هل يمكن القول بأن الاغتراب يصنع ويصنع حيثما قد يعيش الإنسان. لقد وجد الاغتراب في كل الأزمان ‘ شأنه شأن المحبة والكراهية.
ان البحوث التي لا تستخدم بالضرورة الوثائق أو الآثار‘ اخدت تنمو على نطاق واسع نتيجة استخدام المعرفة النفسية و العلمية في اواخر القرن التاسع عشر و في اوائل العشرين.
إن تاريخ الهجرة الكبرى والجمهوريات في مؤلف
Ahistory of Africa south of the Sahara.
- Donald L. Wieder
يعطي صورة واضحة وقاسية عن الاغتراب‘في
الهجرة الكبرى.وإذا كان الاغتراب قدسجلتآثاره بوضوح
في عدة أحداث ‘ خاصة الانسانية والثقافية و الدينية و السياسية ‘ فان الانسان الحديث بدأ في التفاعل مع المؤثرات التكنولوجيةعلى نقل ثقافته وهمومه ومعاناته من الاضطهاد بشتى اشكاله‘وما يعانيه من ضغوطات الأزمات الروحية والمادية التي جعلته يقف حائرا بين العقل والواقع.لأنه يعيشه اغترابين‘ غربةالمجتمع وغربة المفاهيم‘ وفي ضل هذا الاغتراب وسطوة الأزمات النفسية والعقائدية والمادية‘ تولدت لديه دراما الإحساس بالمتناقضات‘وهاته الدراما ادت به في غالبالأحيان الى فقدان العقل والانسياب وراء العبث‘ وأخرى وهي الأقل ان بتقتعنها قوة الحس الإنساني‘وهي قوة حالمة متفاعلة‘ و لغة شاعرية تعبيرية.
فمهما كان الاغتراب هوياتي او ترابي‘ فهو باب من انواع الابداع الشعري و وصهوته. فسلطة شعر الاغتراب لا تقاوم. انه ليس اختزال مشاعر ظواهر إنسانية ‘ بل إكسير معاناة الروح الادمية ‘ ورموزوشفرات‘ قد لا يفهمها ولا يراها الا من عاش حالة الاغتراب القاتلة ولو جزئيا.
فلغته ليست اعتيادية بل رمزية ذات جوهر وهدف.
إذا كان شعر الاغتراب هو تلك الرؤية التحليلية للأشياء و الظواهر و السلوكيات‘ فهو صدامي مع نفسه‘ يخلخل ما هو ثابت عند البعض لأنه يري الواقع من زاوية أوسع‘ لا يحرق ولا يدمي‘ بل يلقي رذاذ تساؤلاته القلقة بلغة الاختلاف‘ لا لغة الخلاف‘ وطرح الأسئلة للبحث في عمق الروح الإنسانية ‘ لأنه ليس رؤية ذاتيه بل صورة معاناة نمط عيش يسرد بطريقة خاصة.
هاته الخاصية تتضح لنا إذا تفحصنا شعر المهجر‘ فغالبا ما تبدو الاشعار من السطح غير سهلة وانسيابية. إنها ليست أشعار للغوص في أعماق انفس والفكر بسهوله. فهي تحتاج إلى تشغيل الشعور ثم السبح في الاستنباط لإدراك المعنى المجازي ‘ والمقصود من الهدف. أنه ليس سردا عاديا لإشباع رغبة آنية. بل لإنتاج معنى استفهامي لما قد يحصل من متغيرات في الصورة أو المشهد بعد البحث في الظلال الدلالية للجمل التصويرية مع تقاطب الأمكنة والأزمة ليتضح المشهد الضبابي.
فرغم هيمنة الحاضر يولد الماضي في الاغتراب ‘ وتستيقظ فيه الرغبة لمواجهةحاضره المعاش من استنساخ الهوية. فشعر الاغتراب هو الاكثر انغراسا في النفسية الانسانية‘ والأكثر اثرا في التحام الروح مع الذات عند المغترب. لأنه ميزان الحالة العاطفية الذي يؤدي إلى السكينة بتقبل المتحول والثابت الى حين تغييره. ويعطي الحرية الفنية غير المقيدة في الكتابة ‘ ويعيد تركيبة تشكيلة تبدو مشتتة ‘بطريقة أذكى.