”. إنه قوة جامحة لا يمكن احتواؤها بفهم منطقي.
2. ازدواجية المحبوب (الأنثى والذكر): يتم تصوير المحبوب على تناقضاته:
· “قيام أنت.. مسبحة بلا خيط ولا خرز”: كائن قائم بذاته لكنه مبعثر وفوضوي.
· “مجاز أنت كالقدر”: استعارة غامضة وقاهرة مثل القدر.
· “مسكون بمزمار من العوسج”: جميل (المزمار) لكنه نابع من الألم (العوسج شجرة شوكية).
3. التوحد مع الألم (مقام الحزن): تكرس الشاعرة جزءاً كبيراً للحديث عن علاقتها الوجودية مع الحزن. فهو ليس شعوراً عابراً، بل هو “مقام” (مكان ومرتبة) يعرفها، يدغدغها، ويشاكلها (يشبهها) بل ويكبّلها. إنه جزء من كيانها الفني: “ويبصرني الجوى الشادي” (ألم يغني).
4. الطقوس الشخصية والمقاومة: تخلق الشاعرة عالمها الروحي الخاص:
· “فيه توضأت هدبي وصَلَّت فيه قاماتي”: تستخدم لغة الطقوس الدينية (الوضوء، الصلاة) لوصف علاقتها بالجوى.
· “أرفع كل سارية على أوتاد آهاتي”: ترفع رايات وجودها على أوتاد آهاتها، مما يجعل الألم أساساً للصمود.
5. الإحساس بالغربة والتميز: هي “يتيمة لا تتبجح في مخيمات المقهورين”. تشعر بالغربة حتى بين المقهورين، وتذكر “صغارها المذبوحين” مما قد يشير إلى ألم جماعي (ربما وطني أو إنساني).
6. السؤال الوجودي والتوق الدائم: القصيدة مليئة بأسئلة “وتسألني… لماذا؟” التي تبقى بلا إجابة مباشرة. الرحلة نحو العشق لا تنتهي: “نمضي في مسار العطر.. نمضي ثم لا نصلُ .. متى نصلُ؟”. هذا يعكس حالة الشوق الدائم الذي لا يشبع.
7. الطاقة الإبداعية والعجز: في داخلها “آلاف النسور تمور” و “تضيء زوايا القلب”، وهي قادرة على “تنظيم زيت مشكاتها” (إضاءة طريقها). لكن هذا يقابله عجز عن التعبير (“ظلام هام في قبسي”، “مداد حار في سؤلي”) وعن الوصول إلى حالة من الهدوء (“قلبي المشطور لا يغفو ولا يهفو ولا يثمل”).
الخصائص الفنية:
· اللغة: لغة شعرية مركبة، تجمع بين البساطة الظاهرة (كلمات مثل أهزوجة، حبق، مزمار) وعمق الدلالة والرمز.
· التكرار: تكرار “وتسألني” يعطي إحساساً بالحيرة والاستنفار.
· المفارقة: استخدام المفارقات مثل “مسبحة بلا خيط”، “يقين أنت كالفيروز.. شك أنت كالعشق”.
· الرمزية: استخدام رموز قوية مثل “العوسج” (الجمال المتولد من الألم)، “النسور” (القوة والروحانية)، “المداد” (الإبداع الذي احترق قبل أن يكتب).
· الموسيقى الداخلية: إيقاع نثري ولكن مع تكرارات موسيقية تخلق أنشودة خاصة بها، متناسبة مع العنوان.
خلاصة التفسير:
“أهزوجة العشق” ليست أنشودة فرح، بل هي ترنيمة وجودية لحالة إنسانية معقدة. إنها تصور العشق ليس كهدف يمكن بلوغه، بل كرحلة من التيه والألم والجمال والبحث المستمر عن المعنى في قلب المعاناة. الشاعرة لا تجيب عن أسئلة العشق، بل تنسج من حيرتها وألمها وشوقها نسيجاً شعرياً يؤكد أن السؤال نفسه، والرحلة ذاتها، هما جوهر “الأهزوجة”.
القصيدة:
أُهْزُوجَة العشق
ـــــــــــــــــــــــ شعر : أحلام حسين غانم
وتسألُني عن الخبرِ اليقينِ، وكيف قد يأتي؟
عن المفتاح في أُهْزُوجَة العشقِ؟
وعن عشقي وعن ليلي وعن بوحي وعن صبري؟
وتهزجُ بي … وترحلُ بي
وأبصر في معاني العشق بعض خرائط التّيهِ.
قيامٌ أنتَ.. مِسْبحةٌ بلا خيطٍ ولا خَرَزِ
مجازٌ أنت كالقدَرِ
وأمْرٌ أنت مسكونٌ بمزمارٍ من العوسجْ.
كيف لا تحتل قامتكَ المجازاتُ الشرودُ
وكيف لا تشردْ؟!
حفِيًّا فيك تجري الريحُ والأمواهُ.. والزئبقْ
وتسألُني ..وتسألُني
لماذا نصفيَ المحموم لا يشكو .. و لا يرنو ولا يُصهرْ؟
مقامُ الحزنِ يعرفُني
يدغدغني
يتسلّل عبقه بأنفاسي
يتسلل إلى وتري
يشاكلني
يكبّلني
ويبصرُني الجَوَى الشَّادي
ففيه توضَّأتْ هدبي وصلَّتْ فيه قاماتي
أنا والطائرُ المجروحُ والبدرُ الذي
أضناه صمت البحرِ نصفانِ
فلا أُقدِّم المعنى لدائرة العدم
قد يعرفني المعذبون
وأعرفهم عن بُعد
وأعرفُها شفاه الوردِ
أعرفُها عيون القلبِ
أعرفُ شِرْعةَ الباري
وأشرعُ كلّ مدرسةٍ ، وأقرأ كلّ فاتحةٍ
وأنظمُ زيتَ مشكاتي
وأرفعُ كلّ ساريةٍ على أوتاد آهاتي
يتيمةٌ
لا تتبجّح
في مخيمات المقهورين
و في دماء
صغارها المذبوحين
باسم الله
وتسألني لماذا لم أُهزجْ ..؟!
كأنَّكَ لم تراودْ لهفةَ العشّاقِ عن نفسي
وآلاف النُّسُور تمورُ في رأسي
وتجمعُ عُشَّها الصوفيَّ .. في دفءٍ وفي شغفِ
أضيءُ لها زوايا القلبِ
أحضنها وأبتهلُ
ويزهرُ عندنا الحبقُ
ونمضي في مَسارِ العطر..
نمضي ثم لا نصلُ .. متى نصلُ ؟
ظلامٌ هامَ في قبسي
مِدادٌ حار في سُؤلي
دُوَارٌ طعمهُ كالآسِ ، كالرَّيحانِ يا مَدَدي
يقينٌ أنت كالفيروزِ
شكٌّ أنت كالعشقِ
سريعٌ مثلَ ومض الشِّعرِ
رسولٌ مثلَ عطرِ الليلِ ، مثلَ رسائل الوجد..
رضيًّا فيك يجري الدَّمْعُ، والأجرامُ ..والكوكبْ
وتسألُني ..وتسالُني
لماذا قلبيَ المشطور لا يغفو ..ولا يهفو
ولا يَثملْ ؟!
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية
