إضاءة على إصدار أوراقي للكاتبة سهاد الدندشي

بقلم: الروائية الأردنية عنان محروس

كتاب أوراقي ، أوراقي أنا، وأقصد بالأنا الكاتبة سهاد ، وياء الملكية في نهاية عنوان من كلمة واحدة، تعبير مباشر عن أشياء مملوكة لنا، عن مشاعرنا التي تخصنا، عمّا وقع من غربة وإرهاق وألم وتعب على أرواحنا، لكن، إن خرج النص من عتبة سرية قلم الكاتب إلى جهورية إطلاع القارىء، بعد الطباعة والنشر ، أصبح ملكنا جميعًا، وأعني ، أوراقنا وليس فقط أوراقي
بالطبع تختلف النيّات في تأويل النصوص، حيث هناك مسافة بين نيّة الكاتب وتجاربه الشخصية وبين القارىء، فكل إنسان يقرأ من منظور مختلف تماما حسب توجهه وعمق ثقافته، لكن النص القوي الواضح يقود إلى ماهو أقرب من القصد الحقيقي ، وبكل الأحوال، التباين والاختلاف في الآراء ، يثريان النص ويمنحانه العمق المطلوب
من على عتبات الوطن ، امرأة مرهقة، تتأرجح عبر ريح عاتية، مابين عناء الغربة، وظلم الانتماء، وقدر المنفى، إلى فقدان النفس والروح ونسيان من نحن فعلًا، لنلمح في ظلال الذاكرة ظلًا لحبيب لم يغادر، مهما حاصرنا الظلام، يبقى النور خيطًا متينًا لاستعادة وعينا
مخيرين أو مجبرين، في الجنة أم في النار ، في عتمة السجن أو بهاء الحرية، يقتلنا الرعب ليس من الموت نفسه ولكن مما قبل الموت، من غدر أمواج البحر وربمّا من هرولة العمر

انتقلت مشاعر سهاد من على الورق إلى كيانيّ بامتياز، لعدة أسباب، أولًا من القلب للقلب رسول ، والأديبة كتبت بقلبها لا بقلمها، ثانيًا ، أي إصدار يُطلب مني إضاءة عنه ، أعتبره أمانة، وآخذه على محمل الجديّة التامة، فأكون المكان والزمان والشخوص،
أما السبب الرئيسي فهو ترجمة النصوص لواقع الكثيرين والكثيرات ، من تجارب حقيقية، وهذا سبب نجاح الأديب، اقتراب سطوره من معاناة البشر ، وفراق الأحبّة، فالنضج مرادف للمغادرة، لكن هنا اختلف السبب، القضبان والأسوار العالية ، هما من أقصيّا ثمار الحب عن اكتمال الإدراك والنمو
لنصوص سهاد عمق ، خضعت فيه الكلمات إلى ترابط رمزي، بلغ حدًا عاليًا من التماسك والانتباه الشديد من المتلقي ، ليرصد ما وراء الحالة ، ما وراء التساؤلات!
هل يسأل عني ؟ هل يتذكر صوتي؟ هل أصبحت في ذاكرته مجرد ظل بعيد؟ أي لعنة هذه التي تجعل الإنسان سجينًا حتى حينما يكون حرًا؟ مامعنى الوطن إن لم يكن بيتًا يحتوينا؟ هل سأنجو؟ هل سأتوسل؟كيف ستكون اللحظة الأولى قبل أن ينهشني الذئب ؟ وغيرها من الأسئلة الكثير، والسؤال الوجودي سؤال مربك ، لكنه يزرع الشك والاستفسار، والجوانب المختلفة للجواب، ويوجه إلى منهجيّة تحقيق الهدف، وصياغة محتوى النصوص في كتاب أوراقي ، إلى نص واحد طويل ، ينساق إلى مرادفين، المعاناة والاغتصاب بكل معانيه الجسدي والفكري والنفسي
أحلام مسروقة، ومقاومة من العدم، حتى تصل إلى
هل الحشرات ، تلك الكائنات الضعيفة ، على قيد الحياة أكثر مني ؟،
رغم العتمة والوهم ، بقيت نصوص الكاتبة ثرية بالنور ، سهلة الفهم، عميقة الرسالة، تعالج مرحلة معينة من زواية محددة، وتأويل يتفاوت حسب قدرتنا على الشعور بالآخر وتبديل المواقع افتراضيا
أوّثقُ أنا أيضًا السلام للعابر عبر الزمن الذي أعاد لنبض الحرف ألقه مابين الأمومة الأولى والثانية ، بين الأبناء والأحفاد، بعد رحلة شقاء في زنزانة، وقبور جماعيّة للأحياء ، ومقارنتها بكرامة الحرية وفرح براءة الطفولة، وللأمانة صَعُبَ علي تخيّل بعض المشاهد لقسوتها، وتجمّد قلمي الذي أعتبره لينًا ، في التعبير عن بعض المواقف والأحداث، وأترك لمن يريد سبر غور سطور أوراقي ، الإصغاء إلى وتيرة الألم، لكن بدوري لابدّ لي من طرح بعض الأسئلة على الكاتبة ، ولها حق الامتناع عن الجواب أو التلبية،
هل نبقى كما نحن بعد رحلة مقيتة؟ ،هل العودة إلى حضن الوطن تجبُ ماقبلها؟، هل تشفى الجراح بالهجرة أو التغيير ؟، هل الزمكانية تسكننا أم نسكنها؟، وفي النهاية احترت في تصنيف الإصدار ، هل هو مجموعة من الخواطر ، اعتمدت التعبير عن موقف بعينه، وركزت على الجانب الانفعالي العاطفي، والخاطرة لمحة سريعة تلامس الوجدان ، أم هو بعض من سيرة ذاتية إنسانية، وثّقت الواقع بصورة الحالة التي كانت عليها، عبر قصة أيام ومواقف لاتنسى
حسب وجهة نظري ، هي كلتاهما معًا، نصوص سردية تضمنت انتقاء للألفاظ والصور التعبيرية وتقديم الفكرة بشكل مباشر عبر إطار من رهافة الحس والتعبير

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!