إضاءة على المنجز الأدبي للشاعر (عصام الأشقر)
بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد
لمتابع المشهد الثقافيّ على السّاحة العربية عمومًا، والأردنية خاصة، لا بدّ له من التوقف أمام قامات أدبيّة، ومنجزات لها جاءت من رحم معاناة ثقافيّة، منها ما سُلّط عليها الضّوء، ومنها مازال يراوح مكانه، بانتظار لحظة ميلاد جديدة ثانية، بعد مخاض ميلاده الأوّل في قلب وروح الأديب.
أربعة منجزات صادرة للأديب عصام الأشقر:
*(كلمات غضبى)، المنجز الشعري الأول في العام ٢٠٠٨
*(هزّي جنوني)، المنجز الشعري الثاني في العام ٢٠٠٩
*(كسر الجليد) كتاب نقدي عبارة عن قراءات في أعمال الأديبة (ثريا ملحس).
*(البُنى الأسلوبية في الشعر السعودي المعاصر) قراءة نقدية لشاعر الجزيرة (غازي القصيبي) أنموذجًا.
*أما المنجزات المخطوطة:
*(ثم أشعلنا الزمان) شعر
*(البنى الأسلوبية في الشعر الأردني المعاصر) دراسة نقدية
*(التحليل التركيبي في رواية/ عو) دراسة نقدية
*(قراءة لسانية في جملة التعجب) دراسة نقدية
*(قراءات في الجملة النحوية ودلالاتها) دراسة
بعد تثبيت هذه القائمة من منجزات الشاعر المُثقّف (عصام الأشقر) الذي اشتغل على إثراء المشهد الثقافي العربي برافد حقيقي وعميق بطروحاته الجادّة. ثلاث مجموعات شعريّة، وستّ دراسات نقديّة. وفي ذلك تتجلّى الأبعاد الثقافيّة ذات المناهل المتعدّدة الرؤى في مسيرة (الأشقر) على مدار أكثر من عقد زمني.
بداية أتوقّف للتأمّل، وللانطلاق في مجموعته الشعريّة (كلمات غضبي)، وما بين دلالة غضبى وغاضبة، غضبى يكون الغضب في بنيتها وتركيبتها، بينما لو كانت غاضبة، مؤكّد أن هناك موقف استدعى استفزازها وإغضابها، في هذه الحالة يكون الغضب طارئًا ومؤقّتًا، بينما غضبى مختلف تمامًا.
ولن تطول الحيرة لاستجلاء الحقيقة فيما بين دفّتيْ الكتاب، ليحمل الوجه الخلفيّ من الغلاف الإجابة: (قلنا: سيأتينا المدد/ في يومنا.. أو يوم غد/ مضت السّنون ولم نجدْ/ إلّا الخطابات الني قد أورثتنا الدّاء/ وانحلّ من طول التّوهّج تحتها.. / منا الجسد). وخير الكلام ما قلّ ودلّ على السبب، والذي إذا عرفناه بطُل العجب.
وبتتبّع الكلمات الغاضبة في المجموعة: (إنّا انتظرنا أن يُفرجّ كربَنا/ شُمُّ الأنوف من الصحارى ينسلون) ص7. (خلف السّياج هناك خلف النّهر= عن أرضنا ينزاح ليل القهر)ص9. (وتشقّ صدر الصّمت صرخة طفلة= رُميَت بنار الحاقدين) ص11. (سنُنطقُ القبور/ لكي تُدين غدركم) ص13. (الدمّ نزّ مُشرشرًا من فتحة الجراح) ص15. (للقتل بندقية/ للردّ اثنتان/ للسِّلْم مَزهريّة/ للشّكر.. اثنان) ص17. (لشموس تُشرق ملء دمانا) ص19. (هذا أنا قد أحرقتني نِقمتي= ومضيتُ أزرعُ في الدروب أن اغضبوا) ص21. (قاموس فكري ما به إلا الغضب= لا ترتجي القول المُطرّز.. بالذهب) ص23. طائفة من الشّواهد المقتطفة من المجموعة؛ أجابت بوضوح تامّ لا لبْس فيه، عن دلالة العنوان، خاصّة إذا الأمر مُتعلق بوطن مغتصب، كان يومًا مسقطًا لرأس الشاعر، فيه رأى النّور، وفيه نبتت أحلامه وآماله المُنطفئة.
وبالانتقال لمجموعته الشعرية الثانية (هزي جنوني)، ومن المحطة ألأولى انطلاقتي؛ فعلى صفحة الغلاف الخلفي، أتلمّس فلسفة العنوان، يقول الشاعر: (هزّي جنوني.. واجمعيني/ من تشظيِّ المُريع/ فأنا الصريع/ وأنت يا مجد التأمّل غايتي/ ولأجل عينيك اللواتي في فؤادي/ قد غُرسن.. وفي الكبد/ أعلنتُ أني مُنتمٍ/ مُتأصّل/ في كلّ أنواع الجنون). وفي الدخول لبواطن المجموعة، وجدتُ أنّ هناك قصيدة حملها الديوان عنوانًا له، (هزي جنوني/ لتُرقّصي الدنيا على شفتيّ). تراجعت نبرة الشاعر بعقلانية في هذه المجموعة، خلاف ديوان (كلمات غضبى) بمباشرة الإعلان عن حالات الغضب، والتعبير الواضح الخطّ الطافح بحماس الشباب، بينما هنا في (هزي جنوني) جاءت معظم القصائد مُتلفّعة بملاءة المرأة الحبيبة، وهو ما حكته كلمتيْ العنوان، الذي جاءت بطلبه لامرأة هزّ جنونه، وهو محمل اتّكأت عليه معظم نصوص الدّيوان، وهو مذهب الشاعر (نزار قباني) الذي حكى الكثير من القضايا السياسية تحت ملاءة المرأة.
وبالتوغّل في ثنايا القصائد تتبّعًا لهذا المنحى، ومن عنوانات النصوص: (أنا وأنتِ/ غياب/ لذُرى عينيكِ أزغرد/ مليكتي/ هزي جنوني/ دثار الرّوح/ كينونة/ التيه/ أشتاقكِ/ مِنَح/ أمنية/ إعلان/ الجنة أنثى.. إلخ) وهل بعد هذا الإفصاح من كلام يُقال.
وهناك ميزة الجمل الشعرية الرائعة المتناثرة بين طيات القصائد، وعلى سبيل المثال أقتنص بعضها لاستكمال الرؤية: (وأضاع النحلُ زهورَ لُماهُ/ وتلوّع نبضي بعيونكِ) ص16. (كيف الكواكب في دمي عُرسًا..) ص20. (قرّبي الدنيا لكفّي../ وامنحيني وصف ميلادي الجديد) ص27. (لأنثى في عيون الموج تسكن/ ينتمي هذا الحنين) ص30. (تتراكض روحي ألقًا../ تتكشف أشواقي وتُحَمِحمُ/ في سمع الكون رعودًا) ص34. (حرّقت سفن التراجع، ثم قالت للمحال:، عُدْ إلى حيث/ الخواء) ص39.
وسيطول الكلام في كتابيه النقديين، ولكن كتاب (كسر الجليد) سلط الضوء فيه على تجربة الأديبة والإعلامية (ثريا ملحس)، وقد فعل خيرًا بتأريخها أدبيًا، كمحطة مهمة في فترة تاريخيّة مهمّة على الساحة الفكرية العربية.
أما كتاب (البنى الأسلوبية في الشعر السعودي المعاصر – شاعر الجزيرة غازي القصيبي أنموذجًا) فقد درس فيه على مفهوم الأسلوبية وتطبيقاتها في أشعار القصيبي. وتفصيل مهم جدًا بتقنياته النقدية الدقيقة، وبرؤية ثاقبة بنفس الأديب المُتذوّقة لجماليات الشعر. وبهذا يثبت فحولة القصيبي الشعرية المميزة، وإضافة في رصيد الكتابات النقدية الكثيرة في أشعار القصيبي
___________.
عمّان – الأردنّ
١٨/ ٩/ ٢٠٢٠